تكسب الأطفال سلوكات غريبة تؤثر على لغتهم وطريقة تواصلهم مع أسرهم "ساندرياس" و"جي تي آ" و"دراكون بول" و"ناروتو" و"بيلي"، وغيرها من الألعاب الإلكترونية التي تخلق جيلا جديدا يفكر بسرعة وينفذ بعنف. ألعاب تخبئ في أوقات التسلية التي تمنحها للصغار، سلوكات غريبة وعادات سيئة، ليس أقلها الإدمان على قضاء أوقات طويلة أمام شاشات الحاسوب أو الألواح الإلكترونية أو غيرها. ضحى زين الدين أبناء "ساندرياس" و أشقاء "بيلي" في منازل المغاربة أطفال مدمنون على الألعاب الإلكترونية يقاطعون أسرهم ويحتجزون أنفسهم أمام الحواسيب يوما عن آخر، تندهش الأسر أمام كلمات جديدة، يستعملها الصغار في حوارهم اليومي، وهي بكل تأكيد ليست اللغة المستمدة من الشارع، بل من غرف اللعب الإلكتروني، "تصبحي على خير ماما أنا غادي نتئتاندرا دابا" نسبة إلى "إتاندر" الفرنسية التي تعني "انطفاء"، أو "بغيت نتشارجا كاين شي ماكلة"، أو "كملت السطاجات دياولي". وليست اللغة التي تتأثر بقضاء الأطفال أوقاتا طويلة أمام الحواسيب للعب لعب إلكترونية، أغلبها معارك حربية تشتعل على الفضاء الافتراضي. بل تتأثر أيضا عاداتهم، وطريقتهم في التحرك داخل البيت، واستعمال الإشارات، أكثر من الكلمات للتعبير. "تحولت الألعاب الإلكترونية إلى المحفز الوحيد لابني للقيام بواجباته، بل يصاب بما يشبه حالة اكتئاب إذا لم يلعب يوما هذه الألعاب"، تقول عائشة والدة طفل مدمن على "البلاي ستايشن" و"الإكس بوكس" و"البي إس بي" و"دي إس"، "لكل واحدة من هذه الأدوات وقتها، فحين نكون متوجهين في السيارة يحمل معه "البي إ سبي" أو "اللوحات"، وحين يكون في البيت يستخدم "الإكس بوكس" أو البلاي ستايشن"، وهو يملكها بكل أنواعها، لأنه يحصل عليها في أعياد ميلاده أو بمناسبة نجاحه وحصوله على نقط جيدة.تأخذ الألعاب الإلكترونية كل اهتمام ابن عائشة، حتى عندما يتعلق الأمر بالسفر، "أحاول أن أثير اهتمامه ونحن مسافرون عبر السيارة إلى المناظر في الضواحي، غير أنه لا يرفع بصره عن اللعبة، ويركز كل اهتمامه عليها، عكس ولدي الكبيرين، اللذين كانا يشعران بحماس كبير أثناء الرحلة، ويتحدثان عن الأبقار والأغنام، التي تلوح لهم من بعيد، وعن أي شيء يلاحظانه، ويتسابقان على ذلك، فكل واحد منهما يرغب في أن يكون أول من يرى شيئا أو حيوانا على الطريق".ليست عائشة وحدها من يعاني مشكل إدمان صغيرها الألعاب الإلكترونية، وإلى درجة يحتجز فيها نفسه بغرفته ويرفض الخروج منها، أو السماح لأي أحد آخر بالدخول، بل إن ثريا، مستخدمة في وكالة بنكية، أيضا تحدثت عن تحول ابنها إلى إنسان آلي، "بحال إلى كنهضر مع شي "روبو"، غير نسألو على شي حاجة إيجاوبني بلغة غريبة". وتحكي ثريا أن طفلها استضاف يوما صديقه في البيت، ولاحظت أنهما يتحدثان عن خصام في ساحة المدرسة، وقال له "عطاه واحد "دائرة إكس"، وزادو "إكس مربع" ولما استسفرته عن قصدهما حكيا لها أن الأمر يتعلق بقفز ولكمات وضربات.وأصيبت أم أخرى برعب بعد أن سمعت ابنها يتحدث عن فقدانه الكثير من الدم، "لم أفهم عما يتحدث وحين سألته، شغل لعبته، وأشار بيده إلى خط على الشاشة، وقال "هذا هو الدم"، في إشارة إلى طاقة يفوز بها الرابح في المعركة". وتقر الأم نفسها أن ابنها حسن علاقته بابن الجيران، بسبب اللعب الإلكترونية، "عندما يعود من المدرسة، يستسفره عن الرموز الجديدة، للتغلب على وحوش اللعبة، ويتبادلانها، بل إن كل واحد منهما أصبح يتقن لعبة دون الأخرى، ويتبادلان أسرار الفوز في هذه وتلك". تحكي الأم نفسها.إذا كانت لعب الأمس تعلم الأطفال معنى المنافسة والصبر والتسلية، فإن أغلب اللعب الإلكترونية تركز على العنف، وعلى إراقة الدماء، حيث يصبح اللاعب هو اللص و"المافيوزي" في "ساندرياس" والتلميذ المشاغب في "بيلي"، وغيرهما من أبطال اللعب الإلكترونية التي تؤثر سلبا على سلوكات الصغار. تحذيرات لآباء المصابين بالصرع كشفت دراسة طبية حديثة، نشرت على مواقع مختصة في الصحة، على الانترنيت، أن الوميض المتقطع بسبب المستويات العالية والمتباينة من الإضاءة الموجودة في الألعاب الإلكترونية يتسبب في حدوث نوبات صرع لدى الأطفال.وقالت الدراسة إن الاستخدام المتزايد لهذه الألعاب الاهتزازية يزيد احتمال إصابة الأطفال بمرض ارتعاش الأذرع والأكف. كما أشار الأطباء إلى ظهور مجموعة من الإصابات الخاصة بالجهاز العظمي والعضلي نتيجة للحركة السريعة المتكررة أثناء ممارسة هذه الألعاب، وأن كثرة حركة الأصابع على لوحة ذراع اللعبة والمفاتيح تسبب أضرارا بالغة لأصبع الإبهام ومفصل الرسغ نتيجة لثنيهما بصورة مستمرة. وأثبتت دراسة طبية نشرت، أخيرا، في ألمانيا أن الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام الألعاب الإلكترونية يصابون بأمراض العيون. وحذر فريق طبي ياباني من أن الجلوس لساعات طويلة في اليوم أمام شاشات الألعاب الإلكترونية قد تكون له علاقة بمرض خطير يصيب العين "الجلوكوما أو الماء الأزرق"، ما قد يؤدي إلى العمى. كما توصلت نتائج الأبحاث الطبية إلى ظهور مجموعة جديدة من الإصابات الخاصة بالجهاز العظمي والعضلي على مدى الخمس عشرة سنة الماضية مع كثرة انتشار الألعاب الإلكترونية، وذلك نتيجة للحركة السريعة والمتكررة، كما توصلت إلى أن الجلوس ساعات طويلة أمام هذه الألعاب يسبب آلاما مبرحة في أسفل الظهر، وتتعاظم مشاكل الجهاز العظمي والعضلي عند الأطفال بشكل كبير لأنهم يمرون بفترات نمو تحتاج إلى تمارين رياضية وفترات راحة. مخاطر صحية يجمع المختصون على أن الحركة السريعة المتكررة أثناء ممارسة الألعاب الإلكترونية، وتعب العمود الفقري نتيجة الجلوس الخاطئ لفترات طويلة، وكثرة حركة الأصابع على لوحة ذراع اللعبة والمفاتيح، تسبب أضرارا بالغة لأصبع الإبهام ومفصل الرسغ نتيجة لثنيهما بصورة مستمرة. وتؤدي حركة العينين السريعة جدا أثناء ممارسة هذه الألعاب إلى إجهاد العينين، واحمرارهما وجفافهما، ما ينتج عنه إحساس بالصداع والشعور بالإجهاد البدني وأحيانا بالقلق والاكتئاب. ويمكن لإدمان هذه الألعاب وقضاء وقت طويل في ممارستها، أن يصيب الصغار بقصر النظر أكثر من غيرهم، كما ينتج عن قضاء ساعات طويلة أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية إلى اضطرابات في الجهاز الهرموني. حلول افتراضية لمشاكل واقعية قد تشكل الألعاب الإلكترونية قوة بالنسبة إلى الأطفال، لأنها تتيح لهم اقتحام عالم التكنولوجيا، وتسمح لهم باكتساب قدرة على التعامل معها، إلا أن هذه النعمة قد تتحول إلى نقمة، حين يغفل الآباء عن تدبير لعب أبنائهم، وتحديد أوقات معينة لذلك، وهذا ما أثبتته دراسة أمريكية صدرت نتائجها أخيرا. وقالت الدراسة إن الألعاب والتطبيقات الإلكترونية التي تستخدم في الأجهزة اللوحية تؤثر على عقول الأطفال. ووفق الدراسة نفسها، فإن هذه التطبيقات تمنع الأطفال من استخدام قدراتهم العقلية، مضيفة أن الكتب الإلكترونية وتطبيقات القراءة مفيدة، إلا أنها ضارة للأطفال أقل من عمر سنتين، وستكون مفيدة فقط إذا استخدمها الطفل مع والديه، محذرة من الاستجابة إلى طلبات الأطفال حتى إذا بكوا لإعطائهم هذه الألعاب. ومن النتائج السلبية، لهاته التطبيقات كذلك، لجوء الأطفال إلى استخدام حلول افتراضية لأشياء واقعية، كما أنه سيستغنون تدريجيا عن استخدام أياديهم وإعمال عقولهم استنادا إلى الحلول الإلكترونية، وهو ما سيؤثر على قدراتهم التي يستخدمونها كثيرا في مواد العلوم والرياضيات.وينصح العلماء الذين أجروا الدراسة بأنفسهم، الآباء بتجريب كل تطبيق إلكتروني بأنفسهم قبل السماح لأولادهم باستخدامه لمعرفة تأثيره المتوقع على الأطفال. أفضل طريقة للتدخل قال الدكتور مصطفى الطيبي، إنه من الصعب أن يحرم الطفل من الألعاب الإلكترونية، كما لا يمكن تحقيق كل مطالبه، سيما إذا كانت قد تشكل خطرا على صحته. وشدد الطيبي، على ضرورة اختيار الألعاب المناسبة للأطفال والتي يمكن أن تفيدهم وبرمجة الأوقات التي يمكن أن يلعبوا فيها، والابتعاد عن تلك التي تشجع ممارسيها على العنف والعدوانية. "لكن للأسف نجد أن هذا النوع من الألعاب يلقى إقبالا كبيرا، وغالبا ما يتم اختيارها من قبل الآباء تلبية لرغبات أطفالهم. وبين النصائح التي قدمها لهم، تحديد الوالدين مدة محددة للعب بالاتفاق مع طفلهما، حتى لا يستغرق وقتا طويلا في اللعب، ما قد يؤدي لإدمانه عليها، دون تحديد موعد محدد، لأن الطفل يفكر في الموعد الذي سيسمح له فيه باللعب، ويترقبه".