الريـع والفسـاد أيضـا

لبكر يحدد الأسباب ويقول إنها لا تنحصر في التغيرات المناخية والطبيعية والأزمات الدولية اعتبر رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، أن ارتفاع معدل البطالة يعد من مؤشرات انحسار الوضع الاقتصادي في بلد معين، الى جانب تدني سعر الصرف وارتفاع معدل التضخم وغيرهما، وبالمغرب فإن معدل البطالة عرف بالفعل ارتفاعا خلال 2023 مقارنة مع السنة التي ما قبلها، إذ أكدت مندوبية الإحصاء في أحد بياناتها خلال الربع الأخير من 2023، أن المغرب عرف ارتفاعا في معدل البطالة وصل إلى 13.5 في المائة، مقارنة مع 11.4 في المائة في الفترة نفسها من 2022، وأظهرت البيانات ذاتها، ارتفاع عدد العاطلين في السوق المحلية بمقدار 248 ألفا، ليبلغ عددهم على المستوى الوطني مليوناً و625 ألفا. أفاد الدكتور رشيد لبكر، أن أسباب هذه الإشكالية متعددة، ويمكن فهمها من عدة زوايا: أولاها، ضعف أو تراجع الأداء الاقتصادي بسبب توالي فترات الجفاف، وكذا أزمة كورونا، التي كانت لها تداعيات وخيمة على العديد من القطاعات الحيوية في النسيج الاقتصادي الوطني، ومازالت تقاوم من أجل النهوض من جديد، أضف إلى ذلك معاناة المغرب على غرار أغلب دول العالم، من مشكل ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية الرئيسية، بفعل آثار الحرب الروسية الأوكرانية. ومن أجل مواجهة هذه التغيرات والإبقاء على سلامة التوازنات الاجتماعية، كان على الدولة البحث عن اعتمادات أخرى لم تكن متوقعة أرهقت الميزانية العامة، هذا فضلا عن ارتفاع تكلفة تثبيت ركائز الدولة الاجتماعية ومواجهة آثار الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الحوز، وغيره، لذا يبدو أن تراجع المؤشرات الاقتصادية كانت له مبررات موضوعية. القدرة على الصمود استدرك لبكر أن المغرب أبان عن قدرته في الصمود أمام هذه التحديات المتعددة، معتمدا على إمكاناته الذاتية المحدودة، والتي لا تضاهي إمكانات دول نفطية استفادت من ارتفاع السعر العالمي لثمن المحروقات، ومع ذلك، رأينا اصطفاف شعوبها في طوابير المحلات الغذائية، التي بدت عاجزة عن توفير ما يكفي من المؤن، ثم إنه، وفي ظل هذه الأزمة، نجح المغرب أيضا، في إطلاق مشروع الدعم المباشر للأسر المحتاجة وفي ضمان التغطية الصحية الشاملة لجميع المواطنين. وقال لبكر إن كل هذه النفقات المالية غير المتوقعة، أثرت على مستوى المؤشرات الاقتصادية وحكمت عليها بالتراجع، ما فاقم البطالة، الشيء الذي يدفع الدولة إلى التعامل مع الإشكال بشكل جدي، والتفكير في إيجاد طرق أخرى للمواجهة، حتى لا يؤدي على المدى المتوسط أو البعيد إلى مشاكل أخرى متعلقة، بعدم قدرة المواطنين على الاستهلاك، وبالتالي إحداث خلل في معادلة العرض والطلب، باعتباره المدخل الاساسي للتضخم، وهو الشر المهدد لأي نظام اقتصادي. القطاع الخاص أشار الدكتور رشيد لبكر إلى أنه لم يعد هناك من بدائل، غير المراهنة على القطاع الخاص وتشجيع المبادرة الذاتية، وتفعيل الورش الترابي الجهوي، فالمراهنة على المدخول الجبائي وحده لم يعد هو الحل، بل يجب التفكير في كيفية جعل الضريبة حلا لتحريك الاقتصاد وإنعاش القطاع الخاص وليس العكس، ثم إن الدولة مطالبة بإحداث ثورة حقيقية في مناهج التكوين، وأن تطرح السؤال حول أي تعليم نريد في عصر الثورة المعلوماتية والرقمية؟ وما هي المناهج التي يجب سلكها واعتمادها؟ وأي شهادات يجب إقرارها؟ سيما أن الطريقة المعتمدة لحد الساعة في الترقي عبر مسالك التعليم لم تعد مجدية، ولن تؤدي إلا إلى مزيد من الخريجين غير القادرين على الاندماج في سوق الشغل بشقيه العام والخاص، فنحن الآن ننتج شهادات غير ملائمة و بدون أفق "مهني" أو "وظيفي" ، إذ ما معنى، أن نطالب برقمنة الإدارة مثلا وبنزع الطابع المادي عن الخدمات الإدارية، إذا كانت الأغلبية من خريجي الجامعات، سيما منهم خريجو الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، وهم المرشحون نظريا للعمل في الإدارة، من ذوي المعلومات المحدودة والبدائية، إن لم تكن منعدمة عن عالم الرقمنة واللغات وغيره، وبالتالي ألا يمكن أن نعتبر، والحالة هذه، أن البطالة في بلادنا تحصيل لحاصل، وليست قدرا منزلا من السماء، وتدعونا بالضرورة إلى إعادة النظر في الطريقة المتبعة الآن في مناهج التعليم، وإعطاء أهمية قصوى وأكبر، لمراكز التكوين، إذ ليس كل التلاميذ مؤهلين نظريا لمتابعة الدراسة في الأسلاك العليا، والنجاح في الحياة المهنية غير متوقف حصرا على الشهادة الجامعية. مسألة جوهرية أضاف لبكر أنه باعتبار قضية التكوين مسألة جوهرية في النظر الى مشكل البطالة، فلا يجب النظر إليها على أنها العامل الوحيد، فهناك أيضا مشكل الفساد المستشري في عدد من القطاعات، والذي يتخذ عناوين عريضة، من قبيل الريع بكل أشكاله والمحسوبية والزبونية، والتملص الضريبي وتبييض الأموال والمنافسة غير الشريفة والرشوة وعدم الصرامة في طرق المراقبة والتقويم والزجر وإيقاع العقوبات، فهذه كلها آفات خطيرة تساهم بدورها في التأثير سلبا على القوة الإنتاجية، وعلى الأداء الاقتصادي بشكل عام، وتضعف قدرة المقاولات على الصمود، وفي الأخير إما تنهار أو تسرح عمالها، أو تقلص من فرص الشغل لديها للتخفيض من النفقات. وأورد المتحدث نفسه بأنه لابد أيضا من النظر إلى البعد الجهوي والترابي، كمدخل جديد للإقلاع الاقتصادي ورهان للاندماج الاجتماعي وتوفير فرص للشغل، لكن مع الأسف، ما زالت الجهات والجماعات الترابية ببلادنا، منشغلة بالتدبير النمطي، رغم أن القوانين التنظيمية فتحت لها آفاقا أخرى للاستثمار المحلي والدخول في شراكات من المؤكد أن بمقدورها الإسهام في تنشيط الحياة الاقتصادية وبالتبعية تهييء فرص للشغل، وحتى إذا كانت بعض الجهات إمكاناتها محدودة، فالدولة مطالبة بدعمها سواء عن طريق امتيازات جبائية خاصة لتحفيز الاستثمار على مستوى مجالها الترابي، أو بتوجيه جزء من الاستثمار العمومي نحوها لتحقيق الرواج وتنشيط الحركة. تداعيات على العالم القروي ختم أستاذ القانون العام القول بالتطرق إلى مشكل العالم القروي، الذي مازال هو الآخر يعاني الفقر وكل أشكال الريع والفساد، ويساهم بشكل كبير في تفاقم مشاكل الهجرة و البطالة، معتقدا أن كل الخطر سيأتي من هذا العالم، اذا لم يحظ بالعناية اللازمة، خصوصا في ظل توالي سنوات الجفاف وانحسار الماء وغلاء التكلفة الزراعية والحيوانية بشكل لا يطاق، سواء تعلق الأمر بأسعار الأعلاف أو الأسمدة أوتجهيزات الري أوحفر الآبار وغيرها من إكراهات تدفع بالسكان، ولاسيما الشباب، إلى التفكير في الهجرة والنزوح نحو المدينة للبحث عن آفاق أخرى للعيش، وهذا ما يزيد من إنهاك الأوساط الحضرية على كل المستويات. المصطفى صفر

الريـع والفسـاد أيضـا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الملك يعزز الأمن الطاقي

‭"‬أخيام‭ ‬للشباب‭"... ‬وجه‭ ‬مشرق‭ ‬للسياسة‭ ‬

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات