مارست السياسة في الظل وتفوقت في الانتخابات التشريعية على أشهر وجوه اليمين المتطرف تمثل المهندسة سهام الرخيصي، ابنة قرية تزران بجماعة كيسان بغفساي بتاونات، نموذجا لشباب واعد لا تفرمل طموحه أي عراقيل، مهما كثرت لا يمكن أن تحد من عزيمة فولاذية تسلحت بها لتذويب المطبات ورسم خارطة طريق النجاح ولو بعيدا عن مسقط الرأس الذي لم تنسه وزارته قبل شهرين فقط من تسلقها أرقى درجات سلم النجاح. سهام واحدة من وجوه سياسية قلبت موازين التوقعات في الانتخابات التشريعية الفرنسية التي قادت الجبهة الشعبية المكونة من الحزب الشيوعي وحزب الخضر والحزب الاشتراكي، لقيادة الأحزاب المتنافسة فيها، بعدما صنعت الحدث وانتزعت الريادة متصدرة الانتخابات بدائرة "دي سان"، وبفارق مهم ومريح من الأصوات. تفوقها لم يكن سهلا ولا عاديا في الدائرة القريبة من العاصمة باريس، بعدما أزاحت من طريقها جان مسيحة ذي الأصول المصرية وأحد وجوه اليمين المتطرف، المستمر الظهور في القنوات الإخبارية الفرنسية والمشهور إعلاميا بهجومه المتكرر على المسلمين والمهاجرين، ما لم ينفعه في منافسة لم يحصد منها إلا 3.5 في المائة من الأصوات. لم يكن طريق نجاحها السياسي بعد تفوقها المهني يسيرا، منذ أعلنت وكفاءات فرنسية توحدت في الجبهة الشعبية الجديدة كاتحاد لقوى اليسار الفرنسية تشكل في يونيو من الديمقراطيين والاشتراكيين والشيوعيين والخصر واليسار الراديكالي، رغبتها في تحقيق التغيير لبناء التنمية الحقيقية بعد تسطير برنامج حكومي مشترك. حصدت سهام في الدور الأول 19.26 في المائة من الأصوات، لتمهد الطريق لولوج البرلمان الفرنسي، لأول مرة في مسارها السياسي، وليس ذلك بغريب على امرأة تربت في حضن عائلة سياسية مغربية قبل الهجرة إلى فرنسا، وهي ابنة محمد الرخيصي رجل التعليم ومدير عدة مدارس تعليمية ابتدائية بتاونات وفاس والشاون. الأب محمد معتقل سياسي سابق اعتقل في بداية ثمانينات القرن الماضي وطرد من الوظيفة العمومية إثر إضراب 1979، ومارس السياسة بمسقط رأسه بجماعة كيسان بصفته منتخبا، وما زال من أشرس المدافعين عن إقليم تاونات منبت المئات من الكفاءات التي نجحت في مجالات سياسية ومهنية مختلفة داخل الوطن وخارجه. سهام الرخيصي من أم تاوناتية من جماعة عين عائشة وأب من جماعة كيسان، واحدة من 4 شقيقات مهندسات أصغرهن خريجة مدرسة المهندسين بباريس، "لم تتطفل على السياسة، بل ولدت من رحمها ورضعت حليبها من أسرتها" يقول سعيد الغولي، عضو منتدى كفاءات تاونات، متفاعلا مع خبر فوزها في الانتخابات الفرنسية. سهام ولدت بفاس بعد انتقال والدها للعمل بهذه المدينة التي تلقت بها تعليمها الابتدائي والإعدادي والثانوي بالمدرسة العمومية حتى نالت شهادة الباكلوريا بشعبة العلوم الرياضية، قبل التحاقها بثانوية مولاي إدريس التي قضت بها سنتين لتلتحق بالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط، حيث قضت بها 3 سنوات قبل ولوجها سوق الشغل. بعد سنة واحدة فقط من العمل بالرباط اختارت سهام الرخيصي الهجرة إلى فرنسا، دون أن يتوقف طموحها في مزيد التكوين الذاتي، إلى أن حصلت على الماستر في الإدارة وشهادة الماجستر في الأعمال، موازاة مع نشاطها السياسي والجمعوي الذي دشنته في المغرب بأنشطة مختلفة، وامتد خلال سنوات استقرارها ببلاد المهجر. يقول محمد الرخيصي، إن ابنته سهام كانت تنشط سياسيا وجمعويا "لكن في الظل" إلى جانب عملها ودراستها الذاتية، مشيرا إلى أنها اهتمت كثيرا بالعمل الإنساني والخيري، و"كان لها دور كبير في تبني 3 حالات لأطفال مغاربة محتاجين لعمليات استبدال الكبد. اثنتان عولجتا بتركيا والثالثة عولجت ببلجيكا". وتحدث الأب عن نشاطها وحضورها الدائم في مختلف التظاهرات المناصرة للقضية الفلسطينية، ما جعلها تحت الأضواء ل"يقع عليها الاختيار من قبل حزب فرنسا الأبية للترشح باسمه في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها"، قبل أن تهزم اليمين المتطرف في قمة نجاحه وتتفوق على واحد من الوجوه المألوفة إعلاميا بمعاداة المهاجرين. حميد الأبيض (فاس)