سعى المغرب، دائما، إلى خروج بكرامة للنظام الجزائري، من قضية الوحدة الترابية المغربية، دون إذلاله، حرصا على علاقة الشعبين، والقواسم المشتركة بينهما. وكلما زاد المغرب في مد يد الصفح والسلام، تعنت العسكر وزاد من العدوانية المجانية، بل أكثر من ذلك، حول قضية خارجية وبعيدة عن اهتمامات الشعب الجار الشقيق، إلى نقطة رئيسية في كل جداول أعمال اجتماعات الوزراء، بل تطور الأمر في السنين الأخيرة، إلى حد أن خطاب الرئيس لا يكتمل إلا بالتحدث عن الصحراء، بل ويمزج بينها وبين القضية الفلسطينية، في محاولة لخلط الأوراق، وتخدير الشعب الجزائري عبر شعبوية لا تنال منها القطاعات الحيوية للبلد الجار، ولا المشاكل الداخلية التي يتخبط فيها، أي نصيب. كلما مد المغرب يده للجزائر، زاد العسكر في حمقه، واتخذ إجراءات عدائية أكبر، كمن يرفض الصلح، ليس تعنتا، ولكن لأنه يعلم جيدا أنه سيفقده مصالح غير مرئية شكلت أهم شماعة لتعليق كل أنواع الفشل، وظلت تمثل الذرائع والأوهام التي سيقت طيلة أزيد من 40 سنة إلى الشعب، لتعليق مصالحه وتأجيل أحلامه وغض الطرف عن نهب ثرواته. اليوم، وبعد أن حسمت الدول العظمى موقفها من القضية، مازال الجنرالات يرددون الأسطوانة المشروخة، عوض أن تنخرط الجزائر في المسلسل، و"تلعن الشيطان"، الذي أدخلها، منذ اليوم الأول، في هذا الشأن الذي لا يعنيها، بل ودفعها إلى إيواء عصابة مسلحة فوق أراضيها في ضرب صارخ للقانون الدولي، إذ لم يسمع أبدا عن لاجئين مسلحين، فوق أراضي دولة جارة، يتحينون فرص الهجوم على المدنيين للدولة الجارة. فرنسا، التي كانت دولة الحماية في المغرب، ودولة الاستعمار في الجزائر، قررت، بشكل صريح، الاعتراف بما هو مدون لديها في الأرشيف، والقول الحق في قضية، تعلم فيها، دون غيرها، ما لا يعلمه الجزائريون أنفسهم، بل تعلم أن أجزاء أخرى من تراب المملكة، مازالت تلتهمها مقاطعتها السابقة التي حملت العلم والعملة الفرنسيين، من 1830، تاريخ استسلام الداي العثماني للقوات الفرنسية، إلى ما بعد فاتح يوليوز 1962، تاريخ استفتاء تقرير المصير الذي منحه الرئيس الفرنسي السابق ديغول. ولأن عبارة تقرير المصير شكلت، عند الجزائريين، مرحلة حرجة، لأنها القناة التي عبر منها الاستقلال إليهم، وكشفت أن العديد من الجزائريين، فضلوا أن يظلوا تحت سيادة فرنسا، عكس المغرب، الذي حسم معركته في إنهاء الحماية بعد مسار من المقاومة متعددة الأشكال، جمع بين الكفاح المسلح والنضال السياسي والنقابي، فإن تشبث الجنرالات بتقرير المصير، ليس إلا عقدة تاريخية لم تنس، رغم أن العبرة في تاريخ الشعوب، المضي إلى الأمام. المصطفى صفر للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma