لقيت دعوة الملك محمد السادس إلى التخلي الطوعي عن شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام، استجابة واسعة من أغلب الأسر المغربية، بمن فيها الفقيرة ومتوسطة الدخل، التي وجدت في القرار فرصة مواتية لإعادة ترتيب أولوياتها المالية، وتحويل ميزانية الأضحية وتكاليفها المرافقة نحو أنشطة ترفيهية أو سفر طالما تأجل بسبب ضيق الحال وارتفاع التكاليف. وفي ظل تفاعل المغاربة مع دعوة إلغاء شعيرة النحر لهذه السنة، مراعاة للظروف الاجتماعية والاقتصادية المتأثرة بغلاء الأسعار والجفاف وتداعياته على القطاع الفلاحي والثروة الحيوانية، برزت مؤشرات واضحة عن مستفيدين جدد من هذه الخطوة، في مقدمتهم القطاع السياحي والمهن المرتبطة به، مثل الفنادق والمنتجعات والشقق السياحية المفروشة والمطاعم ووكالات الأسفار ووسائل النقل، التي شرعت في الاستعداد لاستقبال موجة من العائلات التي قررت استثمار ميزانية “الكبش” في قضاء عطلة مريحة، بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية. في هذا السياق، أكد عبد الحق الستيتو، موظف جماعي بطنجة، أن قرار إلغاء ذبح الأضحية لقي ترحيبا واسعا من أغلب المواطنين، واعتبر قرارا حكيما يراعي التوازن بين إحياء الشعائر الدينية والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، مشيرا إلى أن هذا القرار لم يكن عابرا، بل نابعا من فهم عميق لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تقوم على التيسير ورفع الحرج. وأوضح الستيتو في تصريح لـ “الصباح”، أن التحول من طقس ديني واجتماعي إلى تجربة ترفيهية أو سياحية يعكس تغيرا تدريجيا في أنماط عيش المغاربة، ويبين كيف أن القرارات السياسية يمكن أن تعيد تشكيل الأولويات الاجتماعية، إذ صار العيد، بالنسبة للعديد من الأسر، عبئا ماليا ثقيلا يمكن تعويضه بتجارب أسرية ممتعة في فضاءات جديدة. من جهتها، اعتبرت الزهرة البقالي، أستاذة تعليم ابتدائي بإقليم العرائش، أن عدم إقامة شعيرة الأضحية أصبح ضرورة ملحة في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمغاربة، خاصة في ظل أزمة اقتصادية خانقة لا تبدو في الأفق مؤشرات واضحة لتجاوزها، مؤكدة أن هذا القرار الملكي الاستثنائي خفف من وطأة الأعباء المالية المرتبطة بعيد الأضحى. وأضافت الأستاذة، وهي أم لأربعة أطفال، أن “نداء الملك جاء في الوقت المناسب، ليخفف عن الأسر تكاليف العيد وما يصاحبه من متاعب الذبح والسلخ والتقطيع وغيرها، خاصة أن أثمنة الأضاحي وما يتبعها بلغت خلال السنوات الأخيرة ما يفوق خمسة آلاف درهم، وهو ما دفع العديد من الأسر إلى استغلال هذه الميزانية في قضاء جزء من العطلة الصيفية بأحد الشواطئ المغربية، بما يمنح الأطفال لحظة استراحة واستجمام بعد موسم دراسي طويل.” وفي ظل الاستجابة الواسعة لدعوة أمير المؤمنين بعدم إقامة شعيرة الأضحية هذا العام، سارعت مؤسسات فندقية ودور ضيافة وشقق مفروشة بمدن مثل طنجة وأكادير ومراكش إلى إطلاق عروض تشجيعية موجهة للطبقة الوسطى، وأعلنت عن برامج ترفيهية عائلية وأمسيات فنية للأطفال والكبار، بهدف جذب أكبر عدد ممكن من السياح الداخليين الباحثين عن بدائل للعيد. وقال مسير لأحد الفنادق بطنجة، إن “الحجوزات تضاعفت بشكل ملحوظ بعد أقل من أسبوع على النداء الملكي، حيث اختارت عائلات كثيرة استثمار ميزانية الأضحية في السفر إلى الشمال، خصوصا إلى مدن مثل طنجة وأصيلة ومارتيل وشفشاون”، مضيفا أن هذا الإقبال ساهم في رفع نسب الملء بالفنادق والشقق السياحية المفروشة، ومنح دفعة قوية للقطاع خلال فترة عادة ما تتسم بالركود. وفي انتظار تقييم رسمي شامل لتداعيات القرار الملكي غير المسبوق، يبدو أن القطاع السياحي هو المستفيد الأبرز حتى الآن، حيث إذا كان الفلاح قد خسر موسم الأضاحي بسبب الجفاف وتقلص الطلب، فإن المهنيين في السياحة كسبوا موسما لم يكن في الحسبان، بفعل هذا التحول النوعي في سلوك الاستهلاك داخل الأسر المغربية، التي باتت تميل إلى إنفاق مدروس وأكثر نفعا، وتُفضل أحيانا التجوال والاستجمام على طقوس الذبح والتقليد. المختار الرمشي (طنجة)