الجهوية… صراع الأعيان والأحزاب

الداخلية ترجح كفة الأقطاب الاقتصادية وتقطع بمقص المقاربة التنموية ما أن تم الإعلان عن التقسيم الإداري الجديد، حتى استعرت حرب الجهوية، واحتدمت المواجهة بين مخططات الدفاع عن المعاقل السياسية، إلى حد أصبح حزب رئيس الحكومة مهددا بالخروج خالي الوفاض من النزال، في حين تغلبت المدن الكبرى على الأعيان، وذلك بعد أن رجحت الداخلية كفة الأقطاب الاقتصادية وقطعت التراب الوطني بمقص المقاربة التنموية . الجهة تطلق موسم التهافت بين السياسيين بنعبد الله: الفوز بجهة على الأقل - خيرات: الجهوية أسيرة التوازنات - شباعتو: المواطن الغائب الأكبر أقر المغرب نظام الجهوية منذ سبعينات القرن الماضي، في قوانين ومراسيم وزارية، ولم يتسن للحكومة التنازل عن اختصاصاتها المركزية لهوامشها المحلية والجهوية المنتخبة. وفي ظل الدستور الجديد الذي هيأ كل الظروف لاحداث قطيعة مع ممارسات الماضي، استقينا آراء كل من عبد الهادي خيرات، القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي، وسعيد اشباعتو، رئيس جهة مكناس فاس، و من خطاب محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، الذي ألقاه في اجتماع اللجنة المركزية، وسجلنا تبيانا في مقاربات الأحزاب والفاعلين المحليين حول الجهوية، إذ طالب بعضهم أيضا بإصدار قانون ينظم اختصاصات الولاة والعمال.قال عبد الهادي خيرات، قيادي في الاتحاد الاشتراكي، ونائب إقليم سطات، إن الدستور الجديد استبدل مصطلح الجهوية الموسعة بالجهوية المتقدمة، وهذا يعني أن الجهة لم تعد مجرد امتداد ترابي واسع ينظم مجموعة من الأقاليم، ولكن يعني أنها أصبحت تتمتع بصلاحيات أكبر، كما تم استبدال مصطلح الجماعات المحلية بالجماعات الترابية، انسجاما مع مصطلح التنظيم الترابي، بل العالم يتحدث اليوم عن "الذكاء الترابي".وإذا كان عبد الهادي خيرات أكد أن النظام الجهوي بالمغرب لم ينطلق بالمعنى الحقيقي للجهوية، وإنما هو أسير نظرة منحصرة في تحقيق توازنات سياسية، يسيطر عليها الهاجس الأمني، وتتحكم فيها الرؤية السياسية القاصرة والمحدودة في خلق الرقعة أوالأرضية الترابية الانتخابية لمجلس المستشارين، والخاضعة لترضية الأعيان، وتوازنات التمثيل الجغرافي والقبلي، فإن لمحمد نبيل بنعبد الله، أمين عام حزب التقدم والإشتراكية، وزير السكنى والتعمير، رأيا مختلفا حينما حمس مناضلي حزبه للفوز ولو بجهة واحدة، حتى ولو تمت الاستعانة ب"أعيان صلحاء" في مواجهة " أعيان فاسدين"، إذ استغرب بنعبد الله، رفض البعض ترشيح الأعيان، معتبرا أن هذه التسمية ليست بالمطلق سلبية، حتى تتعامل فروع الحزب معهم بازدراء، مضيفا أن الأعيان هم وجهاء القوم في منطقتهم لهم كلمتهم، ويساعدون الناس ويحتاجون إلى إطار سياسي يتعامل معهم باحترام، قصد تطوير مهارتهم في الدفاع عن مصالح المواطنين وقضايا الوطن.ونصح بنعبد الله مناضلي الحزب بضرورة التحلي بالواقعية، دفاعا عن برنامج حزبهم، في مواجهة الفساد، الذي لا يمكن القضاء عليه بجرة قلم، عبر سن قوانين، ولكن عبر مواجهته علانية، واستقطاب الناس قصد التصدي لكافة ألاعيب المفسدين.ويرى سعيد اشباعتو، رئيس جهة مكناس فاس، أن النظام الجهوي منذ أن كان بالمغرب، يشتغل عليه السياسيون، لأن الانتخابات لا يمكنها أن تمر بدون الفاعل المحلي، في ظل احترام الخيار الديمقراطي، وما ينتج عن صناديق الاقتراع، مؤكدا أن الاشكالية لا تكمن في وضع السؤال لماذا يفوز البعض في منطقته، حتى ولو تمت إعادة تقسيمها من جديد، ولكن السؤال هو لماذا ينجح بعض الساسة لمدة 15 سنة، بدون استعمال أي وسيلة غير قانونية مثل شراء ذمم الناخبين، مجيبا أن الأمر يتعلق بالتحام بين السياسي المنتخب والمواطنين الناخبين، إذ يواصل اللقاء بهم في كل مكان ويحاورهم قصد إقناعهم من جديد بعد أن يلمسوا عن قرب وبالملموس ما قام به، بعيدا عن التنظير التقني المركزي للتقسيم الجهوي الذي بدوره له أهمية، لكنه ينقصه عامل أساسي هو استشارة المواطنين، متحديا أي حزب أن يكون استشار سكان المنطقة في التقسيم الجهوي الجديد.لكن خيرات يحث على ضرورة التخلي عن النظرة التجزيئية وإعمال المقاربة الشمولية بحيث يتقاطع الاقتصادي والمالي والاجتماعي والثقافي مع السياسي، وتتداخل بشكل تكاملي اللامركزية مع اللاتمركز الأمر الذي يستوجب إرادة سياسية صادقة بعيدا عن كل رؤية سياسوية ضيقة ، واعتماد تخطيط جهوي وسيط يربط بين التخطيط المحلي والتخطيط الوطني ، إذ كان من اللازم وضع ديباجة لمشروع القانون التنظيمي يوضح بموجبها الاطار العام والسياق السياسي والاهداف الاساسية والبعد الفلسفي والقانوني للمشروع.ولتفادي الثغرات القانونية، يرى اشباعتو أن التقسيم الجهوي الجديد، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار خسارة العواصم القديمة، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، من قبيل مدن القنيطرة، والحسيمة، ومكناس، إذ ستفقد مكتسبات كانت تتمتع بها، ويستفيد منها السكان.وأوضح اشباعتو أن المواطنين كانو يقضون مآربهم الإدارية في مكناس مثلا إذ كان يلجها 1400 طاكسي، و500 حافلة لنقل المسافرين يوميا، ما يعني حركية تجاربة تهم الفنادق والمطاعم ومشتريات أخرى، ليتم نقل المصالح الخارجية للوزارات والإدرات إلى فاس، كما أن إزالة مقر العمالة عن إقليم تاونات، وميسور، سيدفع ليس إلى تحقيق التنمية، كما شخصها الخبراء، الذين قاموا بهذا التقسيم الجديد، لكن سيؤدي ذلك إلى تعميق فقرتلك المدن. ويعتبر بنعبد الله أن النصوص القانونية الجديدة، تعد بمثابة هندسة ترابية جديدة تقوم على جعل الجهة تحتل موقعا جوهريا وأساسيا في البناء المؤسساتي للبلاد، وجعل الميثاق الجماعي الحالي منسجما مع أحكام الدستور، ثم الارتقاء بالعمالات والأقاليم بفصلها عن مصالح الإدارة الترابية التابعة للدولة وتمكينها من اختصاصات في مجالات التنمية والنجاعة. المدن الكبرى تفرض نفسها يقترح شباعتو أن تستفيد العواصم القديمة من التقسيم الجهوي الجديد، مقدما مثالا على جهة الرباط، التي تعد عاصمة، تستوجب أن يتم إثرها إحداث وكالة تنفيذ المشاريع بالقنيطرة، ومنح الأولوية للعواصم القديمة في توظيف أموال صندوق التأهيل الجماعي، وإحداث نقابة الجهات لتبادل الخيرات في المجال المائي على الخصوص.وحث خيرات على ضرورة تفادي الغموض والتضارب شبه المتعمد في كل شيء بين الجماعات الترابية (الجهة - المجالس الإقليمية - الجماعات - الغرف المهنية) عبر توضيح الاختصاصات في إطار رؤية شمولية للتنمية تتوخى توحيد الجهود وترشيدها في إطار جهوي حقيقي متكامل، وإخضاع جميع الإمكانيات البشرية الإدارية بما فيها المصالح الخارجية للقطاعات الحكومية لتوجهات مجلس الجهة. وانتخاب رئيس الجهة حسب المشروع القانوني، يؤكد خيرات، لا يخضع لأحكام الدستور الذي يقرن تحمل المسؤولية بالمحاسبة، لأن الانتخاب يتم على أساس قاعدة إقليمية، ويجعل الإقليم هو إطار المحاسبة السياسية بالنسبة إلى المنتخب في حين هو مسؤول ويتخذ القرارات على المستوى الجهوي. تكريس مبدأ التدبير الحر أكد بنعبد الله أن القوانين الجديدة، سيتم فيها اعتماد التصويت العلني كقاعدة لانتخاب الرؤساء وأعضاء مكاتب المجالس الجهوية ومجالس العمالات والأقاليم والجماعات، واعتماد الشفافية في اتخاذ قرارات ومقررات هذه المجالس، وتكريس مبدأ التدبير الحر في التسيير، الذي يخول بمقتضاه لهذه الجماعات الترابية، في حدود اختصاصاتها سلطة التداول بكيفية ديمقراطية وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها؛ وانتخاب الرئيس في 3 دورات على الأكثر عوض عدد دورات مفتوحة، وتشجيع تمثيلية النساء في الأجهزة.لكن خيرات يسجل أن نمط الاقتراع المعتمد سيجعل، وعن قصد المستشار الجهوي يهتم فقط في توجهاته بالقضايا المحلية المرتبطة في أحسن الاحوال بإقليمه، لا بالجهة ككل، لذلك وجب إعادة النظر في نمط الاقتراع حتى ينخرط المستشار الجهوي في المشاريع ذات البعد الجهوي. ويلاحظ أن هناك هيمنة مركز الجهة على صنع القرار نظرا لعدد المستشارين الجهويين المتحدرين منه والمكونين للأغلبية، كما سجل هيمنة ما وصفه بالارتزاق لدى عدد كبير من المستشارين، وضعاف النفوس على انتخابات الرؤساء. ويرى بنعبد الله ضرورة التصدي للمفسدين في أي مكان، باستعمال كافة الوسائل القانونية للحد من جبروتهم، إذ ينظر بعين التفاؤل للقوانين الجديدة التي ستمكن المجالس من آليات الاشتغال، عبراحداث "وكالة جهوية لتنفيذ المشاريع"، والإمكانية الخاصة للجماعات الترابية أن تحدث "شركات للتنمية"، وكذا الامكانية بالنسبة إلى الجماعات في المدن الكبرى أن تحدث "وكالة الجماعة لتنفيذ المشاريع"، مع التنصيص بوضوح على الموارد المالية للجماعات الترابية لتمكين مجالس الجهات ومجالس العمالات ومجالس الأقاليم والجماعات من الموارد اللازمة. أحمد الأرقام

الجهوية… صراع الأعيان والأحزاب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

أولباز: مولود أكبر من رحم الحكومة

حاويات الموت...خطر متنقل

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات