المغرب عقدة النظام الجزائري

أرجع الموساوي العجلاوي، أستاذ التاريخ بمعهد الدراسات الإفريقية، سبب العداوة التي يكنها النظام الجزائري للمغرب إلى العقدة التي يشكلها الأخير للدولة العميقة في الجارة الشرقية، ضاربا المثل على ذلك بإقبال الجزائريين على الطبخ واللباس والعادات المغربية وبأرقام مركز الأبحاث الأمريكي "بيو كلوبال"، الذي كشف على أن عدد الجزائريين الذين هجروا بلدهم من أجل الاستقرار في المغرب بشكل نهائي بلغ 20 ألف شخص خلال 2013. زاد إطلاق النار من قبل حرس الحدود الجزائري على مواطنين مغاربة من تأزيم العلاقة بين البلدين، كيف تقرؤون الحادث في سياق الوضع المحلي والإقليمي؟ يجب التمييز بين أحداث عابرة تقع على الحدود، وأخرى تتواتر بشكل يوحي أن هناك مخططا لزرع الفتنة على الحدود بين البلدين، فمن إطلاق النار على مواطنين، بدعوى التهريب، وحجز الرعاة مع ماشيتهم إلى حفر خنادق، إلى تسريب المهاجرين إلى المغرب من جل دول العالم، خاصة الأفارقة جنوب الصحراء والسوريين، لا يمكن فصل ما يجري على الحدود المغربية الجزائرية عن مظاهرات الشرطة الجزائرية أمام رئاسة الجمهورية في الجزائر العاصمة، ولا عن العنف الطائفي في غرداية وبريان، إنه إشكال تأزم مسار الدولة الجزائرية، التي تعيش حروبا طاحنة بين مكونات الدولة العميقة، فكل هذه الأحداث هي أوراق صراع داخل مؤسسات الحكم الجزائري، توظف بين الحين والآخر من هذا الجانب أو ذاك. الجميع في الجزائر، الشعب والدولة العميقة، يدرك أن الحـدود المغـربية الجزائرية، هي الحدود الوحيدة الآمنة للجزائر، فحــدودها مــع باقــي الدول متوترة وملتهبة ومخترقة من لدن الجماعات الجهادية وجماعات الجريمة العابرة للحدود، خاصة مــع مالــي والنيجــر وليبيا. في حين تشكل الحدود الجزائرية التونسية مسرحا للهجمات المتكررة على مواقع الجيش والأمن التونسيين، ويبدو أن هناك رغبة في إفشال التجربة التونسية التي ستكون في حال إتمام الانتخابات التشريعية والرئاسية، أول بناء في العالم العربي لنظام جمهوري برلماني تكون السلطة فيه للمواطن وحده، وهذا نظام في جوهره وفلسفته يناقض النظام الجمهوري في الجزائر المبني على أوليغارشية عسكرية أمنية، وأضيفت إليها مسحة جديدة في العهدة الرابعة لبوتفليقة، تتمثل في غياب الرئيس الجسدي والفكري عن مركز القرار وتعويضه بنواة مكونة من أخيه المستشار السعيد وبعض "رجال الأعمال" المستفيدين من الريع النفطي. التحرشات الجزائرية بالحدود المغربية، ليست وليدة اليوم، لكنها بدأت تبتعد عن منطق الحوادث المعزولة وبدأ الأمر يبدو وكأنه تكتيك للوصول إلى هدف ما، هل تتفقون مع هذا الطرح؟ وهل هناك أسباب تاريخية لهذا الموقف الجزائري المتشدد في معاكسته لمصالح المغرب؟ العلاقات بين الدولتين المغربية والجزائرية يشوبها التوتر منذ عقود، لتناقض طبيعة الدولتين، فالدولة المغربية قائمة منذ أكثر من اثني عشر قرنا، ولم تعرف انقطاعا في مسارها التاريخي، بينما الدولة الجزائرية هي نتاج لنظام استعماري استيطاني جثم على الجزائريين لمدة 132 سنة، ولم تستطع جبهة التحرير بناء دولة عصرية لاعتبارات إقليمية، فقام نظام الحزب الوحيد لمدة 30 سنة، وعندما اكتشف الشعب الجزائري مخاطر الحزب الوحيد قامت انتفاضات انتهت إلى انتخابات في العام 1991، لكن الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي فازت بالانتخابات التشريعية، وكحال جل "الأحزاب الإسلامية" في العالم العربي، خلطت بين مشروعية انتخابية ومشروعية ديمقراطية، وألغت الآخر، فكانت الحرب الأهلية التي دامت عشر سنوات وأسفرت عن 200 ألف مفقود، يحرم الآن على ذويهم التظاهر وتأسيس الجمعيات لكشف حقيقة ما جرى. هل يمكن الحديث عن وجود عقدة مغربية عند النظام الجزائي؟ لكل الأسباب التي ذكرت لم يكتب للشعب الجزائري أن يحلم بدولة، ولذلك افتعال الأزمات من لدن الدولة العميقة مع كل الجيران ونهج إستراتيجية فردية لحل الإشكالات الإقليمية، هو البديل الوحيد الممكن إنتاجه، مع استهلاك أسطورة أن الثورة الجزائرية مهددة من لدن "عدوين" فرنسا، المستعمر السابق، وهو في الوقت نفسه الشيء ونقيضه، الحلم بدولة على غرار الدولة الفرنسية، ثم العدو الثاني المغرب، لأنه يمثل الذات والهوية التي يتقاسمها الشعبان المغربي والجزائري، فالاستعمار الفرنسي خلال 132 سنة محا كل مكونات الهوية الجزائرية، ولذلك يعتبر الجزائريون المغرب الأقرب إلى القلب والذات والهوية، فالإقبال على الطبخ واللباس والعادات المغربية شيء عاد خاصة في الغرب الجزائري، وعقدة الدولة العميقة في الجزائر هي "الدولة المغربية"، لذا تتردد كثيرا كلمة "المخزن" في "الواجهات الإعلامية" للأجهزة الأمنية الجزائرية، كلمة تختصر أزمة الدولة العميقة تجاه الجار. وإغلاق الحدود مع المغرب هو قبل كل شيء عقاب للشعب الجزائري. ألا تعتقدون أن معاداة الجزائر للوحدة الترابية ودعمها للطرح الانفصالي في الصحراء ليسا إلا وسيلة للهروب من تسوية ملف ترسيم الحدود بين البلدين؟ أولا يجب على الدولة المغربية أن تقــول الحقيقــة للشعــب المغربــي في ما يخص ترسيم الحدود. وهــل كــانت هناك قرارات اتخذت في هــذا الشــأن على مستوى البرلمان المغــربي في بداية التسعينات، علما أنه بالإمكــان إيجاد صيغ لتســوية الحدود لما فيه مصلحة الشعبين المغــربي والجزائري، فالحدود لم تعد لها تلك الأولــويات التي كانت لها في الماضي، المفهــوم الجــديد للحدود يتجاوز الجغــرافــي إلى مواطــن التهديــد أو النـفوذ أو المصالح، وما يجري في الشرق الأوســط من إقبار خــريطة "سايس بيكو" ونهاية العالــم العــربي في صيغته لما قبل 2011، وإعــادة "تفصيل وخياطــة" خــريطة جديــدة في العــالم العربي مرجعيتها النفوذ والمصالح والاثنيات والتمذهبات، نموذج لمفهوم الحدود الجديد. فالحــدود الإيــرانية الجديــدة امتــدت إلــى البحر المتــوسط والبحر الأحمـر، والــدولة التركيــة تحاول وضع حــدود جــديــدة لها تمتــد عميقــا في الــدول العــربية من خلال "جبهة إسلامية" وفي دول بحر قــزوين، من خلال "جبهة قــومية تــركمــانية"، وبالتالي مفهوم الحدود لم يعد له معنى جغرافيا. معاداة الدولة الجزائرية للوحدة الترابيــة والوطنيــة المغــربية هــو نتيجة لكل ما سبق ذكــره، الخطير هو أن مراكــز القــرار الجزائرية نهجــت منذ خمس سنوات نهجا تصاعد في السنة الأخيرة وهو توريط الشعب الجزائري في قضية الصحراء، لأنها اكتشفــت أن حملات الاستعداء لم تنل من عــمق التقــارب بين الشعبين، فعمدت إلى إقــامــة جامعــات "للتعبئة الشعبية" ضد المغرب ومنحت "علاوات كريمــة" لشخصيــات رياضيــة تآكلت وفرق تعرف أزمات مالية لتوظيفها واجهات، وكأن مشكل نزاع الصحراء يهم الجزائريين. أجرى الحوار: ياسين قطيب

المغرب عقدة النظام الجزائري

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مغاربة ضحايا الجيش الجزائري...ضريبة الجوار

الجزائر رائدة تهريب الأزمات الداخلية

مقالات ذات صلة