حدائق نموذجية تستقبل عشرات من أسر درب مولاي الشريف و»الباطيمات» خالد العطاوي/ تصوير (عبد الحق خليفة) الحي المحمدي ليس تاريخا طويت صفحاته المشرقة، كما يردد المستفيدون من نضال أبنائه، وليس فضاء للأشباح وشخصيات أبدعت زمن مقاومة الاستعمار فنونا وفكرا فقط، بل إنه "روح" تمشي بين أزقته لتذكر أبناءه أن إرث التاريخ يقترن بإرادة التغيير وبناء المستقبل. "الشابو" صورة أخرى لا تنمحي من ذاكرة سكان المنطقة، إذ ترتبط بلحظة تأسيس الحي، وشقاء الأجداد بمعمل الإسمنت، بحثا عن لقمة العيش، كما هو الشأن بالنسبة إلى فضاءات أخرى، مثل مسجد العربية السعودية، الذي يذكرهم بروح الوطن والتلاحم خلف الملك الراحل الحسن الثاني... ف"الشابو" والمسجد من مآثر الحي المحمدي التي تخفي قصصا نادرة وعلاقات إنسانية فريدة، ولأنهما "صنعا تاريخ المنطقة"، يستحقان اهتمام المسؤولين لإنصاف السكان، كما فعلت مقاطعة الحي المحمدي، في الآونة الأخيرة، بإطلاق مشاريع بيئية وترفيهية قرب المعلمتين...من قال إن الحي المحمدي جفت شرايينه من الإبداع؟ "شانطي الشابو" يتجمل تجمع كل الشهادات الشفوية أن اسم "كاريان سنطرال"، الذي اشتهر به الحي المحمدي في بدايات تأسيسه، تحوير للكلمتين الفرنسيتين "Carrière centrale"، ثم أصبح الاسم بعد الاستقلال "الحي المحمدي". سبب تسمية "كاريان سنطرال" ارتبط ببدايات تأسيس الحي في 1922، حيث كان السكان يعملون في مقلع للأحجار، وهو المقلع الذي بنيت منه المصانع التي أصبحوا يعملون فيها، بعدما حلت بالمنطقة مختلف القبائل المغربية، ثم استقروا في ما بعد بالمكان المسمى "درب مولاي الشريف"، الذي كان يسمى من قبل "ديور الحاج مبارك". وشيد الفرنسيون طريقا تربط بين مقلع الأحجار ومعمل "الشابو"، اعتبرت آنذاك، فريدة من نوعها، إذ مازال السكان يتذكرون الشاحنات الضخمة المحملة بالصخور وهي تزلزل الطريق، أو يحصون الخسائر، بسبب تعدد حوادث الشاحنات "العملاقة"، بل يحكي بعض سكان المنطقة أن منظر الشاحنات الكبيرة أصبح لصيقا بذاكرة السكان، إذ كان الصغار يجلسون قرب "الشانطي"، ويراقبون من بعيد "كاميو لحجر"، وهو يعبر الشارع المحاذي لدرب مولاي الشريف (يحمل الآن اسم علي يعتة)، محملا بالحجارة، ويقتفون أثر الشاحنات إلى حين وصولها بأمان إلى "الشابو"، كما يتذكرون نصائح الآباء، التي تتحول إلى ضرب مبرح، لمنعهم من الاقتراب من الشاحنات و"الشانطي"، ضمانا لسلامتهم. اختفى "الشانطي" الآن، وعاين سكان المنطقة كيف احتل "طرامواي" جزءا منه، في حين شيد في ما تبقى منه ملعبان لكرة السلة، قبل أن تبدع المقاطعة الجماعية طريقة جديدة، هدفها "ضخ دماء التاريخ" في شرايين السكان، بإعادة الطريق إلى الذاكرة. وقال عبد الصمد السعداوي، رئيس مصلحة الفضاءات الخضراء والبيئة بمقاطعة الحي المحمدي، إن الجماعة قررت استغلال "الشانطي" لتهيئة فضاء للترفيه، يتضمن حديقة عمومية وفضاء رياضي خاص بجميع الفئات. وشكل الفضاء "ثورة" في المنطقة، فهو استمرار للمشاريع المحدثة، أخيرا، وتهم إحداث حدائق عمومية، آخرها إحداث منتزه مكان "مصنع الشابو" يمتد على سبعة هكتارات، مما يمنح لأسر درب مولاي الشريف، الذي يعرف كثافة سكانية مرتفعة، متنفسا طبيعيا، خاصة بالنسبة للأمهات وأبنائهن. وراعت الجماعة، حسب المسؤول نفسه، التفاصيل الدقيقة في إحداث فضاء الترفيه، إذ تم تعيين حارس، كما تمت إنارته بأعمدة كهربائية أضفت على المكان رونقا، ناهيك عن تخصيص ممر لذوي الاحتياجات الخاصة، والنتيجة عشرات الأسر تفد كل يوم من شققها بدرب مولاي الشريف للاستمتاع بالحديقة وضمان حصص رياضية لأبنائها مجانا. فضاءات بيئية بمسجد الحي لم تقتصر المشاريع الترفيهية والبيئية على "الشانطي" فقط، بل همت إنجاز فضاء مماثل أمام مسجد العربية السعودية، لإعادة الاعتبار للمسجد الذي له تاريخ طويل، خاصة أنه يعتبر أول وأكبر المساجد بعمالة مقاطعة عين السبع الحي المحمدي. ويقع المسجد في مكان إستراتيجي مهم وسط الحي المحمدي قرب معالم تاريخية، مثل "القيسارية" ومكتب البريد، و"الباطيمات"، التي ظل سكانها يعانون من غياب المساحات الخضراء بالمنطقة. ويعود تأسيس المسجد إلى 1960من قبل الملك الراحل الحسن الثاني، ويتمتع بهندسة معمارية مميزة، من حيث شكل الصومعة والأبواب والجدران والأعمدة والأقواس وفناء المسجد الذي تتوسطه نافورة ضخمة، علما أن الملك الراحل الحسن الثاني أصر على أن يحمل المسجد اسم مسجد المملكة العربية السعودية، تمتينا لروابط الأخوة الإسلامية، وتخليدا لذكرى مؤتمر القمة الإسلامي. ولا تتوقف الأشغال في الجهة المقابلة للمسجد، إذ عاينت "الصباح" العمال منهمكين في إنجاز فضاءات للترفيه سيتم تشييدها بطريقة قال عنها رئيس مصلحة الفضاءات الخضراء والبيئة بالجماعة، بأنها فريدة من نوعها في البيضاء، إذ راعت خصوصية المنطقة، لإنجاز أشكال هندسية توفر للسكان الاستمتاع بالأشجار وقضاء لحظات ممتعة في الوقت نفسه.