الوازي: دور الأسرة في منظومة القيم التربوية

بقلم: د. سعيدة الوازي
تلعب الأسرة دورا أساسيا في تعزيز منظومة القيم لدى الأبناء، باعتبارها النواة الأولى في البناء الاجتماعي، حيث تمكنهم من اكتساب المبادئ الجوهرية من خلال نشأتهم بها، وذلك عبر احتكاكهم اليومي بأفراد أسرتهم، من الأب والأم والإخوة، وصولا إلى باقي أفراد العائلة. ومن بين القيم التي ينشأ عليها الأبناء: القيم الاجتماعية، مثل المسؤولية الاجتماعية، القيم الدينية، مثل الامتثال للتعاليم الدينية واجتناب ما نهت عنه، القيم الاقتصادية، مثل التعامل مع المال، القيم التربوية، مثل احترام قوانين المؤسسات التعليمة واحترام الآخرين، والانضباط خلال التواجد بفضاءات التعلم وغيرها من القيم. سنتناول من خلال هذا المقال الدور التكاملي للأسرة مع المنظومة التعليمية فيما يتعلق بتعزيز القيم التربوية، في تفاعل مع ظهور بعض حالات العنف داخل الأوساط التعليمية، فما هو دور الأسرة في اكتساب الأبناء للقيم التربوية؟ وكيف يمكن للمؤسسات التعليمية إشراك الأسرة لاكتساب المتعلمات والمتعلمين لهذه القيم؟
تعرف “القيم التربوية بأنها هي التي تنبثق عن الأهداف العامة للتربية لنقلها إلى الأجيال اللاحقة وهي بمثابة موجهات لالتزام بها من قبل المعلمين لما لها من تأثير على تربية النشء” حسب تعريف الأستاذ الأحمد، سليمان ذياب علي، من قسم العلوم الإنسانية، كلية الآداب، جامعة أسيوط. وحيث أن الأبناء يتلقون مجموعة من القيم التربوية من خلال نشأتهم في أسرهم، ويتشربون تمثلات حول كيفية التعامل داخل الأوساط التعليمية، وعن آليات التعامل مع المتدخلين فيها، من أطر إدارية وتربوية وتلاميذ وتلميذات، تعزز أو تعدل هذه القيم والتمثلات من خلال الدور الذي تلعبه المؤسسات التعليمية، بكل مكوناتها، و خصوصا من طرف الأطر التربوية التي تقضي وقتا أكبر مع المتعلمين والمتعلمات، ومن طرف الخبراء الذين اعتمدتهم الوزارة الوصية، المختصون الاجتماعيون، حيث من بين المهام المنوطة بهم حسب المادة 15 من المرسوم رقم 2.24.140 الصادر في 23 فبراير 2024 في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية: المواكبة النفسية والاجتماعية والصحية للمتعلم، و المساهمة في الأنشطة التربوية والأنشطة الموازية المتعلقة بالمجال الاجتماعي. هذا التكامل بين مكونات الأسرة والمؤسسات التعليمية، يهدف إلى تنشئة الأجيال القادمة على تبني القيم التربوية، والحس الاجتماعي، واحترام الآخرين، والاستعداد للاندماج في المجتمع. لكن الملاحظ، خصوصا بعد ظهور حالات من العنف والعنف المضاد بين المتعلمين والمتعلمات و مكونات المؤسسات التعليمية، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة مقالات ونشرات حول تسجيل حالات عنف داخل الأوساط التعليمة، مما جعل هذه الحالات محط سؤال كتابي من قبل فريق برلماني، حول مراجعة الإطار التأديبي لضبط السلوكيات العنيفة بالمؤسسات التعليمية ورد الاعتبار والهيبة لها، والذي تساءل عن الاستراتيجية المعتمدة لمراجعة المذكرة الوزارية رقم 14/867 الصادرة في 17 أكتوبر 2014 في شأن القرارات التأديبية المتخذة من طرف مجالس الأقسام. السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا بعد هذه التفاصيل، كيف يمكن للأسرة أن تلعب دورها الاجتماعي في تنمية القيم التربوية؟ وكيف للمؤسسة التعليمية أن تعزز أو تعدل السلوكيات الملاحظة على التلاميذ خلال تواجدهم بفضاءات التعلم؟ تعيدنا هذه الأسئلة إلى ضرورة تفعيل أدوار كل جانب من جوانب التدخل المنوطة بهؤلاء الفاعلين، فمن جهة أولى: على الأسرة أن تعود لتأدية دورها في التنشئة الاجتماعية، وأن تحمل على عاتقها تربية الأبناء و إنشائهم على احترام الآخرين، واحترام القوانين والامتثال لها، وأن تعلمهم كيفية الانضباط الذاتي للسلوك، وذلك من خلال التشبع بالقيم الدينية والأخلاقية والتربوية والعادات المغربية الأصيلة، التي تعبق بالأصالة واحترام الأخرين والتسامح وكرم الأخلاق، واتخاذ قدوة جيدة، بدل اتباعهم لما يعرف بظاهرة ” المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي” وما يمررونه من سلوكيات وألفاظ دخيلة على المجتمع المغربي، تؤثر دون شك على سلوكياتهم. كما يجب تعزيز الأدوار التواصلية بين الأسرة والمؤسسات التعليمية، وذلك للتدخل الآني في حالة ظهور سلوكيات غير سوية لدى المتعلم(ة)، خصوصا في ظل تواجد مختصين اجتماعيين، وخلايا اليقظة التي من بين أدوارها تطوير خطط عمل شخصية لكل متعلم(ة) لاسيما الدعم المدرسي، الدعم النفسي- الاجتماعي، الدعم الاجتماعي، المشاركة في الأنشطة الموازية والرياضية، التوجيه والتواصل مع الأسرة، بهدف التتبع الفردي والتدخل في حالة وجود سلوكيات أو مظاهر غير اعتيادية، والتواصل مع الأسرة من أجل التدخل لتعديل هذه السلوكيات.
تعلب الأسرة دورا جوهريا في اكتساب الأبناء للقيم التربوية، في إطار التكامل مع المؤسسات التعليمية، لذلك يجب تعزيز آليات التواصل والتتبع الفردي لكل سلوك غير عادي لدى المتعلم(ة)، في سبيل الحفاظ على القيم المجتمعية، وسعيا للتنشئة الاجتماعية لجيل الغد، حيث يجب أن تتظافر الجهود الرامية إلى التدخل الآني لتعديل أي مظهر غير سوي، سواء تعلق الأمر بالعنف، أو عدم احترام المؤسسات أو الأشخاص، فمتعلم(ة) اليوم هو مواطن(ة) الغد، يجب استحضار هذه الصورة والتدخل فيما فيه صالح للفرد والمجتمع، بدل لعب دور المتفرج حيال هذه السلوكيات الدخيلة على مجتمعنا، وانتظار ما ستؤول إليه الأمور مستقبلا… فلنقم بأدوارنا اتجاه أبنائنا وبناتنا في سبيل تعزيز قيم التسامح واحترام الآخرين والمؤسسات.