عكاشة… صرامة وانضباط

الرقمنة لتدبير تزاور 5000 شخص يوميا ومجهودات مضاعفة لمواجهة الاكتظاظ اختفت طوابير الزوار بمدخل سجن عكاشة، وبات الفضاء الخارجي لأحد أكبر سجون المملكة، هادئا على غير العادة، إذ ألف المواطنون مشاهدة عدد كبير من النساء والرجال والأطفال، ينتظرون خارج المؤسسة ويواجهون لساعات حرارة الشمس أو برودة الطقس، في انتظار المناداة عليهم، للولوج واتباع باقي المساطر المتعلقة بزيارة ذويهم الموجودين رهن الاعتقال. قد يفسر المرء، هذا الهدوء الخارجي، معتقدا أن الأمر ينصرف إلى أن عدد السجناء قل، بينما الواقع عكس ذلك، فقد تضاعف عددهم لأزيد من 60 في المائة، وأن السر في تواري مشاهد الازدحام يعود إلى تنظيم الزيارة بالموعد واعتماد الرقمنة لتدبير واحدة من المهام الصعبة في تسيير السجون.... إنجاز: المصطفى صفر/ تصوير (عبد اللطيف مفيق) لجأت المندوبية العامة لإدارة السجون، في إطار البحث عن بدائل لتخفيف الضغط عن الزوار والموظفين، إلى أساليب حديثة وتقنيات جديدة، لتنزيل مشروع الزيارة بالموعد القبلي. مشروع رقمي واعد مشروع واعد اندرج في إطار رقمنة الإدارات، وقد أحدث بتعاون مع وكالة التنمية الرقمية ودعم من صندوق تحديث الإدارة، بهدف تجويد خدمة الزيارة عبر تبسيط الإجراءات، وتخفيف الضغط عن الموظفين وإدارة السجن، كما لقي تجاوبا كبيرا، أثناء فترة التجريب، التي انطلقت قبل بضعة أشهر، ما ساهم في أنسنة ظروف الزيارة، ومنح الأسرة فرصة لتدبير الأمر عبر بوابة إلكترونية خصصت لذلك، تمكن من اختيار الموعد والحضور، قبله بقليل، للتمكن من رؤية السجين والاطلاع على أحواله، ما جنب ذوي المعتقلين محنة الازدحام وطوابير الانتظار، التي كانت تشكل بالنسبة إليهم أكبر هاجس، إذ كانوا يفدون في يوم الزيارة قبل ساعات من انطلاق العمل الإداري، ويضطرون للانتظار ، في ازدحام شديد، لدرجة أن من ظفر بعد معاناة كبيرة بالولوج، يشعر وكأنه مولود جديد. ظروف المعاناة، تبددت بعد الشروع في تجريب البرنامج الرقمي للزيارة، وأصبح الأمر مختلفا تماما، ويكاد المرء يحسب نفسه، وهو بقاعة الانتظار، أنه في مرفق إداري مختلف، فالكراسي الأنيقة تملأ الفضاء، وغرف الموظفين المكلفين تشبه تماما تلك المتعلقة بشرطة الحدود، غرف أنيقة بطلاء أبيض وواجهة زجاجية شفافة، بينما المرتفقون يجلسون في هدوء غير معهود بهذه المؤسسة، في انتظار ظهور الرقم الذي يعنيهم للتقدم نحو الموظف وتقديم الوثائق. في زيارة طاقم "الصباح"، صرح مدير السجن أن وعي المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، بالأهمية القصوى للزيارة العائلية لأنها تمكن السجناء من الحفاظ على روابطهم الأسرية وتصلهم بالعالم الخارجي، وهو ما يعد حافزا إيجابيا يسهل عليهم الاندماج مجددا في المجتمع بعد الإفراج عنهم، دفع إلى التفكير في تحديث مرفق الزيارة وتهيئة فضاءات الاستقبال عبر تحديثها وتهيئة فضاءات موارد بشرية كفؤة لتحسين التواصل مع الزوار، ما أسفر عن المشروع الواعد للزيارة، الذي أبانت تجربة تنزيله عن تخفيف الضغط وتسهيل الولوج وأنسنة المرفق ككل. رقمنة الزيارة تمر الإجراءات اليومية وفق برنامج الزيارة الجديد، عبر مرحلتين، الأولى تتعلق بالزوار الجدد، والثانية تضم ست محطات، لا تستغرق