«فيسبوكيون» ينشرون منشورات دينية ويتورطون في جرائم جنسية أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي، في السنوات الأخيرة، منصات رئيسية للتعبير عن الأفكار والمعتقدات، بما في ذلك الأفكار الدينية، لكنها بالمقابل تكشف عن وجه آخر من النفاق "الديني" الذي يخفي أمراضا نفسية. لا تخطئ عين المتصفح لصفحات على "فيسبوك" سلوك بعض "المتدينين" الافتراضيين، الذين يدعون إلى العفة والأخلاق، لكنهم يكشفون في الواقع عن سلوك مرضي في التحرش بالشارع. ومع تزايد تأثير منصات التواصل الاجتماعي، يظهر التدين الافتراضي ظاهرة متنامية، حيث يتفاعل الناس بشكل يومي مع المحتوى الديني عبر منشورات، ومقاطع فيديو، وصور تدعو إلى الالتزام بالقيم والأخلاق الدينية، لكن وسط هذا الزخم من التدين الرقمي، يبرز تناقض حاد بين ما يُعرض على الشاشات وما يحدث في الواقع، خاصة في ما يتعلق بالكبت الجنسي والتحرش. ورغم المظاهر الدينية البارزة على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الواقع يشهد تصاعدا في حالات التحرش الجنسي، ما يعكس أزمة حقيقية تتعلق بالكبت الجنسي والتناقض بين القيم المعلنة والسلوكات الفعلية، ففي كثير من الأحيان، يتحول التدين الرقمي إلى مجرد مظهر اجتماعي يستخدم لكسب القبول أو النفوذ داخل المجتمعات الافتراضية. ويرى عدد من الباحثين أنه مقابل التدين الرقمي، يكشف الواقع عن مشاكل عميقة مرتبطة بالكبت الجنسي والتحرش، فرغم انتشار الخطاب الديني الذي يدعو إلى العفة والحياء، تظل حالات التحرش الجنسي منتشرة بشكل مقلق،وهو التناقض الذي يثير تساؤلات حول أسباب هذه الفجوة الكبيرة بين المظهر العام والسلوك الخاص، وحول الدور الذي تلعبه التربية والثقافة الاجتماعية في تفاقم هذه الأزمة، فالكبت الجنسي هو حالة من التوتر والاضطراب النفسي الناجم عن قمع الرغبات الطبيعية،وعندما يقترن بخطاب ديني صارم، دون تقديم حلول صحية للتعامل مع هذه الرغبات، يؤدي ذلك إلى سلوكات سلبية، مثل التحرش الجنسي. يصبح التدين الظاهري على وسائل التواصل الاجتماعي بمثابة قناع يخفي مشاكل أعمق مرتبطة بالكبت وعدم القدرة على التعبير الصحي عن المشاعر. ويرى مختصون أن من بين العوامل التي تسهم في هذا التناقض هو الفهم القاصر للدين، حيث يتم التركيز على مظاهر التدين الخارجي، دون الاهتمام بالجوهر الحقيقي الذي يدعو إلى التوازن والاعتدال، إضافة إلى ذلك، تلعب العوامل الاجتماعية والثقافية دورا مهما، حيث تتم تربية الأفراد في بيئات تقمع الحديث عن الجنس وتعتبره من المحرمات، مما يؤدي إلى ضغوط نفسية قد تنفجر في شكل سلوكات غير مقبولة، ولمعالجة هذه الظاهرة، من الضروري التركيز على التربية الجنسية السليمة، التي يجب أن تكون جزءا من التربية الدينية، حيث يتعلم الأفراد كيفية التعامل مع رغباتهم بطريقة صحية ومقبولة. كما ينبغي تعزيز دور الخطاب الديني في تقديم نماذج واقعية للتدين تتوافق مع الحياة اليومية وتساعد على تقليل الفجوة بين المظهر والسلوك. في النهاية، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية تحقيق التوازن بين القيم الدينية والسلوكات الفعلية، حيث لا يكون التدين مجرد قناع يخفي وراءه مشاكل اجتماعية عميقة، بل يكون جزءا من حل تلك المشاكل بطريقة شاملة ومتوازنة. خالد العطاوي