توصيات حبيسة رفوف البرلمان

أعدتها لجان استطلاع وتقصي الحقائق ومؤسسات ومجالس حكامة وعدم تنزيلها يؤجل الإصلاحات نصت فصول الدستور من 159 إلى 170 والنظام الداخلي للبرلمان على مناقشة عروض تقارير لجان مهام الاستطلاع البرلمانية، واللجان الموضوعاتية، وتقصي الحقائق، ومجالس الحكامة الجيدة، ومؤسسات وهيآت حماية الحقوق والحريات، والتنمية البشرية والمستدامة، والديمقراطية التشاركية المنصوص عليها في الدستور من الفصل، غير أن العديد من التقارير تبقى حبيسة الرفوف. فتضيع الملايير في إنجاز الدراسات والوقت والجهد في إحداث اللجان والبحث عن الحلول دون تنفيذ. وهذه نماذج من آليات المراقبة التي تعطلت، ولو طبقت في وقتها لتحققت نتائج مرجوة في مجال الإصلاح في الوقت المحدد له ولما انشغلت الحكومات المتعاقبة بالمواضيع نفسها. إعداد: أحمد الأرقام هاجم إدريس جطو، الرئيس الأول السابق للمجلس الأعلى للحسابات، في تقرير عرض للمناقشة في البرلمان، حكومة عباس الفاسي، لأنها تخوفت من تنزيل إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد مباشرة بعد انتهاء اللجنة التقنية من أشغالها، أواخر 2007، التي سلمته إلى اللجنة الوطنية، لذلك ضيع المغرب 16 سنة لعدم تنزيل الإصلاح، علما أنه على عهد حكومة عبد الإله بنكيران، تم تطبيق إصلاح جزئي مقياسي فقط لم يحل المشكل القائم. ولحد الآن لم تتم مساعدة الحكومة على إنجاز الإصلاح المنشود رغم كثرة التوصيات التي انطلقت حقيقة على عهد حكومة عبد الرحمن اليوسفي في 1998 الذي فتح ملف أزمة صناديق التقاعد، وقدم حلولا طبق جزء منها، لذلك لم ينفذ هذا الإصلاح، فضاعت 25 سنة هباء منثورا. عراقيل إصلاح المقاصة تأخرت الحكومات المتعاقبة في إصلاح صندوق المقاصة، وقطاع المحروقات، إذ صدرت أول دراسة لمجلس المنافسة التي تمت مناقشتها بمجلس النواب في عهد رئيسها الأول عبد العالي بنعمور في 2011، ونوقشت مرارا على عهد حكومة عبد الإله بنكيران، ولم يتم تنفيذ التوصيات إلى حد الآن، علما أن الحكومات المتعاقبة منذ 1981 ترددت في اتخاذ قرار الإصلاح. وتم صرف الملايير من صندوق المقاصة، تتراوح في بعض السنوات بين 40 مليار درهم و56 مليارا، وفي أحسن الظروف 20 مليار درهم، ومع ذلك استفاد الأغنياء من الدعم بنسبة تعادل 90 في المائة، فيما الفقراء الذين خصص لهم هذا الدعم لم يستفيدوا إلا بنسبة 10 في المائة، ومع ذلك وقع التردد من قبل الحكومات المتعاقبة في عملية الإصلاح. وسبق للحكومات السابقة أن أشارت إلى غياب الفعالية في صندوق المقاصة، وعدم إصلاح قطاع المحروقات، وبيع شركة "سامير" الإستراتيجية للأجانب، وأصدرت توصيات لكنها ظلت في رفوف البرلمان بدون متابعة، ما أدى إلى خسارة ملايير الدراهم في صندوق لا ينفع سوى الأغنياء على قلة عددهم الذين ضغطوا لعرقلة أي إصلاح بالتهديد بتوقيف تزويد الأسواق بالمنتجات، فسقط الوزراء في الفخ وبرر البرلمانيون سلوكهم. لوبي صناعة الدواء يناهض الإصلاح ناقش مجلس النواب منذ سنوات تقرير لجنة استطلاع برلمانية حول السياسة الدوائية في 2009 وفي 2015، وانتقدت مديرية الأدوية والصيدلة التي كانت تتعامل مع المختبرات الوهمية من خلال منحها صفة مؤسسة صناعية صيدلانية، لها الحق في تسجيل والحصول على أذونات لتسويق الدواء، وهذا يعني أن عمليات تفتيش هذه الشركات الوهمية لم تتم ومع ذلك تم الترويج لصناعة دوائية أغرقت السوق الوطنية بأدوية مستوردة وتوقيع اتفاقيات دولية لا تخدم مصالح المغرب الذي فرض عليه استيراد عينات محددة من الأدوية، ما حد من تنويع الأسواق لشراء الدواء الجنيس، خاصة المرتبط بمرض السرطان الذي يكلف علبة دواء واحدة منه 10 آلاف درهم، فيما تبيع الهند، الدواء الجنيس، ب3 آلاف، فما جدوى مناقشة تقارير لا تفعل على أرض الواقع؟. وتم وضع توصيات كثيرة لمواجهة هذا التلاعب والتوجه نحو تشجيع التصنيع الذي تراجع من 80 في المائة إلى 30، ومرت سنوات ولم يتم تفعيل الرقابة البرلمانية في مراقبة تنزيل التوصيات إلى أن حل وباء كورونا، فظهرت الحاجة إلى ضمان اكتفاء ذاتي في الأدوية، فتم إحياء مشروع التصنيع بقيادة وتعليمات جلالة الملك محمد السادس. المستفيدون من عرقلة إصلاح " راميد" و" تيسير" اعتبر قضاة المجلس الأعلى للحسابات في تقرير عرض على مجلس النواب، أن نظام المساعدة الطبية " راميد" يفتقد إلى حكامة وقيادة التتبع وتداخل اختصاصات وزارة الصحة، والوكالة الوطنية للتأمين الصحي ووزارة الداخلية، واستفادة معهد باستور بدون وجه قانوني من أموال الصندوق، واستفادة أغنياء من العلاج المجاني من الذين تسللوا إلى هذا النظام، لغياب منظومة معلوماتية دقيقة تضبط الحالات التي ستستفيد أو استفادت ووضعها الاجتماعي. وسجلت تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وبرلمانية إقصاء أسر فقيرة من برنامج " تيسير" خاصة بالبوادي والجبال، وبرنامج " مليون محفظة" وضعف تغطية حاجيات الأشخاص في وضعية إعاقة، وضعف عمل مؤسسة التعاون الوطني . وتم التوافق على مراجعة البرامج الاجتماعية الصحية وتلك المتعلقة بالتعليم، لأن المستفيد الأكبر هم الأغنياء الذين تسللوا لنظام " راميد" ومستوردو المحفظات الذين استفادوا من برنامج " 4 ملايين محفظة"، ثم آخرون عطلوا الإصلاح، وتفرج النواب عليهم. وأخيرا، تم الانتباه إلى التوصيات من خلال وضع نظام " أمو تضامن" والسجل الاجتماعي الموحد، ومع ذلك فقطار الإصلاح لم ينجز بأكمله لنقص في الموارد البشرية، خاصة في قطاع الصحة الذي يحتاج 97 ألف طبيب وممرض. مكتب السلامة الصحية عديم الفعالية تناول الوزراء، فضائح بقايا مبيدات الحشرات، والفئران، في زراعة الخضر والفواكه والنباتات، التي لم تتم مراقبتها من قبل المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وكشفها تقرير مجلس الأعلى للحسابات، الذي نوقش في لجنة المراقبة المالي، وتم التوافق على تنزيل توصيات دون جدوى. وتم التحذير من الخطر الذي تشكله بقايا المبيدات الكيماوية، المستعملة في الزراعة على صحة المغاربة، لأن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، لا يتوفرعلى معلومات تخص عدد باعة هذه المواد، أو الكميات التي يتم توزيعها على الفلاحين، دون الأخذ بعين الاعتبار خطورة ما يستعمل من مبيدات خاصة. وافتقر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، لآليات الاشتغال، والموارد البشرية، خاصة البيطريين، وقلة عدد المفتشين، إذ يوجد مفتش واحد لكل 500 ألف نسمة بالمغرب، وفي فرنسا لكل 17 ألفا، وكندا لكل 5 آلاف نسمة. ولم تتم الاستجابة لمطلب تحويل المكتب الوطني للسلامة الغذائية إلى وكالة وطنية تحت وصاية رئاسة الحكومة، بفروع جهوية لتغطية كل التراب الوطني، عبر تشديد المراقبة واحترام المعايير الدولية في استعمال الأدوية. تأخر إصلاح المجازر وأسواق الجملة انتقدت تقارير لجان استطلاع برلمانية، والمجلس الأعلى للحسابات، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، التأخر الكبير في تشييد مجازر عصرية خاصة باللحوم، و"رياشات" الدواجن، وأسواق الجملة ، إذ أن 702 مذبحة قروية منها 223 غير مراقبة التي شكلت نقط سوداء استغلها مربو وجزارو الجملة لذبح الحيوانات المريضة، ما أثرعلى فعالية اليقظة الوبائية التي لا تحصي الأمراض المعدية المتنقلة. وحذر المجلس الاقتصادي الاجتماعي والبيئي، على غرار المجلس الأعلى للحسابات، السلطات المختصة من ترك آلاف المحلات تشتغل بدون تراخيص صحية، لضعف المراقبة ، إذ تشكل 1 في المائة بالنسبة إلى مجازر اللحوم، و8 في المائة ل" رياشات" الدواجن، و22 في المائة لقطاع الزراعات الغذائية. وناقش البرلمانيون والوزراء مشكلة مجازر اللحوم غير الصحية التي يصل عددها إلى 882 مجزرة، 5 تابعة للقطاع الخاص، و184 تابعة للبلدية، منها 693 قروية، فيما يصل عدد المعتمدين صحيا، إلى 8 فقط. وبالنسبة إلى الدواجن، تم الترخيص ل27 منها مقابل أكثر من 15 ألف محل غير مرخص له. واستاء النواب من الطريقة العشوائية والفوضى التي تدبر بها أسواق الجملة بالمغرب، وأنجزوا مهمة استطلاعية للوقوف على شبكات توزيع وتسويق المنتجات الفلاحية. وقدم النواب المشاركون في المهمة الاستطلاعية، 64 توصية لوزير الفلاحة، بعدما زاروا ميدانيا عددا من أسواق الجملة خاصة في جهات البيضاء سطات، وسوس أكادير، وطنجة تطوان، والسوق الأسبوعي الخميس السهول بسلا، وعقدو لقاءات مع وزراء وهيآت بيمهنية. ودعا النواب إلى اعتماد قانون جديد ينظم إحداث وتدبير أسواق الجملة بالمغرب وإصدار نصوص تنظيمية توضح أنظمتها الداخلية، وشروط تدخل الفاعلين في عملية التسويق وكيفيات أداء الرسوم للولوج إليها، وضمان الجودة ومحاربة المضاربين. ويعد هذا ثالث تقرير في شأن إصلاح أسواق الجملة الذي تمت مناقشته في البرلمان، ولم يلمس أي تغيير، ما يعني عدم الاستفادة مما سبق في تنزيل التوصيات، إذ يكتفي البرلمانيون بوضع أسئلة شفوية وكتابية، فيرد الوزراء بأنهم ماضون في الإصلاح. التعليم... الكارثة ناقش البرلمانيون لمرات عدة تقارير مشاكل التعليم، وفوضى الصفقات وضعف التكوين، وطوروا القوانين، ومع ذلك لم يحدث تغيير منشود في هذا المجال، وأصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين، تقارير، وعاد الوزير في عهد هذه الحكومة إلى نشر دراسة أخرى، ووضع تصورا للإصلاح، ولحد الآن لم تنفذ التوصيات وضاع التلاميذ، خاصة بالمدرسة العمومية. تكرار عمل المهام الاستطلاعية سجل تكرار إنجاز مهام استطلاعية حول المواضيع نفسها، أو وجود تقارب بينها، ما أفرغ عملها من الأهداف المسطرة لها كما حدث مع لجنة استطلاع مقالع الرمال والأحجار الكريمة التي لم تقدم نتائجها في الولاية التشريعية السابقة ليعاد تشكيل لجنة أخرى، والأمر نفسه ينطبق على المعابر الحدودية، وتنقل البشر والبضائع، ومهمة استطلاعية حول السجون، وعدم تنسيق العمل مع مجلس المستشارين، كما حدث حول ملف تدبير النفايات واستيرادها. كما حرك قضاة المجالس الجهوية، متابعات قضائية في حق رؤساء المجالس الترابية، وناقشها البرلمانيون وحصل توافق على توصيات ومع ذلك لم يتم تفعيلها في القوانين المنظمة للمجالس الترابية، واستمر الوضع على ما هو عليه في إنتاج سلوك تأخير البرامج التنموية، والمجال لا يتسع لذكر مئات التوصيات التي ظلت حبرا على ورق وضيعت عقود من الإصلاح. تجميد آلاف التوصيات لغياب ضغط البرلمان يخصص البرلمان جلسة سنوية لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها، طبقا للفصل 70 من الدستور. حسب المادة 288 من النظام الداخلي يهدف التقييم، الذي يقوم به مجلس النواب، إلى إنجاز أبحاث وتحاليل دقيقة بهدف التعرف على نتائج السياسات والبرامج العمومية، وقياس آثارها على الفئات المعنية وعلى المجتمع، كما يهدف إلى معرفة مستوى الإنجاز الذي تم تحقيق، قياسا بالأهداف المرسومة وتحديد العوامل التي مكنت من بلوغ تلك الأهداف قصد إصدار توصيات وتقديم اقتراحات بشأن التحسينات التي يمكن إدخالها على السياسة العمومية موضوع التقييم.. ورغم إصدار آلاف التوصيات ذات الأهمية القصوى لإصلاح القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية الخاضعة لوصايتها، وتغيير القوانين المؤطرة، فإن عدم متابعة البرلمانيين تنزيل تعهدات الوزراء والتوصيات الصادرة عن المؤسسات الدستورية، يعرقل عمليا إنجاز الإصلاحات في وقتها، ما يؤدي إلى مراكمة الأخطاء والمشاكل وتبديد الأموال، وإنفاق ميزانيات لإنجاز دراسات جديدة تمنح لمكاتب دراسات بعضها أجنبي، مختص في "سرقة" ما سبق نشره ليعيد صياغته بلغته الخاصة كأنه "فتح جديد"، ما يثقل كاهل الحكومات في تبديد الوقت لإعادة مناقشة وصفات الإصلاح.

توصيات حبيسة رفوف البرلمان

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تحايل على رئيس محكمة ومختبر الشرطة

بورصة البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات