غالبا ما يلاحظ، من خلال محاولة فهم ما يجري على الساحة، أن هناك اختلافا بين ما هو منصوص عليه قانونا، وبين المطبق على أرض الواقع، بشأن سرية الأبحاث التي تنص عليها مقتضيات المسطرة الجنائية، خاصة الفصل 15، الذي يفيد أن المسطرة التي تجرى أثناء البحث والتحقيق تكون سرية، وكل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني، ضمن الشروط، وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي. الالتزام بالسر المهني شرط أساسي في الأبحاث التي تجرى، والإخلال به يشكل جريمة يعاقب عليها القانون، إلا أن الملاحظ هو أنه غالبا ما يتم خرق مقتضيات هذه المادة، من خلال الإعلان عما جرى في تلك الأبحاث قبل أن تنتهي، بل يذهب الأمر في العديد من الحالات إلى إعادة تمثيل الجريمة، ما يساهم في الكشف عن تفاصيل دقيقة في البحث والتحقيق أمام الرأي العام، فهل يعد ذلك خرقا استثنائيا للقانون؟ إذا ما اعتبرنا أن إعادة تمثيل الجريمة لا تستند إلى أساس قانوني، وليست هناك أي فصول قانونية تزكيها، وإنما تشكل، حسب المهتمين، مجرد استثناء يتم اللجوء إليه، وليس بصفة دائمة، إذ غالبا ما يتم الاكتفاء بما تم التوصل إليه من أبحاث، على اعتبار أنها لا تشكل أحد عناصر الاتهام، التي يمكن الاعتماد عليها، في حين يرى آخرون أن الأمر يتعلق بحق المجتمع في المعرفة، ومن ثم فالإعلان عن بعض مضامين البحث أو إعادة تمثيل الجريمة لا يشكل أي خرق قانوني. خلال المحاكمات، يتشبث الدفاع دائما ببطلان المحاضر، ويستند، في حالات معينة، على انتهاك سرية البحث، من خلال ما يصدر من بيانات أو تصريحات تتضمن معلومات عن الجريمة كيفما كان نوعها، أو من خلال عملية تمثيل الجريمة التي يعتبر أنها تمس بمقتضيات المحاكمات العادلة، وهي دفوع غالبا ما يتم ردها من قبل المحكمة التي لا تعتبرها، في حالات عدة، من أسباب إبطال المحاضر أو غيرها من الإجراءات. وبين الخرق القانوني والمصلحة العامة التي يمكن أن يستند إليها لتبرير ذلك الخرق، يتطلب الأمر من المشرع التدخل وبجرأة لاقتراح حل قانوني لهذا التناقض، بالإعلان عن هامش السرية والضرورة القصوى التي تقتضي التخلي عنها، في حالات معينة، بالنظر إلى ما شهده المغرب من إصلاحات أخيرة توجت بالدستور الجديد، الذي منح ضمانات كبرى للمتقاضين ابتدأت باعتبار كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا، إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي، مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وتنتهي بأن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة. للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma