جهة بني ملال… حرب ضد العطش

توطين إستراتيجية لإسعاف المناطق المتضررة بسبب قلة التساقطات المطرية أحيت التساقطات المطرية الأخيرة آمال سكان جهة بني ملال والفلاحين الذين تضررت محاصيلهم الزراعية وأشجار الزيتون التي يبست وتساقطت إثر موجات الحرارة التي نسفت مجهودات عقود من الزمن قضاها الفلاحون وأبناؤهم في رعاية الحقول، ولم يضعوا في حسبانهم أن خمس سنوات من الجفاف المتتالية كانت كافية لتحويل مراع خضراء إلى حطام يدمي القلوب. إنجاز: سعيد فالق (بني ملال) ظل الفلاحون منذ انطلاق الموسم الفلاحي الجاري، ينتظرون أن تجود السماء بأمطار الخير لتحيي الزرع، وتقطع مع مرحلة جفاف لم تزد الحياة إلا صعوبة ما دفع عددا من الأسر المتضررة أن تغادر قراها، بعد أن تضاءلت فيها سبل الحياة، وغامرت بمستقبلها بحثا عن عيشة تضمن لأبنائها جزءا من الكرامة. وخلفت أجواء الانفراج المؤقت الذي شهده مناخ المنطقة، تداعيات إيجابية على حياة الناس الذين تهللت وجوههم فرحا بكميات المطر التي حركت أشجان الفلاحين، وسارعوا لإنقاذ ما تبقى من أشجارهم المثمرة التي تصارع سياط الشمس الحارة التي ووجهت بعناد أسر باعت ممتلكاتها لحفر آبار لعلها تنقذ ما تبقى من كرامتها وتحيي الآمال الضئيلة التي مازالت بادية في بعض المحاصيل الفلاحية التي تراجع منتوجها بشكل مخيف، ما ينذر بأيام صعبة في جهة كانت تعلق آمالها على سد بين الويدان الذي جفت مياهه وضاع مستقبل المنطقة بسبب الاستغلال المجحف لحقينة المياه التي وجهت عمدا إلى مناطق بعيدة إما لسقي ضيعات فلاحية لمالكين كبار استنزفوا مياه السد، أو حولت إلى جهات أخرى تعاني نقصا في المياه لسقي أراض فلاحية شاسعة . الجهة مهددة بالعطش تعيش جهة بني ملال وضعا صعبا بسبب توالي سنوات الجفاف وندرة التساقطات ما أدى بشكل مباشر إلى مواجهة صعوبات في تأمين حاجيات المناطق الأكثر تضررا من هذه المادة الحيوية وآثار انعدامها أو ندرتها على الأرض والنبات والشجر والثروة الحيوانية، بسبب الإجهاد والإفلاس المائي في بعض المناطق والموارد المائية، إضافة إلى عدم نجاعة المقاربات الفلاحية في استهلاك الماء بالموازاة مع مشكل اعتباطية استعمال مياه الري ومشكل الهدر المائي مع هيمنة الطرق التقليدية في كل مراحل عملية السقي، دون أن ننسى ما تتعرض له المياه السطحية أو مياه الفرشات المائية الباطنية من استنزاف كبير بسبب الحفر غير المقنن والمرخص، ما يزيد من عمق الهوة بين المقتضيات التنظيمية لقانون الماء 36.15 وإخراجه إلى حيز الوجود. و ما يزيد من استنزاف الموارد المائية بالمنطقة، أن 87 في المائة من المساحات الزراعية ذات طابع بوري، ما ينعكس سلبا على مردودية الإنتاج الفلاحي وما يرافق ذلك من تداعيات هامة مرتبطة بارتفاع الأسعار، وتراجع نسبة النمو الاقتصادي، إضافة إلى تراجع نسبة فرص الشغل وتحفيز النزوح من الريف، فضلا عن تغير نمط استهلاك الماء وشبح العطش بجل مناطق جهة بني ملال خنيفرة. تراجع حقينة سد بين الويدان كل المؤشرات الحالية، تنذر بأيام مقبلة صعبة بسبب نضوب مياه سد بين الويدان وتراجع الفرشات المائية إلى أدنى مستوياتها، وجشع بعض الفلاحين الكبار الذين حفروا آبارا بعمق تجاوز كل الحدود، مهددين الفرشة المائية الثالثة بخطر داهم، غير مراعين لتداعيات الحفر التي ترهن مستقبل المنطقة بالمجهول. ورغم التحذيرات التي أدركت بلادنا خطورتها على حياة البلاد والعباد، واستصدار مذكرات لحث المواطنين على توخي الحكامة في استعمال الماء، ودعوة الجهات الوصية للضرب بقوة على يد كل المتلاعبين، لم تجد هذه الدعوات آذانا صاغية للتراجع عن الرغبات المحمومة في استهلاك الماء وحفر الآبار إلى أعماق خطيرة، بل إن محلات لغسل السيارات مازالت تضيع الماء الذي أصبح عملة نادرة في منطقة وصفها المؤرخون بأنها جنة فوق الأرض لمياهها المتدفقة من العيون المنهمرة باستمرار دائم، أو لكميات المياه المتوفرة في جوف الأرض، إلى درجة أن بني ملال كانت تجود على مناطق عدة بمياهها لاستغلالها في الفلاحة أو غسل الفوسفاط الخام دون مراعاة ما ستؤول إليه الأيام المقبلة، الأمر الذي تحقق في الآونة الأخيرة بعدما بلغت حقينة سدودها إلى أدنى مستوياتها. حوض أم الربيع ... نهاية الأمل المنشود يعتبر حوض أم الربيع من بين الأحواض المائية التي كانت غنية بالماء الذي توفره السدود الخرسانية أو التلية، فضلا عن العيون المتدفقة، أمل سكان المنطقة والفلاحين والمزارعين بالجهة، لكن مع توالي ظاهرة الجفاف التي تحولت إلى معطى طبيعي ثابت، تنامت التداعيات السلبية ما تترجمه الأرقام والمؤشرات التي كشفت موت الأشجار والنباتات التي كانت تواجه الإجهاد المائي بعناد، لكنها استسلمت للمعطيات المناخية الجديدة، فلم تعد تورق جذوعها وتحولت حقولها وضيعاتها إلى أراض جرداء قاحلة يعلوها نبات يفتقد النضارة. ولعل المعطيات الرقمية والمؤشرات المتوفرة تنذر، بتعدد الأعطاب التي طالت الموارد المائية، فضلا عن مخزون السدود، وتحولت الوفرة المائية إلى عجز وصل إلى ما يفوق 85 في المائة. في هذا السياق، تم تسجيل سنة 1960 مثلا توفر الفرد الواحد على رصيد 2500 متر مكعب من مخزون الماء، وبعد ستة عقود موالية بلغت وفق الدراسات الحالية إلى ما دون 500 متر مكعب للفرد، وهو معطى لا يثير القلق فحسب، بل يستوجب التوقف الفوري عن استعمال الأساليب غير العلمية ، إذ كان أحيانا يتم اللجوء إلى تدابير لا تخلو من أساليب غير محسوبة العواقب، وكان حريا بها اتخاذ إجراءات ومخرجات تشريعية كفيلة بضمان أمن مائي بشكل مقنن لتلبية حاجيات المواطن من هذه المادة الحيوية بطرق مستدامة وآمنة على الموارد المائية، والحفاظ على الجيوب المائية المغذية للفرش والأثقاب والعيون والأودية، فضلا عن المخازن الجوفية والسطحية، مع التعامل بشكل مغاير مع المناطق الرطبة وحمايتها من اندثار بيئي، وتقلص مساحتها ومقوماتها الإيكولوجية لنسب، تصل إلى ناقص 90في المائة. وتؤكد المعطيات الحالية، أن جهة بني ملال خنيفرة من المناطق الأكثر تضررا بسبب ندرة المياه التي بلغت حدا كبيرا من العجز ما يثير لدى المواطنين قلقا متزايدا بسبب شح السماء والموارد المائية، وارتفعت نسبة قلة الموارد المائية وواردات مياه السدود من 63 في المائة في مواسم سابقة، إلى ما يفوق 80 في المائة في بعض المناطق مع توالي سنوات الجفاف، فضلا عن ندرة مياه التساقطات، واستنزاف المياه السطحية والجوفية والإجهاد المائي، على حد سواء، ما يدعو إلى التعبئة الشاملة في مجال تدبير واقتصاد الماء وحماية الموارد المائية، وإحداث أخرى جديدة مستدامة وأكثر نجاعة في الاستهلاك الاقتصادي ومدى تأثير ذلك العجز على الأمن الغذائي بالمغرب وبالجهة على وجه خاص. مخطط مائي جهوي لتدارك الخصاص بادرت ولاية بني ملال بعد دق ناقوس الخطر، وصدور مذكرات وزارية تدعو للإسراع بإيجاد خطط استعجالية للحد من خطورة ندرة المياه وانعكاساتها السلبية على حياة المواطنين، بعقد العديد من الاجتماعات بين مختلف الصالح الولائية وكافة المتدخلين للوقوف على مدى خطورة الوضعية وإيجاد الحلول الممكنة لتدهور الموارد المائية، وإشعار المواطنين بضرورة المشاركة الفعالة للحد من الآثار الوخيمة، في حال أخذ الموضوع بالجدية اللازمة. ومن أجل مسايرة المخطط الوطني للماء بالجهة، انبرت مختلف المصالح، لتدارس بفعالية برامج عمل واستثمارات عمومية كفيلة بتحقيق الالتقائية الناجعة، مع الرفع من مستوى الاستثمارات العمومية في العالم القروي، لوجود جل مصادر الماء بهذه المناطق، إلا أنها مازالت تعاني نقصا كبيرا في تطوير بنياتها التحتية القادرة على تجاوز الأعطاب التقليدية، المرتبطة بالحاجيات من المياه، وبالتالي تحقيق وتنزيل المقاربات التشاركية العميقة والجادة. بطالة وتضرر الفلاحة من المشاهد المؤلمة التي تدمي القلوب، أن تصادف كل صباح، جماعات من الشباب والشابات في انتظار أن تجود اللحظات بمالك ضيعة، يتقدم نحوهم ليختار منهم العشرات، ويزف لهم خبر نقلهم على متن سيارته الفلاحية إلى ضيعته لينجزوا أشغال تشذيب أشجار الليمون أو الزيتون أو جني ثمارها، ورغم كل المتاعب التي يصافها هؤلاء يوميا نظرا لظروف العمل الصعبة، فإنهم يسارعون الخطى ليكونوا من المحظوظين الذي يؤمنون ويضمنون مصروف يوم أو يومين من العمل، وبعد يوم عمل شاق يتسلمون أجورا هزيلة لا تكفيهم لتلبية كل احتياجاتهم اليومية. تمضي الصباحات بمتاعبها على هؤلاء، وهم الذين يستيقظون باكرا للبحث عن فرصة عمل، لكن وبعد أن تتوسط الشمس كبد السماء، يعودون بخفي حنين إلى مآويهم لأنهم لا يجدون فرصة عمل، سيما أن الجفاف أضر بكل الحقول والمراعي والضيعات الفلاحية التي تحولت إلى حطب، في مشاهد مأسوية تستعصي على الوصف. تعيش جهة بني ملال خنيفرة عمق الأزمة الهيكلية لظاهرة الجفاف، وتزداد وتيرة تداعياته السلبية يوما بعد يوم أمام شح التساقطات المطرية والثلجية التي سجلت حاليا أرقام نسب متدنية جدا، سيما على مستوى حقينة السدود والأحواض المائية التي تشكل صمام أمان لتخزين المياه والتصدي لندرتها مؤقتا، في ظل غياب فائض تضامني بجل المناطق، ما يصعب من إمكانيات الربط والتوريد بين مصادر الماء بالجهة التي تتميز بتضاريس صعبة، إذ تحيط بها الجبال والمرتفعات من كل جانب. انخفاض المخزون المائي وطنيا انخفض المخزون المائي بشكل مهول على الصعيد الوطني، رغم مجهودات الدولة في إحداث روافد وممرات لتهيئتها وتجهيزها بإمكانيات هيدروفلاحية قد تستنزف المخزون من منطقة على حساب أخرى، وهو وضع تضامني لا يخلو من تدبير قد يستحسنه الجميع، إذا ما توفرت كافة شروط تزويد وتطوير الموارد المائية الأصلية، ما يفرض على الجميع العمل على الرفع من منسوب الوعي بأهمية تدبير اقتصاد الماء، وإعلان تعبئة شاملة بهدف حث المؤسسات والأفراد على التقليل من استعمالات الماء ووجوب الحفاظ عليه وحسن استهلاكه.

جهة بني ملال… حرب ضد العطش

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تحديث البحث الوطني للتشغيل

آش خاصك تدير؟: مدرسة تعليم السياقة بعد وفاة صاحبها

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات