ثغرات في النصوص والمساطر تسقط الحماية في مواجهة المتلاعبين بالميزانيات لم تنفع المتابعات الجارية والمحاكمات المفتوحة منذ سنوات، في حصار بؤر الاختلال والاختلاس، ولا في ترجيح إمكانية استرجاع المال العام المنهوب، بل حتى الأحزاب التي ينتظر منها أن يصنع منتخبوها قوانين رادعة، تتردد في إرجاع أموال الدولة غير المصروفة من الدعم المقدم لها، إذ لم تتعد الإجراءات القضائية عتبة العقل المؤقت إلى المصادرة. ونبه نسيج جمعيات حماية المال العام، إلى أن استمرار الإفلات من العقاب في الجرائم المالية، وغياب آليات لضمان استرجاع الأموال المنهوبة، من شأنه تشجيع المفسدين والناهبين على الاستمرار في ارتكاب الجرائم الاقتصادية والمالية، مطالبا بمراجعة المنظومة التشريعية ذات الصلة بتخليق الحياة العامة ومكافحة الفساد ونهب المال العام، وملاءمتها مع الاتفاقيات الدولية، واعتبار الجرائم المالية جسيمة ومشينة لا تقبل التقادم، وإعادة النظر في قانون التصريح بالممتلكات بشكل يضمن نجاعته، مع توسيع المشمولين به وتضمينه إجراءات وتدابير إبراء الذمة. وتشدد الأصوات الغاضبة على مآل المتابعات والمحاكمات، على الدور الأساسي للسلطة القضائية في التصدي للفساد ونهب المال العام والإفلات من العقاب في الجرائم المالية، مطالبة إياها بتصفية الملفات المعروضة على محاكم جرائم الأموال وتسريع الأبحاث والمتابعات القضائية في الملفات المعروضة على هذه المحاكم، مسجلة استمرار ظاهرة تهريب الأموال إلى الخارج وغسلها، ما يؤكد ضعف المنظومة القانونية. ولم تجد الجمعيات المذكورة بدا من المطالبة بفتح مساطر الاشتباه في غسل الأموال ضد المتورطين في قضايا الفساد والرشوة واستغلال النفوذ ومصادرة ممتلكاتهم وأموالهم لفائدة الدولة، مسجلة ضرورة وضع إستراتيجية وطنية متعددة الأبعاد، ووفق مقاربة تشاركية لمكافحة الفساد والإفلات من العقاب واسترجاع الأموال المنهوبة. ويسود القلق داخل أوساط حماية المال العام، من تأخر الأبحاث التمهيدية وطول المساطر وأمد المحاكمات القضائية في قضايا الفساد ونهب أموال الدولة وضعف ممارسة الأدوار الدستورية والقانونية في مكافحة الفساد المالي والاقتصادي، وربط المسؤولية بالمحاسبة وسيادة التعامل بمعايير مزدوجة في إعمال القانون، كما هو الحال بمناسبة مواجهة عبث الجماعات الترابية بالمال والعقار، خاصة في ما يتعلق بممارسة مساطر العزل في حق رؤساء هذه الجماعات وأعضائها المتورطين في مخالفات جسيمة للقوانين موثقة بتقارير رسمية، وضمنها تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية نفسها. وتجمع التقارير الوطنية والدولية على أن الفساد في المغرب ليس سببه غياب القوانين، بالنظر إلى أن القانون الجنائي في فصله 250 يعاقب على الرشوة، كما أن الفصلين 241 و242 يعاقبان على الاختلاس بالسجن من 5 سنوات إلى 20 سنة، في حق كل موظف عمــومي اختلس أو أخفى أموالا عامة أو خاصة أو حججا أو عقودا، وأن المشكل يكمن في استشراء الفساد الذي تراكم على مدى عدة عقود من الزمن، واكتسب خبرة ودهاء وقاعدة عريضة، رغم وجود القوانين، إذ أصبح للفساد من يدافع عنه داخل البرلمان وفي مختلف المؤسسات العمومية. عبد الإله المتقي