منتوجات مستوردة تنافس المحلية مقابل إقبال ضعيف للمستهلك والفلاحون يشتكون من ارتفاع التكاليف تعرف أسواق التمور في شهر رمضان، إقبالا متزايدا، لاعتبارها واحدة من الأطعمة الأساسية التي تتزين بها موائد إفطار المغاربة، نظرا لأهمية الغذائية من جهة، وكذا لمكانتها الروحية والدينية، من جهة ثانية. "الصباح" قامت بجولة بين فضاءات سوق التمور بسيدي غانم بمراكش، حيث وفرة المنتوج، سواء المحلي أو المستورد، مقابل الإقبال الضعيف للمستهلكين. ويسود الترقب بين البائعين، على أمل أن تدب الحركة أكثر وسط سوق التمور، التي هوت أثمنتها، نظرا لارتفاع العرض مقابل تراجع في الطلب، في حين يشعر العديد من الفلاحين من منتجي التمور بخيبة أمل وإحباط نتيجة تهاوي الأثمنة، بعد أن كانوا يعقدون الآمال على شهر رمضان، للبيع على الأقل بأثمنة تغطي مصاريف الإنتاج. إنجاز: محمد العوال (موفد الصباح إلى مراكش) يعتبر سوق التمور والفواكه الجافة بسيدي غانم بمراكش، قبلة للراغبين في الحصول على مختلف أنواع التمور، إذ يشهد السوق إقبالا مضطردا مع اقتراب شهر رمضان، ويتزايد الإقبال، خلال الأسبوع الأول من الشهر الفضيل، وفقا للعديد من الباعة، الذين يحرصون على تأثيث فضاءاتهم وعرض منتوجاتهم بطريقة تجذب المتبضع، وتسرق ناظره، وتفتح شهيته على أحسن ما جاد به النخيل. تمور محلية وأخرى مستوردة، تتزين بها فضاءات السوق الذي تسري فيه حركية ثقيلة !. كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهرا، عندما وصلنا إلى بوابة سوق سيدي غانم للتمور والفواكه الجافة، ازدحام شديد بمدخل السوق، سببه الشاحنات المحملة بالتمور، التي تنتظر دورها للولوج إلى داخل السوق. السوق... فضاء التلاقي دلفنا إلى داخل السوق، حيث حركية دؤوبة تسري بين أزقته... شاحنات تفرغ حمولاتها من التمور المستوردة من دول عربية عدة، وعربات يدوية تنقل كميات من التمور من هذا إلى ذاك، والعديد من الزبناء يتجولون في رحاب السوق. مولاي علي، شيخ ذو لحية بيضاء، يبدو من خلال ملامح عمره أنه تجاوز السبعين بقليل، لا تفارق الابتسامة محياه، يظهر حريصا، على أن يكون في خدمة الزبناء، يقدم الشروحات والتفسيرات حول أنواع التمور والفرق بينها. فابن الرشيدية، لا يتردد في البوح بأن التمور المحلية، تغريه، ليس لحلو مذاقها، ولكن لأن له قصة بمراحل إنتاجها ووصولها إلى مائدة المستهلك. عندما يتحدث مولاي علي عن مائدة الإفطار في رمضان، يبهرك بأهمية التمر على المائدة، "إنه سلطان المائدة وروحها". أما عبد السلام ابن زاوية تمكروت، فسوق التمور خلال رمضان بالنسبة إليه، ليس فضاء للبيع والشراء، بأكثر ما هو عرس للاحتفاء "بالحلاوة" بمجهود يمتد لشهور في النشاط الفلاحي المرتبط بإنتاج التمور. يقول عبد السلام "نحن هنا نلتقي مع الزبناء، لا يهم أن يقتنوا منا التمر، بل يحصل الكثير منهم على معلومات يجب أن تصل إليهم، منها مراحل إنتاج التمور، وأنواعها التي تتعدى أكثر من 350 نوعا"، ويضيف عبد السلام، "نحن هنا نسوق لمناطق تنتج اليوم هذه الكميات المهمة من التمور رغم قساوة الظروف المناخية.. هناك مئات النخيل بطاطا وورزازات والرشيدية وزاكورة وتافيلالات، تقاوم العطش والجفاف، لمنح أحسن مذاق لسكان المغرب". إقبال ضعيف عملية الإقبال على التمور تبدو ضعيفة، وهو أمر يفسره أحد الباعة بالظروف الاقتصادية