تصنف ثالثة عالميا في عالم الإجرام وجهود كبيرة للنيابات العامة والقضاء لمحاربتها إعداد : عبد الجليل شاهي( أكادير) الإجرام البيئي أصبح من القضايا البارزة التي تستدعي اهتماما كبيرا على الصعيدين الوطني والدولي، خاصة في ظل الأضرار الكبيرة التي يتسبب فيها هذا النوع من الجرائم للبيئة وللإنسانية بشكل عام. فقد أظهرت الدراسات والتقارير أن الإجرام البيئي يشمل أنشطة غير قانونية تؤدي إلى تدمير البيئة أو الإضرار بها، مثل التلوث، والتجارة غير المشروعة بالحيوانات والنباتات، واستغلال الموارد الطبيعية بطريقة مفرطة وغير مستدامة. في السنوات الأخيرة، أصبحت القضايا البيئية ذات أهمية متزايدة في تحقيق التنمية المستدامة. وهذا يعني أن حماية البيئة لم تعد تقتصر على مجرد الحفاظ على الموارد الطبيعية، بل أصبحت جزءا أساسيا من إستراتيجية التنمية التي تهدف إلى تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. ولذا، فقد عملت العديد من الهيآت والمؤسسات، على الصعيدين المحلي والدولي، على محاربة الإجرام البيئي، حيث يسعى الجميع إلى تحسين الوضع البيئي وتجنب المخاطر التي تهدد جودة الحياة على كوكب الأرض. تعزيز القوانين كشف محمد التفراوتي، الناشط البيئي، أن الجرائم البيئية التي كانت تعتبر في الماضي "جرائم صغيرة"، أصبحت الآن ثالث أكبر قطاع إجرامي على مستوى العالم. وأشار إلى الجهود المبذولة من قبل النيابات العامة في مختلف محاكم المغرب لمكافحة هذه الجرائم، لكنه أكد على ضرورة تطوير ترسانة قانونية واضحة تشمل مراسيم تطبيقية تجرم التجاوزات البيئية التي لم يعد المجال يسمح بها. وأوضح التفراوتي أن السياسات الحالية يجب أن تشمل ردعا يتناسب مع حجم التجاوزات البيئية، وتفعيل مبدأ "التلوث يؤدي إلى العقاب"، مشددا على ضرورة تشديد العقوبات للحد من الجرائم البيئية. كما لفت إلى أهمية تقنين تجارة الأخشاب غير المشروعة، واستنزاف المياه، والانتهاكات الكيميائية، والتلوث الناتج عن السفن، بالإضافة إلى الأضرار الشديدة التي تلحق بالنظام البيئي. وأكد التفراوتي أن المغرب منخرط في الجهود الدولية المتعلقة بالمحافظة على البيئة، وهو ليس بمعزل عن التوجهات العالمية مثل تلك التي يفرضها الاتحاد الأوربي، والذي خصص عقوبات مشددة على الجرائم البيئية تشمل السجن وغرامات ضخمة. وأوضح أن الأفراد والشركات في أوروبا يواجهون عقوبات سجنية تصل إلى 10 سنوات، وقد تصل الغرامات إلى 40 مليون أورو أو 5% من حجم مبيعات الشركة. وشدد التفراوتي على أن المغرب مطالب بتبني قواعد جديدة لتوفير حماية إضافية للمبلغين عن المخالفات، وتنفيذ تدريب متخصص لأجهزة إنفاذ القانون بشأن الجرائم البيئية. كما دعا إلى تنظيم لقاءات متخصصة وموضوعية لقضاة الشرطة القضائية ومختلف المتدخلين، فضلاً عن إعداد استراتيجيات وطنية وحملات توعية تركز على مكافحة الجرائم البيئية. الحرب على الجريمة نجح المغرب في بناء نظام متكامل لمكافحة الجريمة البيئية، يشمل جوانب قضائية وتنموية وتثقيفية، مما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الجهود الرامية لحماية البيئة للأجيال القادمة. تجسد هذه المبادرات التزام المغرب بتحقيق التوازن بين التنمية وحماية البيئة، وتعكس جهودًا ملموسة لتحقيق تنمية مستدامة تحافظ على الموارد الطبيعية وتحقق الأهداف البيئية الوطنية والدولية. وانخرطت النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية بشكل إيجابي وفعال، في إطار الدينامية الملكية ذات الأبعاد الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة الجريمة البيئية، معتمدين على خطة مندمجة تسهم في تنفيذ السياسة الجنائية للمملكة. وقد اتبعت النيابة العامة مقاربة متعددة الجوانب، شملت إحداث بنية إدارية متخصصة لمتابعة قضايا الجرائم البيئية ضمن قطب القضاء الجنائي، في تعبير عن وعيها بدورها الدستوري وحرصها على التنسيق مع الجهود المبذولة من قبل مؤسسات الدولة على مختلف مستوياتها. وتبنت رئاسة النيابة العامة مقاربة مؤسساتية تشاركية، حيث عملت على تنسيق الجهود مع العديد من المؤسسات الوطنية. وقد شمل ذلك تعزيز المراقبة والتنسيق وتقديم الدعم بين كافة القطاعات ذات الصلة، بهدف رصد الأنشطة غير المشروعة ومحاربة الاتجار غير المشروع بالنباتات والحيوانات البرية. كما دعمت المبادرات الرامية إلى تعزيز التشريعات الوطنية المتعلقة بالبيئة وتحديثها بما يتماشى مع المعايير الدولية، من خلال تحسين الإجراءات القانونية لملاحقة الجرائم البيئية وتعزيز العقوبات ضد المخالفين. وتعمل النيابة العامة على تدريب وتوعية كوادر القضاء والشرطة البيئية لضمان تحقيق نتائج فعّالة في هذا المجال. إضافة إلى ذلك، تسعى النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى تعزيز الوعي العام بأهمية حماية البيئة وأضرار الجريمة البيئية، من خلال حملات توعوية وبرامج تعليمية تهدف إلى إشراك المجتمع في الجهود المبذولة، وتحفيزه على الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة. اعترافا بالمجهودات التي تبذلها رئاسة النيابة العامة في المجال البيئي، حصلت على جائزة "غايا" للتميز لسنة 2022 من قبل الشبكة الأوربية للوكلاء من أجل البيئة، على هامش اجتماعها السنوي المنعقد بلاهاي بتاريخ 30 شتنبر من السنة ذاتها، فضلا عن قبول عضوية المملكة كملاحظ بالشبكة الأوربية للوكلاء الأوربيين من أجل البيئة، التي تضم مختلف النيابات العامة الأوربية. قضايا بيئية شهدت المحاكم المغربية نشاطا ملحوظا في معالجة القضايا المرتبطة بالجريمة البيئية خلال السنوات الأخيرة، ففي مجال تدبير النفايات والتخلص منها، تم تسجيل صدور 2790 حكما يتعلق بالجنح والمخالفات وفقا للقانون رقم 00-28. أما في ما يتعلق بالموارد المائية، فقد أصدرت المحاكم 1239 حكما بشأن الجنح والمخالفات المنصوص عليها في القانون رقم 15-36 المتعلق بالماء. وفي ما يخص الأكياس البلاستيكية، التي حظرها القانون رقم 77-15، تم إصدار 2560 حكمًا يتعلق بالجنح والمخالفات الخاصة بحيازة وصناعة وتوزيع هذه الأكياس. وخلال 2023 والنصف الأول من العام الجاري، أصدرت المحاكم المغربية ما لا يقل عن 16,300 حكم قضائي في قضايا الجرائم البيئية بجميع أصنافها، وتجدر الإشارة إلى أن 82% من هذه الأحكام صدرت ضمن الآجال الاسترشادية، بمتوسط فترة بت لا تتجاوز 32 يوما، مما يعكس فعالية النظام القضائي المغربي في التعامل مع القضايا البيئية. ترند: الأمن البيئي ضرورة ملحة تفاعل العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع الأرقام التي قدمتها النيابة العامة، خلال الندوة الدولية حول الجريمة البيئية ودور القضاء في مكافحتها. فقد تم تحريك الدعوى في أكثر من 19 ألف قضية تتعلق بمختلف المجالات البيئية، وتمت متابعة 20 ألف شخص سنة 2022. وفي 2023، تم تحريك الدعوى في أكثر من 21 ألف قضية توبع فيها 23 شخصا. وأشارت تعليقات رواد الفضاء الأزرق إلى ضرورة تكثيف عملية تحريك الدعوى العمومية لمكافحة كافة أشكال الجرائم البيئية. وأوضح عمر أن القضاء المغربي يحاول بالفعل التعاطي مع القضايا البيئية، لكنه يواجه تحديات تتعلق بتعقيد الترافع القانوني أمام المجتمع المدني. وأكد أهمية رفع الوعي البيئي وتجاوز نقص المعرفة الذي يعانيه العديد من المواطنين بشأن أهمية حماية البيئة، حيث يؤدي ضعف الوعي البيئي إلى تفشي ممارسات ضارة، مثل التخلص غير السليم من النفايات وتلوث المياه. وفي ظل تزامن الندوة الدولية حول الجريمة البيئية، أكد رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن الأمن البيئي أصبح ضرورة ملحة، نظرا للتأثيرات السلبية للأفعال الإجرامية، التي ساهمت في تردي الوضع البيئي وأثرت على الزراعة والأمن الغذائي. وعلقت ربيعة على ضرورة فرض غرامات ثقيلة على مقترفي الجرائم البيئية، معتبرة أن الردع هو الحل لمشاكل البيئة. وطالبت مجموعة "فيسبوكية" في تدوينات مختلفة بتكاثف الجهود بين الحكومة والسلطات القضائية والمجتمع المدني والمؤسسات المعنية بالقطاع البيئي، من أجل مواكبة الطفرة التشريعية في مجال البيئة من خلال التوعية والتحسيس، وتعزيز الجهود المبذولة لمواجهة مختلف أصناف الاعتداء على المجالات البيئية. نحتاج مدونة خاصة أكد الحسين بكار السباعي، محام بهيأة أكادير، أن أهمية الترافع عن البيئة لن تتحقق دون وجود مدونة للبيئة تجمع بين القوانين المتنوعة، بما في ذلك القوانين التي تعود إلى الفترة الاستعمارية أو إلى فجر الاستقلال، والتي أصبحت عاجزة عن مواكبة التغيرات البيئية، رغم وجود قوانين أخرى متطورة. هذه القوانين المتطورة تتطلب تضافر الجهود بين الهيآت التشريعية والقضائية والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، التي تتولى تطبيق الآليات القانونية المخصصة لحماية وتأهيل المجال البيئي ومدى ملاءمتها لحاجيات الأفراد. وأشار إلى أن القاعدة القانونية والهيآت المشاركة في مجال حماية البيئة، سواء كانت حكومية أو منظمات المجتمع المدني، لن تحقق أهدافها دون نشر ثقافة الوعي البيئي. كما شدد على ضرورة توحيد الجهود بين مختلف الفاعلين في مجال البيئة وتطوير وتحديث التشريعات، وتوحيد العمل القضائي وتوحيد الأحكام القضائية في هذا المجال، بما يضمن حماية فعالة ومثلى في مكافحة الجريمة البيئية، مع التأكيد على دور القضاء في حماية البيئة، باعتبار الحق في بيئة سليمة حقا من حقوق الإنسان. وأوضح أن البيئة اليوم تشكل، نتيجة التغيرات المناخية التي يعرفها العالم بأسره، موضوعا ذا أهمية وراهنية كبرى، مما يتطلب تعزيز العمل المشترك الوطني والإقليمي والدولي لتجاوز تحديات الجفاف والكوارث الطبيعية، التي أثرت على اقتصاديات العديد من الدول وتسببت في نزوح السكان إلى أماكن أكثر أمانا نتيجة الفيضانات، بل وأثرت أيضا في الكوارث الإنسانية مثل انجراف التربة، التي شهدتها مناطق مختلفة من العالم. وأضاف أن المشرع المغربي، مثل غيره من التشريعات المتقدمة، سارع إلى إصدار نصوص قانونية أكثر نجاعة في توفير الحماية البيئية. تستند هذه النصوص إلى الفاعل الحكومي في أعمال المراقبة السابقة للمنشآت الصناعية المسببة للتلوث، وتلجأ إليها إدارات الدولة المسؤولة عن حماية الماء والأحواض المائية، كما يعتمدها القاضي في إصدار أحكام قضائية كفيلة بتنفيذ العقوبات والردع في مجال المخالفات والجنح البيئية. كما يعتمد الفاعل المدني هذه القوانين في التوجيه والتوعية والإرشاد في مجال حماية البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية، التي تضمن العيش الآمن للمواطنين. ورغم تفرق وتعدد هذه القوانين، فإنها تشكل مدونة بيئية متكاملة. من أبرز هذه القوانين نجد الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، الذي يؤطر عمل المؤسسات المكلفة بحماية البيئة، والقانون الخاص بدراسة التأثير على البيئة، وقانون مكافحة تلوث الهواء، والقانون المتعلق بالمقالع، والقانون المتعلق بحماية الساحل، والقانون المتعلق بالمناطق المحمية، والقانون المتعلق بمراقبة مبيدات الآفات الزراعية وتنظيم التجارة فيها، والقانون المتعلق بحماية أنواع النباتات والحيوانات المتوحشة ومراقبة التجارة فيها. * الحسين بكار السباعي محام بهيأة أكادير