فشلت في مقاومته، أول أمس (الاثنين)، وأنا أمر بمحاذاة "جواد"، بشارع علي يعتة بالحي المحمدي. "جواد"، الأشهر من نار على علم بهذه الزاوية القريبة من إقامات دار لمان، وعلى بعد أمتار من الخط السككي لـ"الطرامواي". يأتيه الناس من كل حدب وصوب، ومن كل فج عميق بأحياء البيضاء، ولا تمل وأنت تنتظر دقائق في الطابور الطويل، وربما تطلب مزيدا من الانتظار، للاستمتاع بالروائح المنبعثة من المشواة التي "تتحرش" بالشرايين الدقيقة للمخ الذي يعطي أوامره لسائر الجسد، بمزيد من "الصبر". يأتي دورك، أو لا يأتي... لا يهم. الأهم، أن تتأكد أنك في المكان المناسب، خصوصا في فترات الفراغ المعدي التي تكون عادة بين وجبة غذاء مبكرة، وعشاء متأخر. جواد، وعبد اللطيف بالبيضاء، و"الطبيب" و"لالة فاطمة" بالرباط، والحاج، وسيمو، ونبيل، ومي الزوهرة، وعبد الله، أمراء النقانق، أو "الصوصيص"، أو "صواصيصو"، في عدد من أحياء المدن، لا يخطئهم "الأنف" في الأسواق وقرب المحلات التجارية، ووسط "الجوطيات"، وفي الساحات المقابلة للمساجد، وفي "الرونبوانات". من فرط ولعهم بـ"الصوصيص"، اختار له المغاربة اسما براقا ومثيرا "خانز وبنين"، نكاية، ربما، في باقي المأكولات الأخرى المعدة في المنزل، و"قليا للسم" للمطاعم و"السناكات" التي تقدم وجبات "نظيفة" بأسعار مبالغ فيها. ويكمن سر "خانز وبنين" في توابله، خصوصا التوابل التي لها فعالية قوية في وأد الروائح غير المرغوب فيها في مهدها، إذ تغطي نكهات "الكامون" و"الإبزار" و"التحميرة" و"ورقة سيدنا موسى" على ما دونها من روائح أخرى، قد تنبعث من خليط كبد الخروف، أو البقر، أو الجمال، أو الدواجن، والرئة والقلب، وبقايا اللحم والشحم. لا يهم كثيرا ما يوجد داخل تلك الضفائر اللامعة المائلة إلى اللون الأحمر والموضوعة بعناية فوق أوان، لكن الأهم هو سحر المذاق الذي يخطف الألباب، حين تقضم "عضتك" الأولى من نصف خبزة، محشوة بلحم مفروم، معبأ في أمعاء كبش، وفوقها قطع صغيرة من البصل والمقدونس، وقليل من المرق، وكثير من "الحار". ليس هذا فقط، فقد نجح "صواصيصو"، منذ سنوات، في تحقيق مطلب المساواة والمناصفة بين الرجال والنساء، إذ كما يعشقه الذكور ويطلبون وده، كذلك تفعل الفتيات اللواتي يتسللن من منازلهن لاقتناء حصتهن اليومية، أو يرسلن في طلبه بطريقة "ديليفري". أكثر من ذلك، تعتبر هذه الوجبة السريعة بخسة الثمن، أكبر داعم اجتماعي للأسر الفقيرة التي لا تجد، في كل الأوقات، ما تطبخه في المنزل للأفواه الجائعة، فيعمد الأب المغلوب على أمره، إلى تقنية "خوذ هاد 5 دراهم، وسير شري ربع د الصوصيص وهنينا عليك". للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma