بعضها طورت آليات اشتغالها وابتزاز للسائقين في مواقف عشوائية ترعرعت صور "الزطاطة" بمختلف أحياء فاس وبسط الفتوات وأصحاب العضلات سيطرتهم على شوارعها عن سبق إصرار لم تنفع معه حملات تنقية المدينة منهم. واستأسد كثير منهم وخالوا أنفسهم فوق القانون وسعوا بكل الطرق لـ "شرعنة" نشاطهم اللاقانوني ضدا على إرادة المواطن، لم تنفع صيحات غضب أطلقها في أوقات مختلفة. وطورت شبكات ابتزاز السائقين بمواقف عشوائية للسيارات بالمدينة، آليات ووسائل استغلالها للملك العام. ولم يعد نشاطها يقتصر على استخلاص رسوم غير قانونية لركن عربات بمواقع أحكمت سيطرتها عليها. وتحاول شرعنة نشاطها غير القانوني، ووصلت الجرأة ببعضها إلى حد الهيمنة على الأرض والعباد وإقامة بنايات ينتفعون منها. إعداد: حميد الأبيض (فاس) تتضح صور "الزطاطة" جليا في طبيعة ونوعية نشاط ثلاث شبكات فككتها في أسبوع عناصر الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بولاية أمن فاس، إحداها استعملت تذاكر مزورة منسوبة للجماعة، وزعيم ثانيها بنى مقهى ومقشدة في الشارع العام وسرق التيار الكهربائي وزود به محليه ومحلات بسوق مجاور استخلص من أصحابها مبالغ مالية متفاوتة. "فتوات" بالجملة ثمانية أشخاص أعمارهم بين 30 سنة و40 وأحدهم له سوابق، ابتزوا زوار وتجار سوق الجملة للخضر والفواكه بفاس، بعدما شكلوا شبكة "زطاطة" فككت باعتقالهم، الثلاثاء الماضي، تباعا بتنسيق بين عناصر الفرقة الجهوية للشرطة القضائية و"ديستي"، بعد أقل من أسبوع على تفكيك شبكتين مماثلتين مجموع أفرادهما فاق 12 شخصا. الجديد في نشاط الشبكة أنها لم تكتف بابتزاز رواد السوق واستخلاص أموال عن ركن سياراتهم وعرباتهم في مواقف مجاورة له. وزورت تذاكر ضمنتها الهوية البصرية لجماعة فاس، بل ارتدى أفرادها المجندون لاستنزاف الجيوب، أزياء و"جيليات" تحمل اسمها لإيهام الناس بقانونية نشاطهم غير القانوني طيلة أسابيع متتالية. تزييهم بتلك "الجيليات" وحيازتهم تلك التذاكر، حيلة انطلت على الكثير من السائقين ممن انساقوا مع ابتزازهم بدعوى توفير الحماية لمركباتهم وحراسة ممتلكاتهم، مقابل واجبات استخلصوها وسلموهم إيصالات مزورة عنها، حجزت كمية منها ومن الأزياء والقبعات والصدريات المزيفة، بعد تفتيش شخصي للمتهمين أو محلات لهم. عملية التفتيش أسفرت أيضا عن حجز أختام وبطائق تخص شركات خاصة يشتبه في استعمالها في ارتكاب هذا النشاط الإجرامي الذي جر الويلات على أفراد الشبكة ويسائل مسؤولي المدينة حول الظروف التي حصل فيها "زعيمها" على رخصة استغلال مؤقت قبل سحبها منه في ظروف وحيثيات تحتاج تحقيقا من قبل الجهات المعنية. سرقة الكهرباء إذا كانت الشبكة الأخيرة زورت وصولات وأزياء بهوية بصرية لجماعة فاس ل"شرعنة" نشاطها غير القانوني في ابتزاز مرتادي سوق الجملة للخضر والفواكه، فإن جرأة تلك المفككة قبل أسبوع من ذاك من قبل الفرقة نفسها بتنسيق مع "ديستي"، بحي بنزاكور العلوي بمنطقة ظهر الخميس بمقاطعة المرينيين، فاقت التوقعات. زعيمها من فتوات المنطقة وترامى على الملك العام على "عينيك يا ابن عدي". بنى مقهى ومقشدة وسط الطريق، وزودهما بالتيار الكهربائي انطلاقا من الإنارة العمومية. وأفدح من ذلك وزع الكهرباء على محلات تجارية بسوق بنسليمان، مقابل "اشتراك" شهري يؤديه أصحابها بعدما حول نفسه "وكالة" بديلة عن "راديف". أصحاب المحلات المستفيدة أدوا ما بين 60 درهم و100 شهريا، لزعيم الشبكة ومساعديه الذين اعتقلوا في 6 غشت وحجزت لديهم أسلحة بيضاء من الحجم الكبير و"مقدة"، وآلات استغلها في القمار والرهان على الخيول في مقهاه المبنية بالشارع العام ضدا على القانون ومن مفروض أن يحميه ويراقب كل التجاوزات بنفوذ المقاطعة. الفرقة الجهوية للشرطة القضائية اعتقلت المتهم الرئيسي وشقيقته وشخصين آخرين وأحالتهم على الوكيل العام الذي أحالهم بدورهم على قضاء التحقيق، استمع إليهم إعداديا قبل تأجيل التحقيق التفصيلي معهم لشتنبر، عكس شبكة فككت قبل يوم من ذلك وأحيل أفرادها الثمانية بشكل مباشر على غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية فاس. "عصابة الباركينغ" تختلف أولى شبكات "زطاطة الباركينغ" المفككة، الأسبوع الماضي، والمكونة من 8 أفراد يشرع في محاكمتهم في 10 أكتوبر، عن شبكتي حيي بنسودة وبنسليمان، سيما في طبيعة نشاطها ولو تقاطعت معهما في ابتزاز سائقين في مواقف عشوائية بمختلف شوارع حي مونفلوري بمقاطعة سايس، فرضوا فيها جبروتهم بقوة العضلات. لكن نشاطها أوسع من نظيرتيها ولم يقتصر على ابتزاز راكني سياراتهم بمواقف عشوائية، سيما بشارعي المنامة والكرامة. وتوسع للعنف والضرب والجرح بالسلاح الأبيض والتهديد، سيما بارتكاب جنايات وجنح ضد أشخاص وممتلكات والسرقة الموصوفة المقترنة بظروف التشديد واستعمال السلاح والتعدد والليل واستعمال ناقلة. "تكوين عصابة إجرامية والضرب والجرح بالسلاح الأبيض والتهديد والعنف والسرقة بظروف التشديد" بعض من تهم جنحية وجنائية وجهها إليهم الوكيل العام الذي أعمل صلاحياته القانونية المخولة له بموجب المادة 73 من المسطرة الجنائية، في اتخاذه قرار الإحالة المباشرة لجاهزية الملف للمناقشة واعتراف المتهمين بالمنسوب إليهم. المتهمون الثمانية حصلوا مبالغ مالية مختلفة ومتفاوتة دون موجب حق من ابتزازهم للسائقين الذين ركنوا سياراتهم في تلك المواقف العشوائية المتناسل عددها تدريجيا، ليس فقط في هذا الحي، بل لا يكاد حي أو شارع أو زنقة بفاس تخلو منها رغم الجهود الأمنية المبذولة في إطار محاربة كل أشكال وصور ومظاهر الابتزاز و"الزطاطة". ظاهرة تتنامى ليست هذه الشبكات الوحيدة المفككة والمحاكم أفرادها، وسبق تفكيكها، اعتقال مئات الأشخاص فرادى وجماعات في عمليات أمنية حازمة طالت مختلف الأحياء بالمدينة، أشهرها شبكة الفيء المثبتة العقوبات المحكوم بها أفرادها بعد رفع عقوبتهم استئنافيا وصلت في أقصاها إلى 10 سنوات سجنا نافذا أدين بها 3 أشقاء. ولم يمنع ذلك استمرار أصحاب السترات في سلوكاتهم المخالفة للقانون بعدما نصبوا أنفسهم حراسا شرعيين في أماكن ركن السيارات أو مختلف المحطات، ما يعتبر "سلوكا غير مقبول" يقول حسن شرو محام بهيأة فاس، سيما أنهم "يهددون السائقين إن لم يمنحوهم مقابلا عن ركن سياراتهم لبعض الوقت تحت طائلة ارتكاب جرائم". وأوضح أن تهديد أصحاب "الجيليات" للسائقين يمكن إثباته بطريقة مباشرة أو عن طريق شهادة شهود حضروا الواقعة أو في حالة اعتراف الشخص بقيامه بتهديد غيره أو بمعاينة الشرطة أو المفوض القضائي للفعل والواقعة، مشيرا إلى أنه يمكن الحديث في حالات أخرى عن انتحال "الزطاطين" لصفة ينظمها القانون أو اسم كاذب. وأشار إلى متابعة النيابة العامة لمقترفي هذه الأفعال وغيرها بما في ذلك جنحة النصب لاستعمال هؤلاء الحراس الاحتيال للإيقاع بالسائقين، بتأكيدات خادعة بادعاء أن لهم رخصة لفرض تلك الرسوم، مؤكدا أن النيابة العامة لها صلاحية تكييف المتابعات حسب الحالات والأفعال، ويمكن لها أن تكيفها عرقلة للطريق العمومية. تراند: المقاربة الاجتماعية مطلوبة أجمع متفاعلون مع أخبار تفكيك شبكات "زطاطة الباركينغ"، على لزوم عقاب متورطين تسيدوا بشوارع وأحياء وفضاءات يفرضون فيها جبروتهم على حساب سائقين يتعرضون للتهديد والابتزاز. ودعوا لتشديد العقاب ليكونوا عبرة ولتحقيق الردع الخاص والعام، موازاة مع إطلاق مقاربة تراعي ظروفهم الشخصية والاجتماعية. ودعا شكيب لتطبيق القانون على الجميع، متمنيا أن تشمل الاعتقالات كل الحراس، سيما أنهم "كلهم كلوشارة" تقول زليخة التي بدت غير راضية عن الحالة التي آل إليه سوق الجملة للخضر والفواكه المفككة فيه آخر الشبكات، ما زكاه تفاعل فاضل الذي تساءل عن أين دور المجلس الجماعي في حماية مرتادي السوق والحفاظ على نظافته؟. وبدوره تساءل محسن عن سر عدم اعتقال أشخاص آخرين يمارسون "الزطاطة" داخل السوق نفسه، فيما حيى جمال الأمن على اعتقال أفراد شبكة الزطاطة ب"لاكريي"، ليتفاعل معه محمد بقوله "عطاهم الله الصحة والعافية، خدمة نقية"، بينما تمنى أسامة تتبع السلطات وتدخلها باستمرار لتنقية الشوارع من محتليها لأي غرض. ووصفت دنيا الظاهرة ب"سرطان يجب استئصاله كليا"، لأن "الورم إذا بقي دون علاج، يزداد نخرا للجسد"، فيما تساءلت صفحة محلية في تفاعلها مع خبر اعتقال باني المقهى والمقشدة بالشارع العام، "أين كانت السلطات لما كان يبني؟، يجب أن يساءل الجميع"، دعوة تبناها عدة متفاعلين مع رده على خبر الاعتقال والإحالة. واستغل متفاعلون أخبارا متداولة عن تفكيك هذه الشبكات، للفت انتباه الجميع لوجود الظاهرة بأماكن معينة ذكروها أملا في تدخل أمني مماثل، فيما طلب آخرون من المسؤولين الاهتمام بتحسين أوضاع الشباب والتخفيف من معدلات بطالتهم، للتقليص من الظاهرة وكل الظواهر المشينة المنتشرة والمسيئة للوطن. التشخيص والعلاج قال محمد بوكرمان، محام بهيأة فاس، إن مقاربة ظاهرة "الزطاطة" وأصحاب "الجيليات" الصفراء، تقتضي تشخيص مختلف العوامل التي ساهمت في تفشيها والبحث عن سبل ووسائل ناجعة لمعالجتها، موازاة مع العقاب في حال الإخلال بالقانون وتورط "الزطاطين" في أفعال غير قانونية، من قبيل التهديد وانتحال الصفة. وأوضح أن الظاهرة قديمة بدأت بشكل محدود جدا قبل أن تتوسع وتعمم بشكل كبير في الثلاثة عقود الأخيرة، حتى أنه "لا يمكن أن تجدا شارعا أو زقاقا أو حتى خلاء في بعض الأحيان، يخلو منها"، مؤكدا أن توسعها وانتشارها ارتبطا على مدى عقود، ببعض أشكال الفساد المتفشية على مستوى الجماعات الترابية". وتحدث عن تقسيم مناطق الريع المرتبطة بالظاهرة بين بعض المستشارين ومحيطهم الانتخابي، ما ساهم في توسع الظاهرة، وسببه أيضا تطبيع عموم المواطنين معها، والبروز المتأخر ل"حراك" التصدي لها وانحساره ومحدوديته. وأكد أن مسؤولية الجماعات في هذا الإطار، قائمة لمعالجة الظاهرة، على مستوى التنظيم والتدبير. وأبرز أن الدولة مسؤولة بدورها عن المستوى الأمني لتحرير الفضاء العام من الظاهرة، "دون أن ننسى استحضار الجانب الاجتماعي لأصحاب "الجيليات" بتنزيل الجماعات والدولة بقطاعاتها المختلفة لمشاريع صغرى مدرة للدخل بدائل وفرصا اقتصادية واجتماعية تحفيزية"، يقول المحامي الحقوقي محمد بوكرمان. وأكد أن التكييف القانوني للمتابعين في ملفات الابتزاز و"الزطاطة"، موكول للنيابة العامة المختصة على ضوء ما تسفر عنه الأبحاث التمهيدية معهم وما قد يثبت من تورطهم في أفعال مخالفة للقانون يرتكبونها خلال تنصيبهم أنفسهم دون وجه حق، حراسا لمواقف سيارات عادة ما تكون عشوائية يقيمونها بأنفسهم. وذكر أن المتابعة القضائية قد تقتصر على الابتزاز فقط اعتبارا لأن الحارس يزرع الخوف في نفس الشخص عن طريق التهديد لفرض طاعته وأداء مبلغ مالي نظير ركن سيارته، وقد تتجاوز ذلك إلى التهديد وانتحال صفة ينظمها القانون أو اسم وصفة كاذبين، والنصب والاحتيال والضرب والجرح وغيرها من الأفعال الإجرامية الممكنة. محمد بوكرمان ساف ةأيهب ماحم