تتعالى الأصوات في محيط البرلمان محذرة من أعطاب تفعيل الأدوات الدستورية للمؤسسة التشريعية، بسبب منطق الغلبة في معسكر، وعبث الطموحات الشخصية في المعسكر الآخر، وهي إشكالية مزدوجة تعرقل التفعيل السليم للمهام الرقابية. بدأت القيادات تتلقى تحذيرا من مغبة اتساع دائرة ضربات تحت الحزام في تجمعات، علنية وسرية، أشعلت فتيل موجات استقطاب بالجملة، تستعمل خطابا ملغوما، يحمل بين طياته مزاعم عن اندحار الشعبية وتتذرع بأن الزمن الحكومي أخفق في التجاوب مع الانتظارات، وأن التعهدات والالتزامات أمام المواطنين والبرلمان بقيت في حدود النوايا، ولم تترجم إلى إجراءات عملية ملموسة تشعر المواطن بالسعادة والكرامة، وتزكي لديه الشعور بالثقة والأمل. لذلك، تحاول رئاسة الحكومة التقليل من استعمال الثقل العددي في مواجهة محاولات المساءلة الجادة، كما حدث لما تم إفشال تشكيل لجان تقصي الحقائق، لكنها تصطدم بانقسامات داخلية تعصف بالمعارضة وتحول دون إنتاج خطاب منسجم، على اعتبار أنه يستحيل أن يكون هناك خطاب موحد في معسكرها. تمددت حرب الأحزاب فانشغل الجميع عن المهام البرلمانية، الرقابية منها والتشريعية، واشتعلت نيران معارك تنظيمية فوق حطب أزمات اجتماعية من خلال استعمال دعاية تتهم الخصوم والحلفاء بالفشل في البحث عن التمويل وتوزيع الثروة على قلتها، والإخفاق في مواجهة متطلبات أوراش تنخرط فيها الدولة وعلى رأسها ورش الحماية الاجتماعية. وكشفت منظومة المعارضة سلوكات سلطوية لدى قيادات مستعدة لتدمير كيانات ومؤسسات ديمقراطية، خدمة لطموحات فردية، ما أفرز ارتفاعا في منسوب غياب الثقة ظهرت معالمه في صورة تضارب داخلي لم يعد يخفي حجم التطاحنات الحزبية وحتى بين تيارات الحزب الواحد. لذلك تواجه أحزابنا مطالب بإعادة النظر في كيفية اختيار أعضائها وتحديد معايير صارمة لقطع الطريق على العناصر التي تسيء إليها داخل المؤسسات، وتكوين المرشحين وتزويد الجدد بدليل المنتخبين، قصد تسليحهم بثقافة قانونية تفرق بين التمثيلية البرلمانية وتدبير الشأن المحلي وكيفية تسطير البرامج حسب الأولويات، وشروط تدبير العلاقة مع المعارضة وسلطات الوصاية. هذه المعادلة المختلة جعلت الآليات الدستورية الرقابية، رغم وجودها في الوثيقة الدستورية، شبه معطلة في الممارسة، حيث تصطدم بواقع مؤسساتي يفرغها من محتواها، مرة بتعنت أصحاب الغلبة العددية، ومرة بانشغال المعارضين بصراعات زعامة وأنانية سياسية على حساب المهام الديمقراطية المناطة بهم. ووصل عبث الساسة حد أن أصبحت الأولوية عندهم للهواجس الشخصية والتنافس على الظهور الإعلامي وتقديم الانتصارات الكلامية على المصلحة العامة والمساءلة الديمقراطية الحقيقية. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma