يجمع بين البحيرات المالحة والكثبان الرملية والأراضي الرطبة في قلب الصحراء المغربية، حيث يتعانق المحيط الأطلسي مع الرمال الذهبية، يمتد منتزه أخنيفيس ليقدم مشهدا طبيعيا خلابا يتجاوز حدود الخيال. هذا المنتزه الوطني، الذي يعتبر واحدا من أبرز المحميات الطبيعية في المغرب، يفتن زواره بتنوعه البيئي الفريد الذي يجمع بين البحيرات المالحة والكثبان الرملية والأراضي الرطبة. هنا، تتراقص الطيور المهاجرة على ألحان الطبيعة، ويكتشف الزوار عالمًا من الجمال والهدوء يتناغم مع الحياة البرية والنباتات النادرة. في هذا"الربورتاج" سنأخذكم في رحلة لاستكشاف روعة أخنيفيس وتنوعه البيئي الذي يجعله وجهة سياحية مميزة. إنجاز: عبد الجليل شاهي (موفد الصباح إلى أخنيفيس) يقع المنتزه الوطني أخنيفيس في قلب الجماعات القروية أخفنير وتاح، ويعتبر من أبرز المعالم الطبيعية في إقليم طرفاية، بمنطقة العيون الساقية الحمراء، حيث يمتد هذا المنتزه على مساحة شاسعة تبلغ 1860 كيلومترا مربعا، أي ما يعادل 8.38% من مساحة الإقليم، ويشكل بذلك جوهرة طبيعية فريدة تبعد 100 كيلومتر عن طرفاية، و180 كيلومترا شمال العيون و150 كيلومترا جنوب طانطان، ويحد المنتزه من الشمال المحيط الأطلسي، ومن الجنوب الجماعة القروية الحكونية، ومن الشرق جماعة أخفنير، ومن الغرب جماعة تاح، ويشقّه محور الطريق الوطنية رقم 1، مما يجعله وجهة سهلة الوصول. ويمثل المنتزه الوطني أخنيفيس إحدى الأيقونات البيئية المحمية في المغرب، إذ يتميز بتنوع بيولوجي مذهل بفضل وجود ثلاثة أنماط طبيعية تتعايش بتناغم تام، الأولى هي المواطن الطبيعية التي تحتضن مناطق بحرية تمتد على 20000 هكتار، والثانية مناطق بحيرية تصل مساحتها إلى 2,000 هكتار، فضلاً عن مناطق صحراوية شاسعة تبلغ 141000 هكتار. هذا التنوع الفريد يجعل من المنتزه جنة بيئية تزخر بالعديد من الأنواع الحيوانية والنباتية. وتأسست محمية أخنيفيس الوطنية بمرسوم ملكي رقم 2.06.461 في 26 شتنبر 2006، ونشر في الجريدة الرسمية في أكتوبر من العام نفسه، ليكلل بذلك مسارا طويلا من الجهود بدأ في 1962، عندما أُعلنت المنطقة احتياطيا بيولوجيا، شاركت في هذه المبادرة مختلف الهيآت الحكومية الوطنية والإقليمية والمحلية، بالإضافة إلى الفعاليات الجمعوية المحلية، تأكيدا على أهمية الحفاظ على هذا الكنز الطبيعي للأجيال القادمة، وتعتبر الحديقة رمزاً للالتزام بالحفاظ على التنوع البيئي والموارد الطبيعية في المغرب، وتبرز وجهة مثالية لمحبي الطبيعة والمغامرات، حيث يمكن للزوار استكشاف الجمال الطبيعي والاستمتاع بالهدوء الذي يميز هذه الجنة الطبيعية الفريدة. ملتقى المحيط والصحراء والبحيرة يصف خوليان بيريز، الصحافي الإسباني المهتم بالسياحة البيئية والتراث العالمي، بحيرة أخنيفيس بأنها واحدة من أبرز المناطق ذات الأهمية البيولوجية والبيئية في المغرب، حيث تمتد هذه البحيرة على مساحة واسعة تبلغ 6,500 هكتار، وتعرف بتنوعها الطبيعي الخلاب الذي يجذب الزوار من كل مكان. يشير خوليان في حديثه لـ "الصباح" أثناء جولتنا في البحيرة بعد نزولنا الدرج، والركوب في قارب صيد صغير، لنكتشف البحيرة، ونبحث عن أنواع من الطيور، إلى أن محمية أخنيفيس تمنح الزائرين فرصة فريدة لاكتشاف الحياة البرية الصحراوية والطيور المهاجرة التي تعبر المنطقة، ويبرز أن المنتزه يعتبر الوحيد من نوعه في العالم، حيث يجمع بين المحيط الأطلسي والصحراء الشاسعة والبحيرة الهادئة، مما يمنح مشهدا طبيعيا لا مثيل له في الجنوب المغربي. كما تمتد البحيرة على طول 20 كيلومترا، وتدخل نحو الداخل بسبب تأثيرات المد والجزر القوي. ويحتوي المنتزه أيضا على "السبخات"، وهي بحيرات مالحة تغطي مساحة تزيد عن 600 كيلومتر مربع، مما يضفي تنوعا بيئيا فريدا للمنطقة، وتحتضن بحيرة أخنيفيس وسطها الصحراوي مجموعة متنوعة من الكائنات، حيث تضم حوالي ثلاثين نوعا من الطحالب و70 نوعًا من النباتات الوعائية، بما في ذلك بعض الأنواع المتوطنة والنادرة. وتعد هذه البيئة موطنا لـ179 نوعا من الطيور، و27 نوعا من الثدييات، و140 نوعا من اللافقريات البحرية، و17 نوعًا من الزواحف والبرمائيات. كما يبرز خوليان أن البحيرة تحتضن بعض الطيور النادرة عالميا مثل البط الصياح والبلشون الرمادي والزرزور المرقط ونورس أودوين. وتعتبر البحيرة محطة رئيسية للعديد من الطيور المهاجرة من منطقة البالياركتيك الغربية، حيث تستقبل أحيانًا أكثر من 20,000 طائر مائي خلال فصل الشتاء. كما يعد خليج أخنيفيس ثاني أهم مركز عالمي لطائر الفلامنجو الوردي، حيث يمكن رؤية الطيور الملعقية البيضاء الجميلة. ويضيف خوليان أن البحيرة تعد أيضا الموطن الوحيد لنورس "الريلا" و"خطاف البحر العام"، وتعتبر الحد الجنوبي لطائر "الغاق المتوج" و"الفولكة السوداء". هذه الميزات البيئية الرائعة، إلى جانب المواقع الأثرية الموجودة في المنطقة، تجعل من محمية أخنيفيس وجهة جذابة لمحبي الطبيعة والسياح والصيادين على حد سواء. كما يمكن مشاهدة طيور الرملية في المنطقة، وهي طيور شاطئية اجتماعية تتجمع في مجموعات كبيرة خلال فصل الشتاء في المستنقعات الساحلية أو على الشواطئ الرملية. وتكثر في البحيرة العقاب النسارية، مما يضفي بعدا جديدًا لتنوع الحياة البرية في هذه الجنة الطبيعية الفريدة. مزيج ساحر من الصحراء والبحر وصف عبد الله معتصم ذو الفقار، الصحافي الفوتوغرافي العالمي، المنتزه الوطني أخنيفيس بأنه نموذج يحتذى به للمنتزهات الوطنية التي تدار وفقا لمبادئ السياحة البيئية المجتمعية، وأوضح أن هذا المنتزه يتيح تجارب تساهم في فهم أفضل لحوكمة المجتمع للتراث الطبيعي والثقافي بهدف تعزيز التنمية السياحية المستدامة. في حديثه لـ"الصباح"، وأثناء جولة على متن قارب صغير داخل البحيرة، أشار ذو الفقار إلى الإمكانات السياحية الكبيرة التي تتمتع بها حديقة أخنيفيس الوطنية، حيث تلتقي الكثبان الرملية بالبحر في مشهد فريد من نوعه، كما كشف أنه يحرص على زيارة البحيرة سنويًا على هامش موسم طانطان، برفقة صحافيين أجانب من مختلف الجنسيات، لقضاء أوقات هادئة والتقاط صور للطبيعة الخلابة والطيور المهاجرة التي تحط رحالها في بحيرة أخنيفيس. كما أوضح ذو الفقار أن العديد من الطيور التي تهاجر من أوربا إلى جنوب إفريقيا تجعل من محمية أخنيفيس محطة استراحة، حيث يبقى بعضها أياما، بينما يستقر البعض الآخر لشهور، ويعتبر المنتزه وجهة مثالية لعشاق الطبيعة، وخاصة محبي الطيور، حيث يُعد موطنًا لبعض من أجمل وأندر الطيور في العالم، مثل الفلامينغو الوردي. ومع ذلك، يتطلب المكان توفير بنية تحتية مناسبة لاستقبال السياح ووسائل نقل كافية، كما أشار أحد المعجبين بهذا الموقع. وأضاف ذو الفقار أن المغرب راهن على الحفاظ على مساحاته البيئية ذات الجودة العالية وتحسينها، من خلال تحديد واعتماد المناطق الطبيعية المحمية، وتتماشى هذه الخطوة مع المبادئ الدولية وتحظى بدعم مالي، مما حول السياحة إلى نشاط أساسي يمكن أن يشكل جسرا بين الحفظ والتنمية المحلية. وأشار إلى أن الثروة البيئية التي يتمتع بها هذا الفضاء الطبيعي، خاصة منطقته البحيرية المسماة "النعيلة"، التي تستقبل سنويا 20000 طائر مائي من أنواع مميزة مثل "البط البني"، تمنحه مكانة ذات أهمية عالمية، كما تعترف بذلك اتفاقية "رامسار" الدولية بشأن المناطق الرطبة، وفي الحافة الجنوبية من البحيرة تقع "بحيرة أو ضاية العوينة"، التي تعزلها الكثبان الرملية عن البحيرة والبحر. ورغم أن مستوى المياه في البحيرة متغير بسبب كسر السد الطبيعي، الذي كان يشكل حزاما من الكثبان الرملية، إلا أن هناك احتمالية لإعادة تكوينه في السنوات المقبلة. وأوضح ذو الفقار أن هناك العديد من الملاحات، أو السبخات كما تسمى باللهجة المحلية، تحيط بالمنطقة مثل (تزغة، خنيفس، الخوي، نيلة، ته، الشويقان، تامبغا...)، سواء على السواحل أو في الداخل. تشكل هذه السبخات نظاما بيئيا فريدا ينتج تنوعا بيولوجيا مهما من الأنواع المحبة للملح. بالإضافة إلى ذلك، يلعب واديان دورا مهما في هذه المنطقة، إذ يوفر وادي"خاوي النعام" في الجنوب حياة نباتية وحيوانية فريدة، كما يعتبر موقعا مفضلا للرعاة. الوادي الآخر، الذي يتكون من التقاء وادي"الوعر" و"الزهار"، يدعم مساحات مائية ذات طابع أصيل في نطاق الصحراء، وفي القطاع الشرقي، نجد منطقة تسمى "غويبة"، وهي منطقة تتألف من تلال تعرف محليا بـ"قرارة"، غنية بيولوجيا، وتتحول في السنوات الممطرة إلى حقول حبوب منتجة نسبيا. شراكة مجتمعية لحماية البيئة في خضم التحديات البيئية التي تواجهها المناطق المحمية، يظهر دور المجتمع المدني أحد الحلول الأساسية للحفاظ على البيئة. جمعية خنيفيس للسياحة الثقافية وحماية البيئة، والتي تأسست في قرية أخفنير، تقدم نموذجا ملهما في هذا المجال، فمنذ تأسيسها في 2001، تسعى الجمعية إلى تحقيق توازن بين حماية البيئة وتحقيق الفوائد الاقتصادية للسكان المحليين، من خلال السياحة المستدامة. وتضم الجمعية مجموعة من الشباب الطموح الذين يعملون بشغف من أجل الحفاظ على المنتزه الوطني خنيفيس وتطويره، وتقدم الجمعية مثالاً يحتذى به في كيفية الجمع بين حماية البيئة وتحقيق الفوائد الاقتصادية للمجتمعات المحلية. ومن أبرز المشاريع التي شاركت فيها الجمعية مشروع إدارة المناطق المحمية، الذي أطلقته الحكومة في 2003 بدعم من صندوق البيئة العالمي. ويهدف المشروع إلى تعزيز الشبكة الوطنية للمناطق المحمية وتطويرها وفقًا لمبادئ مؤتمر المناطق المحمية العالمي. وفي إطار هذا المشروع، قامت الجمعية بإنشاء مركز معلومات للزوار وطرق لمراقبة الطيور، رغم أن بعض هذه الأنشطة لم تحقق النتائج المرجوة، بسبب نقص الترويج والإشارات. وفي 2005، انطلقت الجمعية في مشروع إدارة مجتمعية للتنمية الاجتماعية، بدعم من الصندوق العالمي للبيئة. وشمل هذا المشروع ثلاث مراحل رئيسية: بناء نزل بيئي سياحي، إنشاء متحف بيئي ومركز معلومات، وتعزيز النشاط السياحي حول بحيرة نيلة. وأسفرت هذه المشاريع عن تحسينات كبيرة في البنية التحتية للسياحة، وتدريب العاملين في الحديقة، وتعزيز الاقتصاد المحلي، من خلال إنشاء تعاونية لصيادي نيلة. منارة بيئية على الصعيد الدولي، تعتبر البحيرة ذات أهمية بيئية كبيرة، وفقا للصندوق العالمي لحماية الطبيعة، وهي مدرجة ضمن قائمة اتفاقية "رامسار" منذ 1980 منطقة رطبة ذات أهمية دولية. وفي 1998، أضافت إدارة التراث الثقافي المغربي البحيرة إلى القائمة التمهيدية للتراث الطبيعي العالمي "لليونسكو". وتستقبل محمية نائلة أكثر من 25,000 طائر مهاجر سنويا، من 211 نوعا مختلفا، تتوقف في هذه المنطقة خلال رحلتها بين شمال أوربا وجنوب إفريقيا. كما تعتبر البحيرة مصدر رزق مهما لسكان المنطقة، حيث تساهم في تحسين مستوى معيشهم، من خلال الصيد التقليدي وخدمات السياحة البيئية. كما توفر للزوار فرصة استكشاف جمال البحيرة وثرواتها الطبيعية، مما يعزز السياحة البيئية والثقافية في الصحراء المغربية.