تعود الخبرة القضائية لتحتل حيزا مهما من النقاش العمومي، للاختلالات التي كانت مصدرها تقارير خبراء اعتمدتها هيآت المحاكم، لم تكن منصفة، بل لم تكن مسايرة حتى لزمنها وعصرها، إما بالمبالغة في تحديد المبالغ، أو الابتعاد عن القيمة الحقيقية للمواد موضوع الخبرة عبر التبخيس من الأسعار والأثمان. والقاضي، وإن كان يرتكن إلى الخبرة، قبل أن يصدر حكمه أو قراره، فإن المشرع لم يلزمه بها، بل جعلها للاستئناس، إيمانا منه بأن القاضي مواطن وعلى اطلاع، وبمقدوره أن يكشف الغلو إذا اعتمد من أحد مساعدي القضاء، بل له أن يستبعد الخبرة وفق المساطر المعمول بها، إما بالأمر بخبرة مضادة أو بتعليل سبب الاستبعاد. الإشكال المطروح اليوم، هو أن هذه المهنة الحرة التي أصبحت أدوارها ذات أهمية في تقدير الحقوق وإحقاقها، تعيش نوعا من "التسيب" الناتج عن ضعف مراقبة الخبراء ومكاتبهم، اللهم المراقبة البعدية التي تأتي على شكل شكايات المتقاضين ضد هذه العينة من مساعدي القضاء، والتي تدور غالبا حول التزوير. خبراء تجاوز سنهم الثمانين، وبعضهم أصبح عاجزا عن القيام بمهامه، مازالوا مقيدين بجداول المحاكم، ينتدبون لإجراء خبرات، وآخرون مكاتبهم مغلقة ومعلقة عليها أرقام هواتف لا يتلقى من تواصل معها جوابا، وخبراء يكلفون من قبل المحاكم، للقيام بمهمة مع تحديد آجالها، يختفون أزيد من أربعة أشهر، قبل أن يقدموا طلباتهم أمام الهيأة نفسها يطلبون إعفاءهم، ما يسبب هدرا للزمن القضائي ويطيل أمد النزاعات. خرجة وهبي الأخيرة أمام لجنة العدل والتشريع، وهو يتحدث عن الصورة المتسخة للقضاء، في اتهام مباشر للخبرة التي تكون مصدر الحكم، ودعوته إلى الصرامة في التعامل مع الخبراء، مستنتجا أن "الأمور وصلت إلى مستويات خيالية وغير مقبولة في بعض الملفات"، تدعو السلطة القضائية إلى التدخل، قبل أي أحد، ليس للإسهام فقط في مشروع المسطرة المدنية، بل إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالقانون مهما كان متقدما، ليس إلا قناة لإيصال الحقوق إلى ذويها، والمتحكمون في هذه القناة هم بيت القصيد وأصل كل إصلاح. أهمية الخبرة تكمن في أنها تعزز الثقة في القضاء، لكن بالصور التي ترفع في شأنها شكايات إلى الجهات المسؤولة، وبالنظر إلى مساهمتها في تعطيل ملفات، أو تحديد أثمان سيما في تحديد قيمة العقار، خارج المنطق والأسعار المرجعية المتوفرة لدى مؤسسات عمومية، مشهود لها بالنجاعة في الرقمنة والتحديث من قبيل إدارة الضرائب، فإن تلك الثقة تهتز، لترسم فعلا، وفق وصف وزير العدل، صورة متسخة عن الأحكام، التي تصدر بالاعتماد على تقارير معيبة لخبراء. آن الأوان لتحديث المهن الحرة لمساعدي القضاء، وعلى رأسها الخبرة القضائية، وتنظيم هيأتها وتحيين الجداول وفق التخصصات، ووضع حد لمهام من لا يستطيعون القيام بما تمليه الأحكام التمهيدية، من انتقالات ومقارنات وغيرها، ففاقد الشيء لا يعطيه. المصطفى صفر للتفاعل مع هذه الزاوية: mayougal@assabah.press.ma