إلا قليلا من الوقت، وتمكن الزائر ومرافقيه، من الولوج بسلاسة والعبور عبر مراحل، قبل قضاء المأرب والخروج من جديد بالسلاسة نفسها. تنحصر المرحلة الأولى على الزوار الجدد، الذين خصصت لهم بوابة خاصة مفتوحة على الفضاء الخارجي للسجن، للولوج إلى أول إجراء إداري ويتعلق بذوي المعتقلين الجدد، إذ يهدف هذا المرفق المجهز بأحدث التجهيزات، إلى تمكين الزائر من بطاقة الزيارة وتحديد موعده الأول للقاء السجين، كما يتم خلالها تحديد موعد الزيارة الأولى وتمكين الزائر من القن الخاص به للولوج إلى البوابة الإلكترونية الخاصة بالزيارة، لحجز المواعيد اللاحقة. أما المرحلة الثانية، فتنقسم إلى ست محطات سلسة ولا تستغرق وقتا كبيرا، تبدأ بمراقبة الوثائق الإدارية وتنتهي في قاعة للزيارة ضمن القاعات الست المخصصة لذلك، فعند إدخال الزائر تتم مراقبة الوثائق الإدارية والتأكد من الهوية، ثم بعد ذلك تتم إلكترونيا مراقبة صحة الوثيقة عبر التأكد من هوية الزائر وصحة الموعد والتأشير على ولوجه، لينتقل بعد ذلك إلى المحطة الثالثة بالدخول إلى الفضاء المتنوع الخاص بالزيارة، والذي يشتمل على مكتب المقتصدية الخاص بوضع مبلغ مالي لفائدة النزيل قصد اقتناء المواد الغذائية من الدكاكين الموجودة داخل المؤسسة، ومكتب خاص بالهاتف، يستقبل الزوار من أجل إيداع عقود الاشتراك الخاصة بالهاتف والتي تتضمن الاسم العائلي نفسه للنزيل، حتى يسمح له بالتواصل هاتفيا، ثم مكتب خاص بتسليم الأدوية، والمخصص لإيداع الزائر لبعض الأدوية المسموح بها داخل المؤسسة، والتي تصل إلى السجين عبر مسطرة مراقبة طبية، فالمحطة الرابعة والتي تعنى بتفتيش الأمتعة، وهي محطة تزاوج فيها الطريقة اليدوية مع الإلكترونية، إذ تتم الاستعانة بجهاز سكانير. أما المحطة الخامسة فتهم التفتيش الجسدي للزوار، إذ يخضع كل زائر إلى تفتيش دقيق من قبل موظفين متخصصين، ضمنهن موظفات متخصصات في تفتيش النساء، وتشكل النساء نسبة كبيرة من الزوار إذ تصل إلى 80 في المائة من مجموعهم. وأخيرا المحطة السادسة وتبدأ بعد انتهاء التفتيش الجسدي، ليسمح للزائر بالولوج مباشرة إلى قاعة الزيارة، حيث تتوفر المؤسسة على ثماني قاعات كبيرة، يلتقي فيها السجناء مع ذويهم. أرقام قياسية يلج المؤسسة السجنية على مدار الأسبوع من الاثنين إلى الجمعة، عدد كبير من الزوار، إذ يصل في بعص الأيام إلى 4500، بين الزوار وذويهم المعتقلين، سيما أنه مسموح بزيارة كل سجين من قبل شخصين في الآن نفسه دون احتساب الأطفال القاصرين. ففي يوم الاثنين يصل عدد الزوار إلى 3000 والسجناء المستفيدين من الزيارة إلى 1500، ويتأرجح العدد صعودا ونزولا في الأيام الأخرى. تطبيب وأنشطة أثناء زيارة مرافق السجن، وقفت "الصباح" على انسياب الولوج للزيارة، كما تمت في الآن نفسه زيارة مرافق أخرى داخل السجن، أهمها ورشات التكوين والتعليم، والتخصصات التي يمكن للسجناء والسجينات الانخراط فيها، نظير الخياطة والنسيج وغيرهما من الحرف، إضافة إلى ورشة محاربة الأمية. ثم هناك أنشطة تقام لفائدة السجناء داخل المؤسسة طيلة السنة، وفق برنامج الإشراف الاجتماعي للمؤسسة، ناهيك عن شراكات مع قطاعات معينة، وهي أنشطة تتنوع بين الرياضي والثقافي وغيرهما. في جولة في مصحة السجن المتعددة الاختصاصات، عاينت "الصباح" مصحة طب الأسنان، التي كانت بها طبيبتان منهمكتين في عملهما، كل واحدة مكلفة بسجين يعاني ألما في الأسنان. فالمهمة بهذه المصحة تنصرف إلى تقديم مختلف العلاجات. أما تركيب الأسنان فيتم بناء على طلب ويتم أخذ القياسات بالسجن وبعثها إلى مختبر متخصص وفق إجراءات تشرف عليها إدارة السجن. ويضم سجن عكاشة خمسة أطباء عامين وثلاثة اختصاصيين وآخرين متعاقد معهم. تقدم العلاجات بالمصحة متعددة الاختصاصات، وتوفر صيدلية موجودة بها الأدوية المطلوبة، كما يتم اقتناء الأدوية من الخارج من صيدلية متعاقد معها، لتوفير الأدوية غير الموجودة بصيدلية السجن، التي تتطلبها الوصفة الطبية المحررة من قبل طبيب المؤسسة. وتبقى الإدارة بعيدة عن اتخاذ القرار الطبي في حق السجين، إذ أن هذا الاختصاص موكول للطاقم الطبي العامل بالسجن، فهو من يقبل الأدوية التي تفد مع الزوار، أو يعلل سبب الرفض. جهود مضاعفة وتدبير معقلن يعرف سجن عكاشة ضغطا كبيرا كيف تدبرون هذه الوضعية؟ > أولا لا بد من التذكير بأن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، واعية بهذا الإشكال، وأنها دائما تبحث عن سبل تخفيف الضغط، والزيادة في عدد الموظفين، وهو ما تجلى في إضافة 120 موظفا ضمن فوج جديد التحق بالمركب السجني عين السبع. فالطاقة الاستيعابية للسجن المحددة في 5800، تم تجاوزها، خصوصا أننا اليوم نتحدث عن عدد فاق 12 ألف نزيل، وهذه الوضعية تواجه عن طريق الإرشاد والتوجيه الذي نتلقاه باستمرار من المندوبية، وكذا بمضاعفة المجهودات من قبل الموظفين والموظفات. كيف تقيمون الزيارة والمشروع الرقمي؟ > ينبغي الإشارة إلى أن مشروع الزيارة المبرمجة مسبقا، أظهر في مرحلته التجريبية نجاحا كبيرا، وخفف الضغط عن الموظفين، كما أنسن ظروف الاستقبال، بل حتى تدبير الوقت. فقبل المشروع كانت الزيارة تكلف جهدا كبيرا وتستغرق وقتا يستمر إلى بعد السادسة مساء، أما اليوم وبفضل الرقمنة، فإن الحجز القبلي للموعد حسب الأجنحة، والفضاءات التي خصصت للاستقبال، مكن من تدبير معقلن للموارد البشرية وضبط الزيارة بشكل أكبر وبوتيرة فورية، مع ربح الوقت أكثر، وتجنيب الزوار والموظفين عناء الطريقة التقليدية السابقة، فاليوم أصبحنا ندبر 1500 موعد يوميا، داخل التوقيت الإداري. ماذا عن المهام الأخرى من قبيل نقل المعتقلين للمحاكمة؟ > ينقسم هذا الجانب إلى قسمين، فهناك المحاكمات الحضورية، التي يتم فيها نقل السجناء إلى المحاكم التي يمثلون أمامها، وهناك المحاكمات عن بعد. وإن كانت مهام الموظفين تحدد المغادرين إلى المحكمة وتوفير ظروف نقلهم في الوقت المناسب، والإشراف على إجراءات توجههم إلى زنازينهم في المساء عند عودتهم، فإن المحاكمات عن بعد، تكلف بدورها طاقما من الموظفين، خصوصا أن 800 محاكمة عن بعد تتم يوميا، بمعدل يصل إلى 4000 محاكمة في الأسبوع. وكل هذا يندرج ضمن المهام المنوطة بطاقم المؤسسة السجنية، ويتم بالصرامة والانضباط المطلوبين. محمد قريرش* * (مدير سجن عكاشة)

عكاشة… صرامة وانضباط

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

سقوط عصابة الدراجات النارية بالبيضاء

إحالة 18 ملفا لمسؤولين على القضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات