التقيت بتوفيق بوعشرين في مناسبة واحدة وأخيرة، (من حسن الحظ)، حين جمعتنا، قبل عشر سنوات، رحلة طويلة إلى الشرق الأوسط والخليج، في إطار زيارات دعاية وعمل وجاذبية واستثمار، كانت تنظمها مؤسسة عمومية لفائدة الصحافيين ورجال الأعمال. طيلة الرحلة، كان المدير العام ورئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" يتابع عن كثب مجريات الملتقيات والندوات واجتماعات "بي. تو. بي" بين رجال أعمال مغاربة ونظرائهم من الدول العربية، ثم يختفي في المساء، ويعود، ومعه "أكثر" من حقيبة من الحجم الكبير، من نوع "سامصونيت"، ويصعد بها إلى غرفته، وما إن انتهت الرحلة، حتى تجمعت لديه أكثر من ثماني حقائب ثقيلة، وزعها على بعض أصدقائه في المطار، اتقاء لسؤال "الوزن" في الطائرة. حديثنا كان مقلا، باعتباري مجرد "صويحفي"، بينما كان الرجل، حينها، "باطرون" صحافة وكاتب أعمدة وافتتاحيات لا يشق له غبار، وربما في تلك الفترة بدأت مغامراته مع صحافيات وعاملات وسكرتيرات مؤسسته الإعلامية، أو قبل ذلك. العلم لله. حين تفجرت قضيته، قبل سنوات، وما أثارته من نقاش واصطفاف كبير وسط زملاء المهنة، بين مؤيد ومعارض ومدافع ومهاجم ومندد ومبرر، ارتكنت إلى الصمت، ولم أكتب حرفا واحدا، بقناعة أن من اقترف "شيئا"، هناك جهاز قضاء يتكفل به، بل كنت أعيب على الطرفين الخوض في ملف هو في يد المحكمة، وستقول كلمتها فيه. بعد صدور الحكم النهائي بالسجن 15 سنة، وتعويضات مالية ثقيلة لفائدة المتضررات، تذكرت للتو طفلا وطفلة وزوجة بريئين من كل ذاك الذي يجري، سواء كان بوعشرين ظالما، أو مظلوما، وتمنيت أن ينتهي ذلك الكابوس، لفائدة تلك الأسرة، في أقرب وقت ممكن، ما استجاب له جلالة الملك بعفو، رغم الجروح الغائرة لضحايا وجد، أغلبهن، في وضعية إكراه بدني ومعنوي واتجار فاضح بالبشر واستغلال مقيت لمكان الشغل. بعد العفو، الذي يعرف الجميع سياقاته الاجتماعية والإنسانية وطبيعته التي لا تسقط التهم عن المعفى عنه، تمنيت أيضا أن يعقلها بوعشرين ويتوكل على الله، بعيدا عن صداع السياسة والصحافة، وينأى بأسرته الصغيرة بعيدا في أرض الله الواسعة، مادام "الخبز" قد اسود وتلطخ وأضحى حارا ومرا في مهنة المتاعب. لكن، بوعشرين، أبى واستكبر، وعاد من بعيد، ينشر طهرانيته وصفاء سريرته و"براءته" على الناس في "كلام في السياسة"، فكان الجواب قاسيا، أكثر من كل المرات: هو نشر "قلة الكلام فوق الكنبة" في شكل لقطات بالصوت والصورة، وبالألوان الطبيعية، وبكل السفاهة الممكنة (بغض النظر عن سياق النشر وتوقيته وخلفياته). حتى أن من كانت تنتابه ذرة شك في ما فعل بوعشرين (منهم أسرته)، أضحى، اليوم، من المصدقين. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma