ظروف إنشاء صندوق النقد والبنك الدولي ومهمتهما والانتقادات الموجهة لهما توجه اتهامات إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير بفرض سياسات عمومية على البلدان، التي تعرف صعوبات مالية واقتصادية تكون في غالب الأحيان غير اجتماعية، وتخدم بالدرجة الأولى مصالح هاتين المؤسستين الدوليتين والبلدان المتقدمة، على حساب البلدان النامية والفقيرة. وغالبا ما تنتقد السياسات العمومية بهذه البلدان بأنها إملاءات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وأن حكوماتها لا تمتلك سلطة القرار. فكيف كانت نشأة هاتين المؤسستين؟ وماهي المهام التي تضطلع بهما؟ وما حقيقة الاتهامات الموجهة إليهما؟ مجموعة من التساؤلات تحاول "الصباح" الإجابة عنها. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي مؤتمر "نيوهامبشاير" عقد مؤتمر "بريتون وودز"، خلال 1944، في غابات "بريتون" بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث اجتمعت 44 دولة لتأسيس نظام اقتصادي دولي جديد بعد الحرب العالمية الثانية. وكان الهدف الرئيسي منع تكرار الأزمات الاقتصادية، التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية، وتعزيز التعاون الاقتصادي الدولي. وتقرر خلال هذا المؤتمر تأسيس مؤسستين ماليتين، تتمثلان في صندوق النقد الدولي، الذي تركز تدخلاته على استقرار النظم المالية والنقدية، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، الذي يشرف على تمويل مشاريع التنمية وإعادة الإعمار. وهكذا يعتبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مؤسستين ماليتين دوليتان أساسيتان تهدفان، بالاستناد إلى المبادئ المعلنة، إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الدولي والاستقرار المالي. وتلعب هاتان المؤسستان دورا حاسما في الاقتصاد العالمي، حيث تقدمان القروض والمشورة الفنية للدول الأعضاء، وتسعيان إلى تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتقليل الفقر. البنك الدولي... الإعمار أولا ركزت تدخلات البنك الدولي، في البداية، على إعادة الإعمار، من خلال تمويل مشاريع إعادة إعمار أوربا بعد الحرب، خاصة في الدول التي دمرتها الحرب بشكل كبير. وتوسع نطاق عمل المؤسسة المالية الدولية، مع مرور الوقت، ليشمل جميع دول العالم، وبدأ في تمويل مشاريع التنمية في الدول النامية. وهكذا، تقرر، خلال 1960، تأسيس المؤسسة الدولية للتنمية، باعتبارها جزءا من مجموعة البنك الدولي، لتقديم القروض بأسعار فائدة منخفضة أو بدون فوائد للدول الأفقر. وحددت أهداف البنك الدولي، خلال التأسيس، في الحد من الفقر في جميع أنحاء العالم، عبر دعم النمو الاقتصادي المستدام. كما يسعى البنك، استنادا إلى الأهداف المعلنة، إلى ضمان أن ينعم الجميع بفوائد النمو الاقتصادي، ويقدم البنك القروض والمنح والمساعدات الفنية للدول الأعضاء لتمويل مشاريع التنمية. ويتكون البنك الدولي من مجموعة من المؤسسات، أبرزها البنك الدولي للإنشاء والتعمير، الذي يقدم القروض للدول متوسطة الدخل، والمؤسسة الدولية للتنمية، التي تمنح التمويلات بأسعار فائدة منخفضة أو بدون فوائد للدول الأفقر. وتركز مؤسسة التمويل الدولية على تمويل القطاع الخاص في الدول النامية. الأعضاء وسلطة القرار يتكون البنك الدولي للإنشاء والتعمير من 189 دولة عضوا، من ضمنهم المغرب، وتعتبر هذه البلدان مساهمة في البنك، إذ تدفع حصصا في رأس مال البنك، وتشكل هذه المساهمات جزءا من موارد المؤسسة المالية الدولية. وتحدد حصص الدول الأعضاء، بناء على عدد من المعايير، من أبرزها القوة الاقتصادية، إذ يعد الناتج المحلي الإجمالي للدولة أحد أهم المؤشرات التي يتم الاعتماد عليها، وتعتبر الدول ذات الاقتصادات الأكبر، من ضمن المساهمين الرئيسيين في البنك. وتحدد الحصص مقدار رأس المال الذي تساهم به كل دولة في البنك، وقوة التصويت للدول الأعضاء في قرارات البنك، كما تحدد قدرة الدول على الحصول على قروض من البنك. وتعتمد حصص الدول في البنك الدولي بشكل كبير على حصصها في صندوق النقد الدولي، علما أن العضوية في الصندوق تعتبر شرطا أساسيا لعضوية البنك الدولي. النقد الدولي... هاجس الاستقرار المالي يركز صندوق النقد الدولي بشكل أساسي، حسب المهام المعلنة، على الحفاظ على الاستقرار المالي والنظام النقدي الدولي. ويسعى إلى تعزيز التعاون النقدي، وتسهيل التجارة الدولية، وتشجيع الاستخدام المستقر للأعضاء لأموالهم. ويراقب الصندوق الاقتصادات العالمية وتقييم سياساتها الاقتصادية، كما يقدم قروضا قصيرة الأجل للدول الأعضاء التي تواجه صعوبات في ميزان المدفوعات. وتقدم هذه المؤسسة المالية الدولية المشورة الفنية للدول الأعضاء، بشأن سياساتها الاقتصادية والنقدية. ويتكون رأسمال صندوق النقد الدولي بشكل أساسي من حصص العضوية التي تساهم بها الدول الأعضاء، وتمثل هذه الحصص مساهمة كل دولة في رأس مال الصندوق، وتحدد حجم صوتها وقدرتها على الحصول على التمويل من الصندوق. مصادر التمويل تتشكل موارد صندوق النقد الدولي من حصص العضوية، وتشمل الحصة الأساسية، التي يتم تحديدها عند انضمام الدولة إلى الصندوق، وتعتمد على حجم اقتصادها ونظامها المالي، وتتم مراجعة الحصص بشكل دوري لضمان أنها تعكس التغيرات في الاقتصاد العالمي. وتدفع الدول جزءا من حصصها بالعملة الصعبة، والباقي بعملتها المحلية. بالموازاة مع ذلك يعتمد الصندوق على الاقتراض، من خلال آليتين، الاتفاقات الجديدة للاقتراض، وهي اتفاقات بين الصندوق ومجموعة من الدول الأعضاء والمؤسسات لتوفير موارد إضافية للصندوق، والاتفاقات الثنائية، وهي اتفاقات بين الصندوق ودول أعضاء، بشكل فردي، لتقديم قروض إضافية. ويستخدم الصندوق رأسماله لتقديم قروض للدول الأعضاء التي تواجه صعوبات مالية، مثل عجز في ميزان المدفوعات أوعدم الاستقرار المالي. كما يساعد الصندوق في توفير السيولة للاقتصاد العالمي، خاصة خلال الأزمات المالية. ويستخدم الصندوق جزءا من موارده لبناء القدرات المؤسسية في الدول النامية. ويساعد رأسمال الصندوق في الحفاظ على استقرار النظام المالي الدولي، وتجنب حدوث أزمات مالية عالمية. أهمية حصص العضوية تحدد حصة العضو قوة صوته في اتخاذ القرارات داخل الصندوق، وتحدد الحصة حجم التمويل الذي يمكن للدولة الحصول عليه من الصندوق. وهكذا يشكل رأسمال صندوق النقد الدولي حجر الزاوية في نشاطاته، حيث يوفر له الموارد اللازمة لتقديم خدماته للدول الأعضاء والمساهمة في تحقيق الاستقرار المالي في العالم. وتعتبر العضوية في الصندوق مهمة، إذ تمكن الدول الأعضاء من الحصول على قروض من الصندوق لمساعدتها في مواجهة الصعوبات الاقتصادية. كما يقدم الصندوق المشورة الفنية للدول الأعضاء حول سياساتها الاقتصادية، ويساعدها في بناء قدراتها المؤسسية. وتمتلك الدول الأعضاء حق التصويت في اتخاذ القرارات داخل الصندوق. أعضاء النقد الدولي يضم صندوق النقد الدولي 190 دولة عضوا، تنتمي لجميع القارات، من أكبر الاقتصاديات العالمية إلى الدول النامية، تشكل هذه الدول مجتمعة القوة الدافعة للاقتصاد العالمي. وتصبح الدولة عضوا في الصندوق بعد الموافقة على اتفاقية المؤسسة وتقديم حصة من رأس المال. وتحدد هذه الحصة حجم صوت الدولة وقدرتها على الحصول على التمويل. وتختلف حصص الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي بناءً على حجم اقتصادها ونظامها المالي. الدول ذات الاقتصادات الكبيرة تمتلك حصصًا أكبر وأصواتًا أكثر قوة في اتخاذ القرارات. أبرز الانتقادات الموجهة للمؤسستين يوجه الخبراء والمحللون الاقتصاديون انتقادات كثيرة للمؤسستين الماليتين الدوليتين رغم الأهداف المعلنة في وثائقهما التأسيسية، ولا يقتصر الأمر على الأكاديميين، فقط، بل توجه المؤاخذات، أيضا، من قبل الحكومات والمنظمات غير الحكومية والسياسيين، وتهم هذه الانتقادات عددا من جوانب تدخلات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. سياسات التقشف يتهم المنتقدون صندوق النقد الدولي بفرض سياسات تقشفية قاسية على الدول المقترضة، مثل تخفيض النفقات الحكومية، خاصة تلك المخصصة لبعض القطاعات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة ودعم المواد الغذائية، إضافة إلى زيادة الضرائب، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في هذه الدول، إذ تسبب تنفيذ إملاءات هاتين المؤسستين في تأجيج الأوضاع الاجتماعية وانهيار أنظمة سياسية. ويركز الصندوق بشكل كبير على تحقيق الاستقرار المالي على المدى القصير، دون إيلاء اهتمام كاف للنمو الاقتصادي على المدى الطويل وإحداث فرص العمل. التدخل في شؤون الدول توجه انتقادات، أيضا، للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بفرضهما أجندات سياسية معينة على الدول المقترضة، مثل تحرير الأسواق وخصخصة الشركات المملوكة للدولة، دون مراعاة الظروف المحلية والخصوصيات الثقافية. ويرى منتقدو هاتين المؤسستين أن شروط القروض التي تفرضها تؤدي إلى تقييد السيادة الوطنية للدول المقترضة. خدمة مصالح الدول الغنية يؤاخذ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالتحيز لصالح الدول المتقدمة، إذ يتم اتخاذ القرارات الهامة داخل هاتين المؤسستين بشكل أساسي من قبل ممثلي هذه الدول. ويرى بعض المتابعين أن سياسات هاتين المؤسستين تساهم في تعميق الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، وتعزيز هيمنة الدول المتقدمة على الاقتصاد العالمي. فشل في تحقيق الأهداف ينتقد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بالفشل في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام في العديد من الدول النامية، إذ لا تزال معدلات الفقر والبطالة مرتفعة فيها. ويرى منتقدو هاتين المؤسستين أنهما لا توفران الدعم الكافي للبرامج الاجتماعية، مثل التعليم والصحة، مما يؤثر سلبا على حياة المواطنين.