للمغاربة، وارتفاع تكاليف العيش "طبيعي نحن مغاربة أيضا، وندرك حجم الغلاء الذي تعرفه مناحي الحياة اليوم"، يقول أحد الباعة، قبل أن يستدرك "لكن لم نكن ندرك أن الإقبال سيكون ضعيفا بهذه الصورة". الأمر نفسه يؤكده محمد ابن زاكورة، بأن الإقبال ضعيف جدا، ويحاول محمد أن يعود بنا إلى جائحة كورونا، والمقارنة بين الإقبال في تلك الفترة رغم الظروف الاستثنائية واليوم، حيث الإقبال ضعيف للغاية. ويأمل محمد أن تدور عجلة هذا السوق خلال الأسبوع الأول من رمضان. أمينة امرأة من حي المحاميد بمراكش، تحرص على الاستفسار عن جميع أثمنة التمور، قبل أن تتوقف عند البائع عبد السلام، قررت في آخر المطاف اقتناء خمسة كيلوغرامات من التمر الرطب المستورد. لم يكن ثمنه يتعدى 35 درهما، لكن في نظر أمينة فالثمن مرتفع شيء ما.. لا تتذكر المرأة الثمن الذي اقتنت به النوع نفسه خلال السنة الماضية، لكن يبدو لها ثمنا مرتفعا. "أسكن رفقة ثلاثة من أبنائي، أحدهم متزوج، وأنا من يسهر على اقتناء أغراض البيت.. أعتقد أن خمسة كيلو غرامات كافية لي خلال رمضان"، ثم أضافت بابتسامة عريضة "صراحة كنت أتمنى أن أقتني ضعف هذه الكمية، لكن ظروفي المالية لا تسمح". من كل فج عميق سوق التمور بعاصمة النخيل، ليس وجهة للتبضع لأهل مراكش فقط، بل يرتاده الكثيرون من مختلف المناطق كشيشاوة والصويرة وآسفي واليوسفية وقلعة السراغنة وسيدي بنور وغيرها من المناطق والأقاليم، وهو ما يمنح لهذا السوق أهمية تجارية واقتصادية مهمة. فعبد الغني، ذو 27 سنة، صاحب محل لبيع المواد الغذائية بشيشاوة، يقصد مراكش، من أجل اقتناء التمور لإعادة بيعها بالتقسيط بمدينته. "علاقتي بهذا السوق تعود لسنوات عدة، إذ كنت أرافق والدي، الذي كان يحرص على اقتناء التمور من أسواق مراكش، ونسج علاقات مع فلاحين من منتجي التمور من زاكورة والرشيدية، وأنا حينما قررت فتح محلي التجاري، سرت على نهج والدي، فسوق التمور بمراكش، هو فضاء للمعرفة ولبناء جسر العلاقات التجارية كذلك"، يقول عبد الغني. فالعديد من التجار يقصدون هذا السوق، شأنهم في ذلك شأن العديد من الزبناء ممن يحرصون على اقتناء التمور من هذا الفضاء الذي يتسع لحوالي 300 بائع، أسسوا لعلاقة حب وود مع هذا النشاط التجاري. فعبد العالي، موظف جماعي بإحدى جماعات إقليم بنكرير، اختار قطع مسافة تزيد عن مائة كيلو متر، من أجل اقتناء التمور لشهر رمضان، "قررت بمعية زميلي في العمل، أن نتوجه نحو مراكش لاقتناء التمور لرمضان". وعن أسباب قطعه كل هذه المسافة والتنقل نحو هذا السوق، يجيب عبد العالي "سوق التمور هنا، هو فضاء تتجول فيه لتكتشف الكثير من الخيرات التي حبانا الله بها.. هنا تجد كل أنواع التمور، وبكل الأثمنة.. هنا قصة عشق، عشق التجول في هذا الفضاء"، يقول المتحدث ذاته. رضى... حكاية تذوق! يختزن هذا السوق العديد من الحكايات، كحكاية رضى، ابن آسفي، البالغ من العمر 31 سنة. صادفنا رضى بمحل لبيع التمور، اعتقدنا في الوهلة الأولى، أنه يشتغل بمعية تاجر للتمور، لكن سرعان ما تعرف إلينا، وكشف لنا سر وجوده بهذا السوق. ابتدأت الحكاية، بمحمد صديق رضى، الذي درس بمعيته في السنة الأولى بجامعة القاضي عياض، حيث نشأت بينهما علاقة صداقة، "محمد صديقي يتحدر من الرشيدية، وأسرته تشتغل في إنتاج التمور، واقترح عليّ أن اشتغل موسميا خلال رمضان في بيع التمور، وتعرفت، عن طريقه، على خاله بهذا السوق، إذ اتفقت معه على منحي كمية من التمور لبيعها، وتسديد الثمن". يقول رضى، إن خال محمد وبوصية منه، كان يبيع له بثمن تفضيلي، وإنه استطاع أن يضمن سوقا لبيع منتوجه لتجار بآسفي، ثم ما لبث أن وسع سوقه، لتشمل ضواحي آسفي. ويضيف رضى، أنه استطاع أن يوسع نشاطه، بعدما اقتنى سيارة كبيرة، وأصبح يوزع التمور في العديد من الأقاليم والمناطق. ويختم رضى "بعد الحصول على الإجازة، قررت الاستمرار في بيع التمور، والآن أفكر في إنشاء محلات كبرى لبيع التمور بآسفي وبعض المناطق الأخرى"، يقول رضى الذي لم ينس جميل صنع صديقه محمد، الذي ضمن وظيفة بقطاع التعليم. وفرة الإنتاج يجمع أغلب تجار التمور ممن التقتهم "الصباح" بهذا الفضاء، على وفرة الإنتاج المحلي وكذا المستورد، وأن كل التخوفات التي كانت تساور العديد من المواطنين، تبددت، بيد أن تخوف الباعة لم يتبدد نتيجة الإقبال الضعيف، في حين أن الأثمنة تهاوت، ما شكل صفعة غير مرتقبة للفلاحين على الخصوص، الذين يشعرون بخيبة أمل كبيرة. وفي هذا الصدد، يقر عثمان باتا، رئيس جمعية الكرم لتجار التمور والفواكه الجافة بمراكش، في حديث ل "الصباح"، أن الجفاف أثر على الإنتاج المحلي هذه السنة ، لكن التمور المستوردة مكنت من تغطية حاجيات المغاربة من التمور، مؤكدا أنه تم استيراد كميات مهمة من العراق ثم مصر فالإمارات وتونس ثم السعودية، مضيفا أن الأثمنة تبقى مناسبة وفي متناول المستهلك المغرب مع ارتفاع نسبي في أثمنة التمور المستوردة من المملكة العربية السعودية. وأضاف المتحدث أن أسعار السوق المحلية هوت الخميس الماضي، إذ أن هناك تمور "بصحم" مثلا تتراوح ما بين 15 درهما و25، و"الزرورة" من 20 درهما إلى 40 ، و"بوفقوس" ما بين 40 درهما و70 ، في حين أن أثمنة التمر المجهول تتراوح ما بين 40 و 120 حسب الجودة، يضيف المتحدث ذاته. وخلص عثمان باتا، أن التمور متوفرة بشكل كاف جدا، وأن الأثمنة في متناول المستهلك من مختلف الفئات الاجتماعية. دموع على أعتاب نخلة تبددت آمال فلاحين في تحقيق ربح خلال هذا الموسم، بعدما تراجعت أثمنة التمور. "نحن هم الفئة المستضعفة والمهمشة.. لا أحد يتحدث عن الفلاح الذي يكابد الصعاب، حتى تبقى تلك النخلات شامخات، تنتج التمور"، يقول أحد الفلاحين وقد اغرورقت عيناه. "نلمس العذر للمواطن، لأنه مثلنا اكتوى بنار الغلاء، لكن نحن ما ذنبنا.. التاجر لا يمكن أن يبيع بالخسارة، والفلاح الذي يعتبر قطب الرحى في عملية الإنتاج، لا أحد يلتفت إليه"، يضيف فلاح آخر من نواحي زاكورة، واحدة من المناطق التي تعيش على جفاف حاد. ويؤكد المتحدث ذاته، "نحن نقوم بحفر الآبار، لنضمن الري المنتظم لشجرة النخيل، لأن الآبار جفت أو تراجع منسوبها من المياه، ولم تعد كافية للحفاظ على هذه الثروة المهمة، بالإضافة إلى تكلفة التسميد والتحويض ومكافحة الأمراض والحفاظ على صحة النخل الأم"، مضيفا أنه حينما تتجاوز كل هذه الصعاب، تصطدم بلوبي السماسرة، الذين يتحكمون في السوق الوطنية. "النخلة والفلاح، قصة حب تتجاوز المال"، يقول الحسين (فلاح من زاكورة)، فنحن حراس النخلة وعشاقها في الآن ذاته، نتنفس النخيل، نحزن لمرضها نتألم حين عطشها، نحن نسقيها بدمنا، لتنتج تمرات هي جسرنا مع عالم آخر، لا يتجدد به لقاؤنا إلا بعد نهاية جمع المحصول.