اختلالات تدبير جماعات نصف القضايا المعروضة في جلسة واحدة أمام قسم جرائم الأموال بفاس بت القسم المختص في جرائم الأموال باستئنافية فاس، منذ إحداثه، في مئات القضايا المتعلقة بالاختلاس والتبديد وما يرتبط بهما من غدر واستغلال نفوذ وارتشاء وتزوير وغيرها، نسبة لا يستهان منها تخص مالية جماعات ترابية بدائرة نفوذه من فاس إلى الشرق والرشيدية وما بينها من عمالات، نهبها رؤساء وأعضاء بألوان سياسية مختلفة. ولا تكاد جلسة تخلو من ملف جماعة أو أكثر، وتشكل نسبا مهمة من الملفات المدرجة فيها، قد تصل للنصف، كما جلسة الثلاثاء الماضي، المدرجة فيها 7 ملفات جنائية ضخمة، منها ما يخص جماعات ومجالس توبع رؤساؤها ومنهم برلماني، ومن معهم من موظفين ومقاولين، في حالة سراح بكفالات متفاوتة، أحدها فقط نوقش وحكم. إنجاز: حميد الأبيض (فاس) اختلالات جماعتي ميدلت وسيدي حرازم، منشور غسيلهما أمام القسم بعد إحالة ملفيهما عليه من طرف قاضي التحقيق بالغرفة الأولى، إلى جانب ملف المجلس الإقليمي لبركان وحده نوقش في جلسة ماراثونية استمع فيها لرئيسه السابق ومن معه، والمرافعات قبل طيه بإصدار حكم أدان اثنين دون موظف تنفس هواء البراءة بعد شهور. الرقم 3 تسيد الرقم 3 الثلاثاء الماضي، في جلسة قسم جرائم الأموال الابتدائي باستئنافية فاس. 3 هيآت بتغييرات طفيفة في الأعضاء، وعطب تقني حال دون الربط السريع بقاعة المواصلات بسجن بوركايز وفرض التنقل بين 3 قاعات. و3 قضايا بين الملفات السبعة المدرجة في تلك الجلسة، همت اختلالات في تدبير مجالس ترابية منتخبة. ملفا اختلالات جماعتي سيدي حرازم وميدلت غير جاهزين للمناقشة وأجل البت فيهما إلى 28 يناير، عكس ملف المجلس الإقليمي لبركان الذي نوقش وصدر فيه قرار في آخر الجلسة، بمؤاخذة رئيس استقلالي سابق ومقاول بالحبس وتبرئة موظف تنفس الصعداء بعد شهور أعقبت إحالته وإياهما على الغرفة الجنائية بقرار من قاضي التحقيق. البرلماني التجمعي، أحمد كنديل، مثل في ثاني ملف جنائي مدرج، بعد متابعته على خلفية اختلالات جماعة سيدي حرازم ترأسها ل3 عقود. المتهم ومستشار ومقاول، حضروا أول جلسة بعد أقل من شهر على تعيين ملفهم، لم يكن ممكنا مناقشته وأمهلوا لتعيين دفاعهم والاطلاع واستدعاء الجماعة بعد انتصاب شخصين طرفا مدنيا. تخلف الممثل القانوني لجماعة ميدلت رغم التوصل، حتم تأخير البت في ملف اختلالاتها في عهد رئيسها السابق من حزب العدالة والتنمية المصادرة أملاكه ومن معه بقرارين صادرين عن شعبة غسل الأموال بابتدائية فاس. والمحكمة أعادت استدعاءه والوكيل القضائي للمملكة مع السهر على التبليغ، استجابة لملتمس ممثل الحق العام. الرئيس ونوابه الأربعة المعزولون بقرار قضائي ومنهم امرأة، مثلوا في حالة سراح أمام الهيأة لخامس مرة في 4 أشهر، بعدما توبعوا بكفالات لأجل الاختلاس والتبديد والتزوير والغدر واستغلال النفوذ وإحداث تجزئة من غير الحصول على إذن وتسليم أو الأمر بتسليم إحدى الوثائق الإدارية والشهادات لشخص يعلمون ألا حق له فيها. مجلس بركان أغلب الملفات السبعة لم تكن جاهزة باستثناء قضية الترامي على أملاك الدولة والخواص المستأنفة المرافعات فيها، وملف اختلالات تدبير المجلس الإقليمي لبركان المتابع فيه رئيسه الاستقلالي السابق وموظف ومقاول بعد وشاية توصل بها الوكيل العام من محام بهيأة وجدة عضو بالمكتب التنفيذي للمنظمة المغربية لحماية المال العام. تثبتت الهيأة من هويات المتهمين الثلاثة وحضور دفاعهم وطالبت ممثل المنظمة بالإدلاء بقانونها الأساسي. وأكد الدفاع تنازله عن طلباته في مواجهة المقاول، وقبل الشروع في المناقشة، قدم دفاع الرئيس السابق 3 دفوع شكلية طلبا لبطلان إجراءات التحقيق والدفع بعدم الاختصاص النوعي وانعدام الصفة للجهة المشتكية. عزيز بوكلاطة، ممثل الحق العام، رد على الدفوع والتمس ردها. والهيأة برئاسة القاضي محمد لحية وعضوية زميليه عبد الله عشوان ومنير البصري، حسمت الأمر قبل مواصلتها دراسة القضية ومناقشتها بالاستماع للمتهمين وأولهم الرئيس الاستقلالي ذكر بوشاية محام أعقبت جلسة في مقهى جمعته بالمقاول وأصدقائه الذين باحوا بحقيقة التلاعب. المقاول مالك مقلع ببركان أخبر مجالسيه حينئذ، أن رئيس المجلس أدى مبلغ استفادته الشخصية والعائلية من شحنات حصى لإعداد وتهيئة طريق مؤدية إلى ضيعته وأبيه بواسطة تواصيل بنزين خاصة، كشف الأمر لهم ووجد نفسه بعد وشاية المحامي، متابعا في الملف نفسه بتهم "المشاركة في اختلاس وتبديد أموال عمومية". رئيس الجلسة ذكر رئيس المجلس الإقليمي بذلك ووصلي بنزين ب5 آلاف لتر لكل واحد منهما، أدلى بهما المقاول، وبشهادة شخص عاين شحن سيارته بالمادة من محطة وقود وتأكده من عدم تضمين رقمها في الوصل، مشيرا إلى عدم تطابق العدادات مع كمية البنزين وملء سيارة بكمية كبيرة منه في يومين متتاليين. مساءلة متهمين "عندي معهم حزازة ومشاكل شخصية. والملف محبوك" يرد الرئيس على الاتهامات، مؤكدا أن الشاهد على ملئه سيارته بكمية بنزين دون تضمين رقمها في وصل، منافس "شرس" له في انتخابات سابقة و"قاد في إبانه حملة شرسة ضدي بموقع فيسبوك"، نافيا تهيئة المقاول لطريق ضيعته، أو تأدية ثمن ذلك ب"بونات مازوط". وأثار تناقضات في أقوال المقاول حول عدد مجالسيه وتفاصيل الاتهامات. وأشار إلى مشاكل بينهما تعود إلى سنة 2016، قبل أن يذكره رئيس الجلسة باستفادته من صفقة لاحقة لإعداد طريق بين بني وكيل وأولاد الصغير، ليرد "أنا لا أمنح الصفقات" ويواجهه القاضي بحقيقة أنه المسؤول عن التنزيلات المالية لأي صفقة. "هذه الصفقة عمومية ومرت في ظروف عادية وهو استوفى الشروط واستفاد رغم العداوة معي، لم أتعامل بأي حزازة شخصية" يقول المتهم محاولا تبرئة ذمته من التلاعب ومنح وصلي البنزين للمقاول عرضا عليه ونفى أن يكون وقعهما. وأنكر وجود شبهات في أي صفقة أطلقها المجلس، قائلا "هذه أول مرة أقف أمام المحكمة". "وقوفك أمام المحكمة لا يعني أنك ماشي مزيان. ومن يدبر الشأن العام يقبل أي مساءلة" يواجهه القاضي مشيرا إلى تلاشي طرق وتآكل إسفلتها كما عاينت ذلك عناصر الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بعد تنقلها لبركان. ونبهه لفوضى تدبير حظيرة سيارات أكد المتهم أنها كانت رهن إشارة العمالة ولجن ورؤساء عدة مصالح. الموظف بحظيرة السيارات نفى علاقته بأي اختلال في تدبيرها، فيما ووجه المقاول بإنكار الرئيس، مبررا عدم تشكيه طيلة 5 سنوات أعقبت التلاعب، بكونه أخبر العامل ومسؤول الشؤون الداخلية، لكن دون جدوى، قبل مساءلته وزميليه من طرف الدفاع وإتاحة فرصة المرافعة للمحامين المنتصبين دفاعا عنهم وعن الطرف المدني. مرافعات الأطراف رافع عزيز بوكلاطة نائب الوكيل العام، مستعرضا وشاية محام وشكاية المقاول وتفاصيل رفضه تسلم كمية الوقود بدلا عن قيمة كمية الحصى وإدلائه بوصلين صادرين عن رئيس المجلس الإقليمي واستغلاله جزءا من "التوفنة" لربط منزله وذاك لوالده، مؤكدا أنه لم يدل بما يدحض أو ينفي عنه علاقته والتزاماته مع المقاول. وأكد إطلاقه صفقة لم يوجد بسجلات المجلس ما يؤكدها، ومعاينة الضابطة القضائية لعشوائية تزويد سيارات بالكازوال دون عدادات، مشيرا إلى أن ما نسب إلى الرئيس من أفعال "ثابت" من البحث التمهيدي ووصولات، أما المقاول "فمتواطئ ومشارك لأنه وافق على استخلاص قيمة الصفقة من مادة البنزين"، ملتمسا إدانة الكل. وأدلى دفاع المنظمة الحقوقية والمجلس بمذكرتي مطالب، ورافع المحامي الزياني نيابة عن الرئيس والموظف، متحدثا عن "خلط بين ظاهر الملف وباطنه"، مؤكدا أن معاينة الشرطة "لم تأت بشيء مؤكد للاختلاس". وأكد أن "المجلس يصدر المقررات والعامل يعمل على تنفيذها ولا يمكن التأكد من وجود صفقة وميزانية أو تبديد". وتحدث عن "استنتاجات شخصية لضابط الشرطة" و"استنساخ قاضي التحقيق لها ولما جاء بمحضر المعاينة واعتمد عليها وعلى أقوال مجردة ومطعون فيها" و"الشهادة لا ترقى للوثوقية" "قاضي التحقيق لم يباشر إجراءات محاسباتية" يؤكد الدفاع، ملتمسا استدعاء العامل ومسؤول الشؤون الداخلية، لإخبارهما بالواقعة في حينه. ورافع الزعيمي محامي المقاول، بدوره مستغربا كيف تحول موكله من مقدم شكاية ومعلومة ومخبر بتلاعب، إلى متهم و"المؤازر لم يأخذ حقه كاملا وفي كل المراحل، وهو ضحية ومفروض حضوه بالحماية المخصصة للشهود والضحايا لتأمين محاربة الفساد"، مضيفا "موكلي تتقاذفه الأمواج وكل واحد استغله بطريقته الخاصة". الكلمة الأخيرة والنطق بالحكم انتهت المرافعات وأعطيت الكلمة الأخيرة للمتهمين المتابعين في حالة سراح مؤقت بكفالات. ولم يضف موظف المجلس والمقاول شيئا. أما رئيس المجلس الإقليمي فأثار ملاحظتين حول رواية المقاول وتناقضها، سيما فيما يتعلق باستفادته الشخصية من "التوفنة" لربط ضيعته، متحديا إياه الإدلاء بما يفيد ملكيته لأي ضيعة قبل سنة 2016. وتحدث عن استحالة تزود مستخدم الشركة بالبنزين من المحطة دون علم مشغله أو إذن منه، بعدما قال المقاول إنه عاتبه ورفض تسلم أي كمية من المادة، بينما قال دفاعه إن "تحريات قمنا بها وأكدت أن الوصلين المدلى بهما مسلمان من قبل مجلس جهة الشرق ولا يمكن الإشارة إليها في جداول نفقات المجلس الإقليمي لبركان". وأقفلت هيأة الحكم مناقشة الملف بالقاعة 2 قبل انتقالها للقاعة 5 لمواصلة مرافعات ملف الترامي على أراضي الدولة والخواص المتابع فيها 38 متهما، بينهم محام وقاض ومستشار وعدول وشهود، تعذر إنهاؤها بسبب مرض نقيب هيأة المحامين عبد الرحيم عبابو، المؤجلة مرافعته إلى 7 يناير الجاري آخر جلسة قبل طي هذا الملف. واختلت هيأة الحكم للمداولة، قبل إصدار قرارها في ملف اختلالات تدبير المجلس الإقليمي لبركان، بإدانة رئيسه الاستقلالي السابق والمقاول المبلغ، بسنة حبسا نافذا و30 ألف درهم غرامة، لأجل تهم "اختلاس وتبديد أموال عامة"، مع تبرئة الرئيس من تهمة "استغلال النفوذ" التي تابعه بها قاضي التحقيق بالغرفة الأولى. وبرأت الموظف من اختلاس وتبديد أموال عمومية. وقضت في الدعوى المدنية بأداء المدانين تضامنا لفائدة المجلس الإقليمي لبركان في شخص رئيسه الحالي، 17 مليون سنتيم بمثابة إرجاع للمبلغ المختلس و17 ألف درهم تعويضا. ولم تقبل الطلبات المدنية المقدمة في مواجهتهما، من قبل المنظمة المغربية لحماية المال العام. صرامة قاض وهيأة بحثا عن الحقيقة خبر المستشار محمد لحية الكثير في جرائم الأموال طيلة مساره، منذ توليه رئاسة الغرفة المختصة باستئنافية فاس. ويكتشف مرتفقو القاعة المحتضنة لجلساتها، حنكته في إدارة مناقشة كل ملف على حدة، ومساءلة المتهمين بكل التركيز والدقة، بحثا عن كل ما يمكن أن يفيد في تكوين قناعة المحكمة قبل إصدار أي قرار قضائي. في جلسة الثلاثاء بدا كعادته منصتا للمتهمين في ملف اختلالات تدبير مجلس إقليم بركان، مسائلا ومواجها إياهم بأقوالهم التمهيدية وأمام قاضي التحقيق، وبحقائق واعترافات، دون أن يتخلى عن صرامة مطلوبة كلما زاغ متهم عن حدود اللباقة والاحترام الواجب أو الجدية في الجواب عن كل سؤال يبحث عبره عن معلومة مفيدة. "ما خصكش تضحك أنا هنا ما كنعاودش النكت" بكل صرامة يواجه متهما "ضحك" أثناء تذكيره بحيثيات تورطه، مضيفا "هدشي د المال العام خصك تعقل عليه ومصالح المجلس خصك تحافظ عليها"، و"كاين شي واحد كيخلي الأثر لشي حاجة ما مزياناش" يكشف لرئيس المجلس ردا على إنكاره وجود أثر لوصلي البنزين المستدل بهما. الصرامة يكشف عنها أيضا كلما زاغ متهم عن سكة فحوى سؤال أو تهرب من الجواب بحديثه عن تفاصيل غير مفيدة في البحث عن الحقيقة والمعلومة. ولا يتوانى في عتاب كل من يتناول الكلمة دون طلبها أو من ينشغل بحديث مع دفاعه لحظة المناقشة، تتسيد فيها عبارة "واش عطيتك الكلمة باش تهدر. خلينا معكم مزيانين". هذه الصرامة لا تخفي إنسانية رجل يعاتب وينبه ويلوم وينصح ويتأسف ويتفاعل مع كل تفاصيل الجلسة، في انسجام تام مع زميليه في الهيأة دائم الاستشارة معهما في مناقشة كل ملف بحثا عن حقيقة قد يخفيها متهم ويكتشفها بسؤال أو واقعة أو اعتراف تمهيدي وقضائي، لتكوين قناعة الهيأة لإصدار حكم منصف للجميع.