الأستاذ الباحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة قال إن المغرب اعتمد أنظمة إنتاج فلاحية لا تواكب واقع التساقطات قال محمد الطاهر السرايري، المهندس الزراعي والباحث في العلوم الزراعية والإنتاج الحيواني، إن المغرب يعيش أزمة مائية هي الأصعب في تاريخه. وقال إن مشاريع الطرق السيارة المائية ومحطات تحلية مياه البحر، ستساهم في توفير المياه الموجهة للأنشطة غير الفلاحية. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: أيوب إبركاك الإدريسي (صحافي متدرب) في خطابه الأخير، اعتبر جلالة الملك إشكالية الماء التي يعيشها المغرب قضية مصيرية وتحديا من أهم التحديات التي تواجه البلاد. بماذا تختلف الأزمة المائية الحالية عن سابقاتها؟ الأزمة المائية الحالية أعتبرها الأصعب في تاريخ المغرب، وأسباب ذلك واضحة، أولها التناقص الحاد في العرض المائي، خاصة بعد خمس سنوات تقريبا من الجفاف، إضافة إلى الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وهو ما يعد في حد ذاته مشكلا حقيقيا، لأنه يعني بشكل مباشر ارتفاع نسبة المياه المتبخرة، وأخيرا تزايد الطلب على الماء، في المجال الفلاحي أساسا، وفي المجالات الصناعية والسياحية بدرجة أقل. يشاع أن بعض المزروعات الموجهة للتصدير، تستنزف القسط الأوفر من الموارد المائية، وهناك من وصف الأمر بتصدير المياه المغربية نحو الخارج. ما مدى صحة هذا القول وكيف تنعكس السياسة الفلاحية للمغرب على سياسته المائية؟ هذا هو جوهر المشكل ولا بد أن توضح فيه الأمور بتفصيل، أولا ينبغي أن نعرف أن الإنتاج الفلاحي يستلزم كميات كبيرة من المياه، وهناك معطى يسمى "البصمة المائية" يمكننا من معرفة كمية المياه التي يتطلبها كل منتوج، فمثلا لتر واحد من الحليب يستلزم 1500 لتر من المياه، وكيلوغرام من اللحم يستلزم 15000 لتر، فيما البصمة المائية للحبوب تصل إلى 1000 لتر للكيلوغرام، وهذه مجرد معدلات يمكن أن يتم تجاوزها في بعض الحالات، إذا كانت إنتاجية الحيوان أو النبات أقل. الإشكال المطروح هو مصادر هذه المياه، حيث في العديد من أنظمة الإنتاج الفلاحي بالعالم، يتم الاعتماد على الأمطار مصدرا أساسيا للماء، وبالتالي يتم الوصول إلى المعدلات التي تحدثنا عنها سابقا في اللحم والحليب مثلا، بالاعتماد على التساقطات المطرية، وهو ما يصعب أن يتحقق في الدول التي تعرف تساقطات مطرية ضعيفة مثل المغرب. وهنا نعود للسياسة الفلاحية بالمغرب، حيث قمنا بزراعة بعض الزراعات الاستوائية مثل الأفوكا أو الحوامض في مناطق شبه قاحلة، ما يجعل توفير احتياجاتها المائية الكبيرة اعتمادا على التساقطات المطرية أمرا غير ممكن، لذلك يتم اللجوء بشكل كبير إلى السقي، حيث يتم الاعتماد عليه في بعض المناطق، ثلاث مرات أكثر من الاعتماد على مياه الأمطار. وبالتالي فنحن لسنا فقط نصدر مياهنا، وإنما نصدر مياها غير متجددة، وهو ما انعكس سلبا على العديد من المناطق بالمغرب، منها منطقة سوس وملوية على سبيل المثال، التي باتت تعاني اليوم نضوب الفرشة المائية، بسبب تنزيل أنظمة إنتاج فلاحية لا تواكب واقع التساقطات المطرية بها. كيف يمكن ترشيد استعمال المياه في المجال الفلاحي دون التأثير على الأمن الغذائي للمغاربة؟ بداية لابد أن أشير إلى أن المغرب يعيش اليوم حالة تبعية غذائية، حيث إن أغلبية السعرات الحرارية التي نستهلكها مستوردة من الخارج، مع أن كثافتنا السكانية لا تقارن بالكثافة السكانية لدول أخرى مثل الصين، والسبب طبعا هو شح المياه، خاصة أننا استنزفنا حتى المياه غير المتجددة. الحل اليوم هو التفكير في سياسة فلاحية بديلة، ترتكز أساسا على المياه المتجددة، أي على مياه الأمطار، من خلال إعطاء الأولوية في الدعم والإعانات للبحث الزراعي والأنشطة الفلاحية، التي ستثمن هذه المياه، للحفاظ على الحد الأدنى من سيادتنا وأمننا الغذائي، مع أننا سنظل مضطرين للاستمرار في استيراد القسط الأكبر، من احتياجاتنا الغذائية من الخارج، وهو ما تفرضه علينا الطبيعة والعوامل المناخية، فنحن نلاحظ أن عددا من الأشجار المثمرة، التي صرفت عليها أموال طائلة، أصبحت اليوم مهددة بالموت، مما يجعل السؤال الأكبر والأهم، هو هل السياسات العمومية المغربية مهيأة للتعامل مع التغيرات المناخية؟ يتميز المغرب بتنوع مجالي كبير، ينتج عنه تباين في توزيع الموارد المائية، هل يمكن للمشاريع الكبرى للطرق السيارة المائية أن تساهم في تقليصه خاصة بالعالم القروي؟ نعم، ستساهم هذه الطرق السيارة المائية، نسبيا، في إحداث نوع من التوازن، في توزيع المياه الصالحة للشرب والمستعملة في الأنشطة الصناعية والسياحية، والدولة تبذل جهودا كبيرة في هذا الإطار، رغم أن التكلفة المالية باهظة جدا، فتوصيل المياه على مسافة 200 كيلومتر أو أكثر، يتطلب استثمارات كبيرة في محطات الضخ وما يرتبط بها، غير أن المستهلك العادي الذي يستعمل الماء في أنشطته المنزلية الاعتيادية، لن يتأثر كثيرا بهذه التكلفة العالية، حيث سيكون بمقدوره أداء 7 دراهم مثلا للمتر مكعب. لكن بالنسبة إلى المياه المستعملة في المجال الفلاحي، فإن هذه الطرق السيارة المائية لن تستطيع حل أزمتها، لأن الأنشطة الفلاحية تستهلك كميات خيالية من المياه، وبالتالي لن يكون بمقدور الفلاح تحمل كلفتها، في ظل ارتفاع كلفة المتر المكعب. يسير المغرب نحو الاعتماد على محطات تحلية مياه البحر لتدبير الاحتياجات المائية بعدد من المدن الكبرى. إلى أي حد يمكن أن تكون هذه المحطات فعالة في مواجهة الجفاف؟ محطات تحلية مياه البحر أساسية، ولابد من اللجوء إليها لتزويد المدن بالمياه الصالحة للأنشطة الإنسانية، غير أن كلفتها المالية مرتفعة، وتتحدد حسب نوعية التقنية المستعملة، حيث يمكن الاعتماد على الطاقات المتجددة أو على الطاقة الأحفورية الأغلى، كما أن هذه المحطات لها تكلفة بيئية، إذ من الممكن أن تؤثر الأملاح المطروحة في البحر، على بعض الأنشطة كالصيد البحري. لكن بالنسبة إلى الأنشطة الفلاحية، فلا يمكن أن تغطي هذه المحطات متطلباتها المائية الكبيرة، خاصة أن المياه المحلاة ستظل مرتبطة أساسا بالمناطق الساحلية، فالمزروعات في تارودانت تعاني اليوم الجفاف، رغم وجود محطة تحلية المياه باشتوكة أيت باها، التي لا تبعد عن تارودانت بأكثر من 80 كيلومترا، والسبب يرجع إلى التكلفة المالية الكبيرة التي تستلزمها عملية الضخ وحدها، ناهيك عن التحلية ثم الضخ. ماذا عن جودة المياه التي ستوفرها هذه المحطات وكلفتها المالية على المواطنين؟ بالنسبة إلى المعلومات المتوفرة لدي بخصوص بعض الدول، التي سبقتنا في هذا المجال مثل دول الخليج، فإن أغلب الأشخاص هناك يعتمدون على المياه المحلاة، في بعض الأنشطة المرتبطة بالغسل والتنظيف وملء المسابح، فيما يفضلون استعمال المياه المعدنية للشرب، غير أن الأمر يظل موكولا للسلطات الصحية المغربية، فإذا أعطت الضوء الأخضر لاستعمال المياه المحلاة في الشرب فلا مشكل إذن في الأمر. أما بالنسبة إلى التكلفة المالية فهي، فكما سبق وأشرت، تختلف باختلاف التقنيات المستعملة في التحلية، وهناك من يقول إنها قد تصل إلى 20 درهما للمتر مكعب، غير أن هذه الأرقام تبقى تقريبية ومتباينة. في سطور < ولد بالرباط في 7 يوليوز 1971. < حاصل على شهادة الهندسة الزراعية بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة سنة 1994. < حاصل على دكتوراه في العلوم الزراعية من جامعة جامبلو ببلجيكا. < شارك في العديد من مشاريع البحث العلمي على صعيد منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا < رئيس سابق لقسم الإنتاج الحيواني بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة.