المغرب من الدول القليلة التي حافظت على تراثها الوسيط

: جلالة الملك أرسى معالم دمقرطة الثقافة وتقريب المعلومة أكدت بهيجة سيمو، مديرة الوثائق الملكية والمندوبة السامية للتظاهرة، أن معرض "المغرب الوسيط" تمكن من تحقيق مجموعة من الأهداف في مرحلته الأولى بفرنسا، كما شكل مناسبة لاستحضار التاريخ المغربي بمختلف تجلياته، مضيفة أن تعيينها من قبل جلالة الملك محمد السادس مندوبة سامية للمعرض، شرف لها باعتبارها امرأة مغربية كما جعلها تستشعر وجوب دعم التكوين في ما يخص تاريخ الفنون بكل أنواعه. في هذا الحوار مع "الصباح" تتحدث بهيجة سيمو عن الصدى الذي خلفته المرحلة الأولى من المعرض، وأبرز الخطابات التي مررها. أجرى الحوار: ياسين الريخ ما هو الصدى الذي خلفه معرض "المغرب الوسيط" في مرحلته الأولى بباريس وبالأوساط العالمية؟ يعتبر معرض "المغرب الوسيط، إمبراطورية من إفريقيا إلى إسبانيا" أول تظاهرة كبرى يحتضنها قسم الفنون الإسلامية بمتحف اللوفر بعد سنتين من افتتاحه، ويعد تنظيمه تكريما للمغرب وتاريخه. وقد لقي هذا المعرض إقبالا متميزا. وحسب شهادة الأستاذة يانيك لينز المندوبة العامة للمعرض عن الجانب الفرنسي ورئيسة قسم الفنون الإسلامية، فإنه يعد واحدا من أكبر المعارض المنظمة بمتحف اللوفر التي لقيت نجاحا كبيرا، حيث سجل رقما قياسيا وبلغ عدد زواره 170 ألف شخص في ظرف زمني لا يتعدى الثلاثة أشهر. فالمعرض يعتبر كتابة جديدة لجزء من تاريخ الغرب الإسلامي، وجدت حسن التلقي عند الزائر الفرنسي والأجنبي بشكل عام، وأثارت اهتمام العديد من الصحافيين وشغلت أخباره أعمدة مئات الجرائد المغربية والفرنسية والدولية، ويعبر هذا الاهتمام عن الصورة الإيجابية التي يتمتع بها المغرب في الأوساط الدولية. إن هذا القبول الحسن لهذا المعرض ليدعونا إلى تعميق التفكير في أنشطتنا الثقافية ويدفعنا إلى المزيد من العطاء في حقل الثقافة بتعاون مع متحف اللوفر وغيره من المؤسسات المماثلة سواء في فرنسا أو في دول أخرى عربية وإفريقية أوربية وأمريكية. وتبعا لهذا النجاح أبدت مجموعة من الدول رغبتها في تنظيم تظاهرات مماثلة بتعاون مع المغرب. تم تعيينك من قبل جلالة الملك محمد السادس مندوبة سامية للمعرض في مرحلتيه الأولى والثانية، ما هي الدروس التي استنبطتها في مجال التحافة؟ أجل، لقد شرفني صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بتعييني مندوبة عامة على هذا المعرض في مرحلته الفرنسية والمغربية. وكانت هذه الالتفاتة الملكية السامية تكريما للمرأة المغربية بشكل عام والمرأة الجامعية بشكل خاص. كان تنظيم هذا المعرض فرصة لتبادل واقتسام المعارف. وبذلك كانت هذه التجربة مفيدة جدا على مستويات عديدة. لقد سمحت لي أولا من أن أطلع على غنى التراث المغربي الوسيط، كما مكنتني من أن أكتشف بكل غبطة وافتخار أن المغرب يعد من بين الدول العربية والإسلامية القليلة التي حافظت على تراثها الوسيط. إلا أنه تبين لي من خلال هذه التجربة ضرورة إعادة التفكير في التراث المغربي ومضاعفة الجهود لضبط قوائم التحف، وإلى تحويل التحف المتعلقة بالمرحلة الوسيطية والتي لا تزال موظفة إلى اليوم إلى أعمال متحفية. واستحضر هنا منبر القرويين الذي لا يزال موظفا إلى اليوم بمسجد القرويين العريق، بينما أعتبر أن مكانه اللائق هو أن يحفظ داخل متحف ما، خصوصا وأن هذا المنبر يعتبر من القطع النادرة التي يعود تاريخها إلى عام 538 هجرية الموافق لـ1144 ميلادية، وتروي حلقة من تاريخ الإسلام.كما اتضح لي من خلال هذه التجربة ضرورة التفكير بشكل عاجل في وضع إستراتيجية خاصة بترميم هذا التراث الذي يعتبر مفخرة للبلاد، وذلك بتكوين مرممين مختصين وذوي كفاءات عالية في فنون متعددة متعلقة به، مثل الزليج والنقوش على الجبص والخشب وفي ترميم الأثواب وآخرين متخصصين في آليات الخطاطة والتوريق أو في المسكوكات والمعادن والخزف وغيرها من الفنون. لقد تبين لي أيضا ضرورة وضع خطاب اصطلاحي متعلق بوصف التحف يتناسب وثقافتنا المغربية لاعتماده في المعارض أو المتاحف مستقبلا. لقد استشعرت أيضا وجوب دعم التكوين في ما يخص تاريخ الفنون والميزيولوجيا التي تهم جميع الأنشطة المتعلقة بالبحث والتفكير حول المعارض والمتاحف، وفي مجال الميزيوغرافيا التي تشمل جميع التقنيات المتعلقة بإصدار مشاريع تخص المعارض والمتاحف، وكذلك دعم التكوين في مجال السينوغرافيا التي تضع تقنيا المشروع داخل فضائه المادي وتجعله يتساوق في انسجام معه. صفحات مشرقة من الماضي ما هي أهم الخطابات التي مررها المعرض في مرحلته الأولى بالعاصمة الفرنسية باريس؟ لقد مكّن هذا المعرض الذي نظمته المؤسسة الوطنية للمتاحف بالمغرب ومتحف اللوفر في موضوع: "المغرب الوسيط، إمبراطورية من إفريقيا إلى إسبانيا" من القيام بقراءة جديدة لهذه المرحلة التي تتعلق بجزء مهم من التاريخ الإسلامي والعربي. وكان فرصة لإبراز المعالم التاريخية وعراقة الدولة المغربية واستمرار وحدتها الترابية وإشعاعها الحضاري، كما بيّن الروافد الثقافية التي نهلت منها هذه الحضارة المغربية. وهذا ما أسس له الدستور المغربي الأخير. لقد سمح المعرض للزائر بالاطلاع على صفحات مشرقة من تاريخ المغرب وأعانه على الفهم الجيد لحاضره، فعلى المستوى السياسي أبرز الأسس المتينة التي يقوم عليها الحكم في البلاد والتي شكلت وما زالت إلى اليوم تمثل الهوية السياسية والروحية للمغرب. وذكر المعرض بالدور الذي لعبه المغرب وسيطا تجاريا بين الساحل الإفريقي والغرب المسيحي، وما ترتب عن ذلك من رسم مسالك تجارية هامة وظهور مدن وحواضر كبرى مثل أغمات ومراكش وسجلماسة وسبتة وغيرها، ودخولها في علاقات مبكرة مع الدويلات الإيطالية والكرسي البابوي. ومن الناحية الفكرية، أبرز المعرض دور المغرب منارة علمية أنتجت العديد من المؤلفات في مجال الفلسفة والطب والفلاحة والفلك والرياضيات وغيرها. كما كان المغرب ولا يزال منارا صوفيا انتشر إشعاعه في المشرق وفي إفريقيا. لقد أعطى هذا المعرض بشكل عام صورة عن المغرب من حيث خصوصياته وقدرته على التعايش والتساكن وعلى الأخذ والعطاء، وهي الصورة التي ما زال يحافظ عليها إلى اليوم. تنمية الثقافة لتنوير أفكار الشباب< كيف يمكن أن تساهم هذه التظاهرة في الإستراتيجية الوطنية في مجال الثقافة؟< إذا راجعنا تاريخ الميزيولوجيا بشكل عام علما، يتبين لنا أن انخراط كل دولة في التحافة قد يرتبط بوضعية خاصة أو بحدث تاريخي معين، فعلى سبيل المثال نشير إلى أن التحافة عرفت قفزة نوعية بأوروبا بعد الثورة الفرنسية. أما في ما يخص المغرب فصحيح أن المغرب يتوفر على عدد من المتاحف، غير أن الانخراط في التحافة العلمية عرف تطورا بارزا على عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الذي وضع الثقافة في صلب تفكير جلالته ودشن لعهد جديد تميز بدمقرطة الثقافة وتقريب المعلومة من المواطن. إن العناية بهذا المجال تنم عن الرغبة السامية لجلالته في تطوير الثقافة رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وعاملا من العوامل الناجعة لحفظ الأمن. ذلك أن تنمية القطاع الثقافي هي من العوامل لتنوير أفكار الشباب وجعلهم فخورين بتاريخهم وقادرين على تكوين رؤية وتصور ومواقف إيجابية تجاه بلادهم. وحسب رأيي المتواضع فمن واجب المؤسسة الوطنية للمتاحف أن تعمل جاهدة على وضع إستراتيجية عامة للتحافة في المغرب تؤسس لثقافة التحافة ببلادنا وتسمح بإعادة التفكير في التراث وخلق تفاعل بين مؤسسات مغربية عديدة تجمع ما بين التي تعنى بالثقافة والقطاع الخاص والجامعة المغربية والمكتبات ودور الأرشيف ووزارة السياحة ومؤسسات حكومية أخرى. كما أنه من المفيد دراسة المواقع الثقافية والطبيعية لرسم كارتوغرافيا للمتاحف الموجودة التي تتطلب النهوض بها وبين تلك التي يجب تأسيسها وذلك دعما لمسارات السياحية. علاقة وطيدة بين التاريخ والتحافة ما هي علاقة التاريخ بالتحافة، خصوصا وأنك رفقة المندوبة الفرنسية يانيك لينز مؤرختان؟ حسب رأيي المتواضع هنالك علاقة وطيدة ما بين التاريخ علما من العلوم الإنسانية والتحافة أو الميزيولوجيا، باعتبار أن التاريخ لا يقوم فقط بترتيب الأحداث وسردها، بل يعتمد في تحليله فلسفة الأفكار وتطور المجتمعات وثقافتها، كما يراعي الخطابات اللغوية السائدة في كل مرحلة من المراحل المُؤرَخ لها. وكذلك علم التحافة الذي يَدرُس تاريخ المجتمعات وفلسفتها وأنماط عيشها. فالتاريخ والتحافة يلتقيان إذن في أنهما كتابة للماضي، وهذه الكتابة في كلتا الحالتين تأتي على شكل سرد محكم يقوم على حجة الوثيقة المكتوبة والإيكونوغرافية واللوحات الزيتية والمسكوكات والأعمال المتحفية واللقى الأركيولوجية، وعلى كل وعاء حامل لمعلومات حول هذا الماضي، لتركيب صورة عنه ونقلها بكل أمانة للقارئ أو الزائر.وقد يختلف التاريخ عن التحافة في كيفية التعامل مع الأحداث، فالكتابة المتحفية تحتل فيها التحفة مكان الكلمة ويغدو النص المكتوب فيها مكملا أو مفسرا للتحفة، وتفرض الكتابة المتحفية الجمع بين جمالية العرض من حيث الشكل وبين قوة الموضوع من حيث المضمون، فالتحافة هي تحويل التاريخ إلى بناء سردي مادي ملموس. المعرض يسائل ذاكرة المغربي متى سيخرج الإشعاع الثقافي من العواصم العالمية والحواضر الكبرى ليشمل كافة مكونات المجتمع بمختلف فئاتها؟ أود بداية للجواب عن هذا السؤال أن أذكر بأن المغربي بشكل عام يعيش في احتكاك دائم مع منتوجه الفني، إنه يولد وينشأ في قلب حضارة متعددة الروافد، فيتشبع بالزخارف العمرانية للمدن العتيقة، ويستمتع بأسوارها وأبراجها وأزقتها الضيقة وأقواس أبوابها وينبهر على الدوام بفسيفساء المدارس والمساجد وبجمالية النافورات وأحواض المياه وبدقة النقش على الخشب أو الجبص وبروعة الإبداع بالخزف، "فمعرض المغرب الوسيط، إمبراطورية من إفريقيا إلى إسبانيا" جاء ليروي تاريخ دول تعاقبت على الحكم من القرن العاشر إلى القرن الخامس عشر وليسائل المعلومات المختزلة في ذاكرة المغربي عن تاريخه الوسيط. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله يعتبر نهضة في المجال الثقافي على غرار مجالات أخرى، لم تعد فيه الأنشطة الثقافية تقتصر على الحواضر الكبرى، بل أصبح الإشعاع الثقافي يشمل جميع نواحي البلاد، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد احتفلنا أخيرا في منطقة أزيلال بالفضاء الجيولوجي "امكَون" وتسجيله أول فضاء جيولوجي بالعالم العربي، كما تستعد المنطقة لافتتاح متاحف جيولوجية وأخرى إثنوغرافية خاصة بالمرأة القروية، وبشكل عام فإن المغرب من طنجة إلى الكويرة يعرف أنشطة ثقافية ومهرجانات، كما يشهد بناء العديد من المؤسسات الثقافية من متاحف ومسارح ودور للثقافة. في سطور - من مواليد إقليم أزيلال.- مديرة الوثائق الملكية.- حاصلة على العديد من الدبلومات من بينها دكتوراه في التاريخ من جامعة "السوربون".- أشرفت على تنظيم العديد من التظاهرات العالمية الكبرى.- ألفت مجموعة من الكتب منها "البيعة" و"الصحراء المغربية من خلال الوثائق الملكية".

المغرب من الدول القليلة التي حافظت على تراثها الوسيط

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

التظاهرة تصالح المغاربة مع تاريخهم

رعاية ملكية لحدث تاريخي كبير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات