مغاربة ضحايا الجيش الجزائري…ضريبة الجوار

تخلق الاعتداءات المتكررة على المغاربة جوا من الرعب في المنطقة، وهو ما وقفت عليه "الصباح" خلال زيارتها الميدانية لدوار أولاد صالح، شرق بلدة بني أدرار، فمن نظرة خاطفة إلى الجانب الآخر من الحدود يمكن بسهولة ملاحظة تحرك قوات الجيش الجزائري جيئة وذهابا وأصابعهم تشد دوما على الزناد. هكذا استهدف رزق الله يعرف المكان الذي استهدف فيه الشاب المغربي "رزق الله الصالحي، 23 سنة" بـ"الركنة" وتقابله في الجانب الآخر من الحدود "دار بنسعيد"، في هذا الموقع بالتحديد ما تزال آثار الدماء التي سالت من الضحية شاهدة على الاعتداء الدموي الذي كان وراءه جندي محسوب على مركز المراقبة "لحواسي" يدعى "الأدراري". إنها ليست حوادث عابرة أو تصرفات طائشة، يقول السكان في الجوار لـ"الصباح"، بل هي تحرشات يومية فيها سب وقذف وتهديد بالسلاح من قبل أفراد الجيش الجزائري لمواطنين عزل من أبناء الدواوير الواقعة على الشريط الحدودي.هذا ما حدث بالضبط مع "رزق الله"، يحكي والده "عمي محمد" بمرارة عن هذه الواقعة المأساوية "كل ما في الأمر أني كلفت ابني بتفقد مساحة أرضية في ملكيتي استعدادا للبدء في حرثها، إلا انه فوجئ بتعرضه لإطلاق النار رغم أنه كان واقفا فوق أرض مغربية، ولا علاقة لهذا الاعتداء إطلاقا بأي نشاط للتهريب".والمثير أكثر أن حرس الحدود يتعمد في الكثير من الأحيان الدخول في مشاحنات مباشرة مع السكان وإشهار السلاح في وجوههم لإجبارهم على أخذ مسافة بعيدة من الخندق، لكن الغريب أن هذه الأوامر تصل إلى حد فرض "حظر التجول" على الفلاحين المغاربة ومنعهم تحت التهديد من التصرف في أراضيهم.وللتأكيد أكثر، يقول أولاد عم الضحية، إنهم كانوا شهودا على ما حدث، فالجندي أطل من فوق ربوة مقابلة وسدد صوب قريبهم ثلاث رصاصات اخترقت فكه الأيسر وهشمت أسنانه وأنفه، ووحدها الألطاف الإلهية حمته من موت محقق"، هذا الاستهداف كما عاينت ذلك "الصباح" تم من مسافة لا تتعدى عشرة أمتار. دواوير تعيش الرعب الرعب اليومي الذي يسكن العائلات بدواوير لعراعرة والبرابشة وأولاد حمو وأولاد صالح والشراكة المتاخمة للحدود عاش موفد "الصباح" بعض تفاصيله الحية، فإلقاء نظرة ولو من باب الفضول على الأراضي الجزائرية الواقعة خلف الخندق قد يكون مكلفا للغاية.وتصادفت هذه الزيارة أيضا مع تعرض بعض الشباب المغاربة لاستفزاز قوي من جندي جزائري، يحول هذا الوضع المتوتر حياة الكثيرين إلى ما يشبه الكابوس، فحرس الحدود يتحركون جيئة وذهابا ويختبئون خلف أكوام الأتربة كأنهم في مهمة لصيد "الحلوف" كما يقول "عمي محمد".وتمتلك العائلات المغربية في تلك الدواوير، ومن بينها العائلة التي يتحدر منها "رزق الله" أراضي شاسعة على الشريط الحدودي وترتبط بعلاقات عمومة مع جزائريين في الجهة المقابلة، "لقد كانوا في الأصل مغاربة أبا عن جد إلا أن السلطات الجزائرية قامت بتجنيسهم بعدما ضمت أراضيهم إلى داخل الحدود".عايش "عمي محمد" فصولا من هذه الأحداث الأليمة، إذ يؤكد أن استهداف المواطنين المغاربة فوق التراب الوطني ليس وليد اليوم، بل هو سلوك يكاد يكون مألوفا، إلا انه صار يتخذ أبعادا خطيرة في السنوات الماضية. ضحايا رصاص غادر تُوقع بنادق الجيش الجزائري كل سنة المزيد من الضحايا، وتشير إفادات فاعلين جمعويين بالجهة الشرقية إلى أن العقدين الأخيرين شهدا سقوط عشرات القتلى في مناطق متفرقة بالقرب من الحدود المغربية الجزائرية، بالإضافة إلى من قدر لهم النجاة من الجرحى والمصابين بعاهات مستديمة.لكن استهداف المواطنين المغاربة لم يتوقف على هذا الحد أو ذاك، بل يشهد سكان الشريط الحدودي على وصول الرصاص الحي إلى منازلهم البعيدة بطريقة عشوائية، وتختزن ذاكرة أفراد عائلات الضحايا حكايات مأساوية عن "سنوات الرصاص" التي يتمت العديد من الأسر، وقلبت حياتها رأسا على عقب.ويتذكر أبناء الدواوير المحاذية للحدود هذه الحوادث الأليمة بكثير من الأسى وهم يعدون أسماء الضحايا بين من قضى نحبه ومن يحمل آثار رصاصات غادرة تذكره بقسوة ووحشية القناصين، ومن تسلمته أسرته جثة هامدة، وعديد منهم انقطعت أخبارهم بعدما زج بهم في السجون أو دفنوا في خانة المجهولين.ما تؤكده الشهادات التي استقتها "الصباح" تحمل جوانب فظيعة من الانتهاكات، إذ لا يسلم مواطنون عزل من هذه الاعتداءات اليومية التي تتعدى الحدود إلى فرض شكل من أشكال "حظر التجول" ومنع الفلاحين من استغلال أراضيهم الواقعة في التراب المغربي، إلا أن أي محاولة للاعتراض تقابل أحيانا بإطلاق النار دون رحمة ولا شفقة. الشريط الحدودي يقسم العائلات يمتد الشريط الحدودي بين المغرب والجزائر على مسافة 540 كيلومترا من السعيدية حتى فكيك، وتخترق الحدود بين البلدين العديد من الدواوير وتفصل بين عائلات ترتبط بروابط قرابة وعمومة تعود إلى زمن القبائل التي عاشت في هذه المناطق، وتشكل الحدود حاجزا أمام تواصل هذه العائلات بشكل طبيعي بعد إغلاق الحدود بشكل رسمي قبل عشرين سنة من الآن.ورغم إغلاق الحدود بشكل رسمي إلا أن قرى الشرق المغربي المجاورة للشمال الغربي بالجزائر تشهد حركة للتبادل التجاري غير "المراقب" أو ما يعرف بالتهريب الذي ينشط بالشريط الحدودي عبر عدة منافذ ومسالك تخضع للمراقبة المستمرة.ويذكر المتخصصون في المجال، أن القبائل حافظت على هذا الامتداد التاريخي، ولم تنقطع الروابط بينها رغم فصلها بالحدود الاصطناعية في ظل تباعد نظام البلدين والصراع المحتدم بين القادة السياسيين ووقوف بعض جنرالات الجيش الجزائري حاجزا منيعا أمام حصول أي تقارب او تطبيع ودق طبول الحرب لمناسبة أو لغير مناسبة لتحويل أنظار الشعب الجزائري عن مشاكله الحقيقية.وفي الوقت الراهن، عزز الجيش الجزائري وجوده على الشريط الحدودي بتشييد المزيد من مراكز المراقبة بعد حفره السنة الماضية لخندق بعمق أربعة أمتار يعلوه حاجز ترابي يصل عرضه إلى مترين تقريبا، وباشرت السلطات المغربية من جانبها أشغال تسييج الحدود من اجل منع تسلل المهاجرين السريين ومافيا التهريب المنظم وحماية التراب الوطني من الأخطار الإرهابية المحدقة..وتسجل الشهادات المستقاة، أن الحدود بين البلدين الجارين تشهد تسللا منظما للمهاجرين السريين خصوصا منهم الأفارقة والسوريين بمساعدة من أفراد حرس الحدود الجزائري، ويتم هذه العمليات حسب مصادر محلية بالتنسيق مع شبكات تعمل فوق التراب الجزائري، ويجني الطرفان أرباحا ضخمة من عائدات الهجرة السرية والتهريب المنظم. إنجاز: عبد الحكيم اسباعي- موفد "الصباح" إلى الحدود المغربية الجزائرية

مغاربة ضحايا الجيش الجزائري…ضريبة الجوار

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

برلمانيون ضد تكليف الملك بنكيران بملف الانتخابات

المغرب عقدة النظام الجزائري

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات