سوق المحروقات… ماذا بعد قرار المنافسة؟

فاعلون في القطاع كشفوا حقيقة الأسعار والقوانين تكرس الاحتكار قررت شركات توزيع المحروقات، المعنية بتحقيق مجلس المنافسة، عدم مناقشة التهم الموجهة إليها بشأن خرق قواعد المنافسة ووجود تواطؤات حول الأسعار في ما بينها، وطالبت إثر ذلك بالاستفادة من تسوية للملف في إطار مسطرة الصلح، مقابل أداء مبلغ 184 مليار سنتيم. وتعهدت شركات المحروقات بتغيير أسعارها وفقا لتطور العرض والطلب في السوق، حسب دورة التموين وإكراهات التخزين والسياسة التجارية الخاصة بكل شركة. كما التزمت بالحرص على أن يكون نظام تغيير الأسعار الخاص بها موضوعا بشكل يمكن محطات الخدمة المستقلة الناشطة في شبكتها من التغيير المباشر والآني وفي كل لحظة، لأسعار البيع للعموم على مستواها، ودون موافقة مسبقة. فهل تحسنت وضعية السوق بعد إتمام المسطرة التصالحية؟ وهل التزمت الشركات بتعهداتها؟ وماهي الإجراءات المطلوبة لضمان منافسة حقيقية داخل السوق؟ التقت «الصباح» بفاعلين في القطاع للإجابة على هذه التساؤلات. إنجاز: عبد الواحد كنفاوي لا تغيير في تحديد الأسعار أسدل مجلس المنافسة الستار على ملف شركات المحروقات المتهمة بالتلاعب بالأسعار وتعطيل آليات المنافسة، بتوصل الطرفين إلى صلح يقضي بأداء الشركات مبلغا ماليا وتعهدت بمجموعة من الالتزامات، من أبرزها ضمان شروط المنافسة داخل السوق وعدم التأثير على الأسعار، فما الذي تغير؟ عاينت "الصباح" الأسعار المعلنة في أغلب محطات بيع الوقود بالتقسيط وتبين أنها متقاربة ولا تختلف إلا بسنتيمات معدودة بين مختلف المحطات، إذ تتراوح بين 13.80 درهما و13.95 للتر الغازوال، رغم أن بعضها ينتمي إلى شركات التوزيع أو إلى مجموعات دولية عملاقة في المجال ما يسمح لها باقتناء المحروقات بأسعار تقل عن غيرها ويفترض فيها أن تعرض منتوجاتها في السوق بفارق كبير عن منافسيها، لكنها تفضل أن تظل أسعارها قريبة من منافسيها لتحقيق أرباح مهمة. وأكد مسؤولو محطات بيع الوقود بالتقسيط أنه لم يطرأ أي تغيير حتى الآن، إذ ما يزالون يتلقون أوامر من شركات التوزيع التابعين لها أو التي يرتبطون بها بعقود حصرية للتزود بالوقود. وأوضح المهنيون، الذين التقتهم "الصباح"، أن هناك ثلاثة أصناف من المحطات، أولها تعود ملكيته إلى شركات التوزيع والثاني تملكه الشركات ذاتها لكنها تكريه لأشخاص آخرين، وثالث في ملكية أشخاص معنويين وذاتيين. وللحصول على رخصة فتح محطة وقود، تلزم التشريعات المعمول بها، حاليا، الراغب في الاستثمار في المجال، التعاقد، أولا، مع إحدى شركات التوزيع بعقد حصري للتزود بالمحروقات، ولا يسمح له بالتعامل مع شركات توزيع أخرى. وإذا كانت العلاقة التعاقدية مستساغة بين شركات التوزيع والمحطات التي في ملكيتها، أو تلك التي تمتلكها وتكريها لأغيار وفق عقد تسيير، بالنظر إلى أنه لا يمكن سماح هذه الشركات لمحطات تابعة لها التزود من منافسيها، فإن إلزام محطات مستقلة مملوكة من أشخاص ذاتيين أو معنويين، بالتزود من شركة توزيع واحدة يتنافى مع مبدأ المنافسة ويحد من حرية أصحابها في الحصول على محروقات بالسعر الأدنى في السوق، ويفسر ذلك إلى حد كبير تقارب الأسعار في مختلف المحطات، إذ لا توجد منافسة حقيقية. استمرار علاقة الإذعان التزمت الشركات التي وقعت عقد الصلح مع مجلس المنافسة بتغيير أسعارها كلما اقتضت الحاجة إلى ذلك، بناء على تطورات الأسعار في السوق الدولية ودورة التموين وإكراهات التخزين، كما تعهدت أن يمكن نظام تغيير الأسعار الخاص بها محطات الخدمة المستقلة التابعة لشبكاتها من التغيير المباشر والآني في كل لحظة لأسعار بيعها بالتقسيط. سألت "الصباح" أصحاب محطات مستقلة حول طبيعة علاقاتهم بشركات التوزيع، بعد التعهدات التي قطعتها على نفسها مقابل الاستفادة من مسطرة الصلح مع مجلس المنافسة. وأكد عدد منهم أن لا شيء تغير وأن شركات التوزيع ما تزال هي الآمرة الناهية في ما يتعلق بالأسعار المعلنة للعموم. وأوضح مصدر من الجامعة الوطنية لتجار وأرباب ومسيري محطات الوقود بالمغرب أن محطات بيع الوقود بالتقسيط تربطها بشركات التوزيع عقود إذعان تكرس تبعيتها التجارية، إذ يحتاج أصحاب هذه المحطات إلى موافقة مسبقة من هذه الشركات، قبل إجراء أي تغيير على الأسعار. واعتبر المصدر ذاته أن هذا الأمر يتعارض مع مبدأ المنافسة، مضيفا أنه تتعين معالجة هذا الإشكال من الأصل، بتغيير القوانين المؤطرة للعلاقة بين محطات بيع الوقود بالتقسيط وشركات التوزيع، مشيرا إلى أن أسواق الغازوال والبنزين تتسم بنسبة عالية من التركيز، سواء في المراحل الابتدائية، أو النهائية لسلسلة القيمة، رغم دخول فاعلين جدد، إذ لم يسعف حجمهم وإمكانياتهم في ضخ ديناميكية تنافسية جديدة في هذه الأسواق. وظلت بنية الأسواق وسير المنافسة بها شبيهة بتلك الموروثة عن الحقبـة التي كانت تحدد فيهـا الأسعار مـن قبل السلطات العموميـة. ويطالب المهنيون السلطات العمومية بضرورة إعادة النظر في القوانين التي تؤطر العلاقة بين محطات الوقود وشركات التوزيع، بما يضمن استقلالية أكبر في التزود بالمحروقات، ما سيساهم في إذكاء المنافسة بين الفاعلين في القطاع. تماطل مشبوه في التشريع يثير التماطل في إصدار النصوص التنظيمية المتعلقة بتطبيق قانون الهيدروكاربورات، تساؤلات، إذ في غياب هذه النصوص، يظل القانون الجديد الذي صدر، خلال 2015، معطلا، ويستمر العمل بالقوانين السابقة، ما يتيح لحيتان القطاع مواصلة استنزاف جيوب المواطنين في غياب منافسة حقيقية. ورغم مطالبة مجلس المنافسة بالإسراع في إصدار هذه النصوص التنظيمية، فإن الحكومة تماطل ولم تقدم أي سقف زمني للتشريعات التي ينتظرها المهنيون الذين يشتغلون في القطاع والراغبون في الاستثمار فيه، فلا يمكن لأي مستثمر أن يغامر بأمواله في قطاع يفتقر لإطار قانوني ينظمه. وأكدت مصادر من أرباب محطات الوقود لـ الصباح" أن جامعتهم راسلت الوزيرة من أجل التباحث حول تنزيل الإصلاحات المنتظرة، وتم اللقاء بهم، لكن دون تقدم. وأوضحت المصادر ذاتها أن هناك لوبيات تضغط من أجل تمديد فترة الإصلاحات للاستمرار في استغلال الوضع القائم، حاليا، ومراكمة الأرباح، مشيرة إلى أن أرباب محطات الوقود المستقلين متضررون هم أيضا، من تأخر صدور القوانين التنظيمية الجديدة، التي يراهنون عليها لإلغاء عقود الإذعان التي تربطهم مع شركات استيراد وتوزيع المحروقات، كما أن من شأن الإسراع بإخراج القوانين المنتظرة أن يحفز عددا من أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في القطاع. قوانين تكرس الاحتكار تظل أسواق المحروقات خاضعة للنصوص القانونية السابقة لعملية التحرير، رغم صدور قانون جديد خلال 2015، وتضع هذه النصوص عددا من العراقيل أمام ولوج فاعلين جدد، من أبرزها نظام الرخص والشروط التي تفرض على الراغبين في الولوج إلى السوق، والسلطة التقديرية الواسعة للوزارة الوصية في منح الرخص، ما يحد من المنافسة داخل القطاع، ويمكن الفاعلين فيه من الاحتفاظ بهامش ربحهم بعيدا عن أي منافسة، علما أن السوق يتسم بتمركز، إذ أن ثلاث شركات من أصل 29 تهيمن على 54 في المائة من حصص السوق. وأوضح مهنيون أن إلزام الراغبين في الاستثمار في محطات الوقود بالتوقيع على عقود حصرية للتزود من شركة واحدة، يكرس هيمنة شركات قليلة على السوق. ويطالب أرباب المحطات المستقلون عن شركات التوزيع الوزارة الوصية على القطاع بمراجعة المقتضيات المتعلقة بشروط منح الرخصة، وعدم تكريس هيمنة شركات التوزيع على السوق بإقرار العقود الحصرية للتزود، ومنح الراغب في الاستثمار في القطاع، الإمكانية للتعاقد بكل تنافسية مع شركة التوزيع الأفضل، ما يتطلب، وفق المهنيين المتضررين، مراجعة شروط التعاقد الحالية، وإقرار الحرية التعاقدية، التي تكبلها، حاليا، العقود الحصرية الإذعانية التي تتعين مراجعتها، بما يضمن منافسة حقيقية داخل السوق، وسيصب كل ذلك في مصلحة المستهلك. ويتساءل المهنيون عن أسباب التأخر في إصلاح نصوص قانونية تكرس هيمنة شركات التوزيع على السوق وتتنافى مع متطلبات المنافسة الحقيقية بين مختلف المتدخلين.

سوق المحروقات… ماذا بعد قرار المنافسة؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

موظفو المالية يطالبون بتعجيل إخراج مشروع النظام الأساسي

بالصور.. هذه مضامين الاتفاق النهائي بين الحكومة ونقابات التعليم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات