نماذج من نساء يواجهن الدمار ويتحدين الصعاب ويشققن الطريق إلى ما بعد الزلزال تحولت قرية أمزميز (65 كيلومترا جنوب مراكش) بإقليم الحوز، إلى أنقاض، وما تبقى من المنازل معرض لخطر الانهيار في كل لحظة وحين. فجولة قصيرة بين دروب وأزقة أمزميز، تجعلك تقف على هول الكارثة التي أحلت بهذه المنطقة. بضع ثوان كانت كافية، لتغير حياة السكان هناك، رأسا على عقب، وأجبر سكان هذه الجماعة الذين يبلغ عددهم 13711 نسمة، موزعة على 3506 أسر، على اللجوء إلى مخيمات جماعية، اتخذوا منها مأوى مؤقتا لهم، لكنهم استفاقوا على واقع جديد، واكتشفوا حياة مليئة بالمعاناة. إنجاز: محمد العوال/ تصوير: عبد الحق خليفة (موفدا الصباح إلى إقليم الحوز) وأنت تلج مركز جماعة أمزميز، تشاهد مخيمات نازحين هناك، في منظر يكشف لك حجم الدمار الذي حل بسكان هذه الجماعة، وقضى على أحلامهم وآمالهم، وغير مسار حياتهم. فلا دكان هناك نجا من الزلزال، إذ أن كل المحلات التجارية أغلقت أبوابها، شأنها في ذلك شأن المؤسسات المالية، إذ الحياة صارت بطيئة جدا، لا تسرع وتيرتها سوى قوافل المتضامنين، أو قوافل القوات المسلحة الملكية. الباتول... امرأة بألف رجل الباتول امرأة في عقدها الخامس أو تجاوزته بقليل، تقف وسط الخيمة تقوم بدور رمز العائلة، تحضن أحفادها وتبعث فيهم الأمل في الحياة، عندما تكون نظرتهم تبحث عن العزاء في اتساع السماء المفتوحة. تداعب حفيدها ذا السبع سنوات، وتحكي له عن قصص طريفة من طفولتها، علّها تظفر منه بابتسامة، تعيد إليها الحياة. ليس حفيدها من تحاول أن تزرع على وجهه الابتسامة، "بل مجموعة من الأطفال في هذا المخيم، إذ تقوم بجمعهم مساء، واللعب معهم كأنها طفلة صغيرة" يقول ابنها، مضيفا "تردد دوما أن الأطفال يجب أن يلعبوا وينسوا الزلزال ومأساته". اتخذت الباتول رفقة أسرتها، من خيمة غير بعيدة عن منزلها مأوى لها، لكنها مازالت مصممة على استعادة منزلها الذي انهار جزء منه، إذ يحمل هذا المنزل ثقل الزمن، وجدرانه تهمس بقصص الحياة للباتول. تفترش الباتول قطعة كارتون وتجلس عليها مستندة إلى جذع شجرة، وتقابل جدران منزلها المتداعي، وكأنها أكثر تمسكا بمنزلها، وملاذ ذكرياتها التي يتردد صداها بأركانه التي سقط جزء منها. خلف تلك الجدران، كانت ليلة الألم حينما فقدت الباتول حفيدها، ولكن رغم ذلك مازالت متمسكة بتلك الجدران. "هذا قدرنا أن نعيش في المخيمات، بعدما فقد الكثير منا أقاربهم ومنازلهم"، تقول الباتول، لكن تجد في أحفادها ما يُنسي همومها. لا تخفي الباتول حنينها إلى منزلها، الذي شيدته بمعية رفيق عمرها، الذي رحل عنها قبل أربع سنوات "لقد بنينا ذلك المنزل (وهي تشير بسبابتها إليه) لبنة لبنة على مدى عشر سنوات، إنه يحتضن جزءا من ذكريات مازالت راسخة إلى الآن، كنت أتمنى أن أتلقى التعازي في حفيدي بالمنزل، لكن القدر ألقى بنا إلى قارعة الطريق في هذه المخيمات"، تقول الباتول. وتبدو الباتول أكثر قوة على تجاوز محنة المخيم، إذ تقول وهي ترتب بضع أوان، يبدو أنها كل ما ظفرت به من منزلها الذي انهار جزء منه "الحياة هنا صعبة جدا، فخلال النهار لا يمكن أن نتحمل الحرارة التي تتسلل إلينا عبر هذه الخيام، وفي الليل تتجدد المعاناة نفسها، مع البرد القارس". تضامن وتآزر بالقرب من وحدة الوقاية المدنية بأمزميز، تنتصب العشرات من الخيم التي سلمتها مصالح الوقاية المدنية لناجين من الزلزال، يتخذون منها مأوى لهم. محمد يبلغ من العمر 44 سنة، يعيش رفقة أسرته الصغيرة بإحدى الخيم، لا يخفي أن حياة المخيمات صعبة جدا، لافتقادها لبعض أساسيات العيش في هذه المخيمات، ثم هاجس الخوف من التساقطات المطرية، والتي قد تؤثر على حياتهم. لكن رغم كل ذلك، فإن محمد اكتشف التآزر والتضامن بين الجيران، "فالكثير من جيراننا لم تكن لنا معهم علاقة وطيدة، بل مجرد تبادل التحايا من حين لآخر، لكن اليوم الأمر مختلف تماما، لقد اكتشفت طيبوبة هؤلاء الجيران، ولم يزدنا هذا الزلزال إلا تشبثا ببعضنا البعض، إننا نعيش وسط هذه المخيمات أسرة واحدة". غير بعيد عن محمد، يجلس بعض رجال بالقرب من إحدى الخيم، ويتابعون، عبر هاتف أحدهم، آخر الأخبار المرتبطة بالزلزال. فاطمة وخديجة... مصدرا إلهام نتجه نحو غرب أمزميز، فنعاين مجموعة من الخيم هناك، وبالقرب منها (الخيم) خيمة كبيرة، بها كل مستلزمات الطبخ. بهذه الخيمة تبدو فاطمة ذات 56 سنة، مديرة مطبخ، توجه التعليمات لمجموعة من الفتيات اللواتي يساعدنها في تدبير المطبخ. "أنا أشتغل طباخة في الأصل، خلال الأعراس، واليوم أنا هنا رفقة أسرتي الصغيرة نعيش في هذ المخيم مع جيراننا وأقاربنا". كانت فاطمة قد انتهت للتو من إعداد وجبة الغداء لمجموعة من النازحين. "أطبخ لأزيد من 40 شخصا، ممن يعيشون رفقتنا بهذا المخيم"، تقول فاطمة وتضيف "نحن نعيش هناك أسرة واحدة، نطبخ ونأكل سويا، نحاول تدبير ما نتوفر عليه من مستلزمات غذائية". تشير فاطمة التي فقدت منزلها بالكامل، إلى أنها هنا لمساعدة أبناء قريتها وإطعامهم، ومساعدتهم على تجاوز هذه المحنة. أما خديجة (في الثلاثينات من عمرها)، فقد أنشأت فرنا من التراب، وتتكفل بطهو الخبز.. تبدو خديجة (متزوجة وأم لطفلين يعيشان رفقتها بالمخيم) بطلة في عيون الكثيرين هنا بهذا المخيم، إذ شمرت على ساعديها، وأنشأت فرنا، لإنهاء أزمة الخبز، التي يعرفها المخيم. "بعض النساء، تشجعن وقمن بإنشاء أفران تقليدية، من أجل طهو الخبز، لتجاوز ندرته، سيما أننا نتوفر على كميات مهمة من الدقيق". حسابات انتخابية نتوغل أكثر بالمخيمات، ونصادف مولاي حفيظ شعتيق، في الأربعينات من عمره، كان يجلس رفقة والده الذي تجاوز سنه الستين بقليل، بالإضافة إلى أحد جيرانهما. يبدو مولاي حفيظ متذمرا بهذا المخيم، غير بعيد عن مركز الدرك الملكي "تصور معي أننا لا نتوفر على أفرشة تحمينا من قسوة البرد، إذ برفقتنا أطفالنا الصغار وكذا نساء منهن من وضعت مولودها قبل أشهر قليلة، لكن رغم ذلك لم نتوصل بالأفرشة، في حين أن مخيمات أخرى قريبة منا، تجد أفراد أسرة يتوفر كل واحد منها على أفرشة". بالمقابل يؤكد حفيظ، أن الحصول على الخيام، صار سهلا ومتاحا لجميع المواطنين، ويمكنك أن تحصل على أكثر من خيمة، فضلا عن المواد الغذائية، سواء التي وزعتها القوات المسلحة الملكية أو المجتمع المدني أو المحسنون. ولا يخفي حفيظ، أن الولاءات الانتخابية، قد تكون سببا في ذلك، ولكن رغم كل هذا الغضب الذي يسكن حفيظ بسبب طريقة تدبير المخيمات، فإنه يأمل أن يتم تجاوز ذلك في الأيام القليلة المقبلة. معاناة خاصة يعيش منكوبو الزلزال في المخيمات على إيقاع مشاكل متعددة، فتقول فاطمة، "في الليل نعيش أسوأ اللحظات، إذ أن غياب الإنارة يزيد من متاعبنا رفقة ابنائنا، فضلا عن الخوف من أن تتسبب الشموع في كارثة لا قدر الله". ليس غياب الإنارة وحده ما يقض مضجع منكوبي الزلزال ممن يعيشون في المخيمات، بل غياب المراحيض، ما يعرض حياة الكثير منهم للخطر "فإذا كنت ترغب في قضاء حاجتك، فعليك ان تبحث عن مكان ما في الهواء الطلق، مع ما قد يسببه ذلك من خطورة سيما للأطفال والنساء"، يقول إبراهيم 31 سنة، مضيفا "أمي تصر على قضاء حاجتها بمنزلها المتهالك الذي سقط جزء منه، رغم ما قد يشكله ذلك من خطر عليها" مضيفا، أن العديد من النساء يفضلن التوجه لما تبقى من منازل معرضة للسقوط في كل لحظة وحين. في انتظار الآتي تشير العديد من الشهادات إلى أن مخيمات منكوبي الزلزال، باستثناء التي أقامتها عناصر كل من القوات المسلحة الملكية والوقاية المدنية، قد تشكل خطرا محدقا عليهم، في حال تساقط الأمطار، لوجود هذه المخيمات في جنبات الوادي، أو في مناطق قد تعرف انجرافا للتربة، وهو الأمر نفسه الذي يؤكده حفيظ شعتيق، الذي يقول إنه في حال تساقط الأمطار فإن الوضع سيكون كارثيا على سكان هذه المخيمات. وينضاف إلى ذلك، غياب المواكبة النفسية لمجموعة من أطفال المخيمات وعدم وجود فضاءات خاصة بألعاب الأطفال "إذ أن ذلك سيساهم في الدعم النفسي للأطفال، وإخراجهم من وضعية القلق والترقب الذي يعيشونه". ويؤكد إبراهيم، في هذا الصدد أن شقيقه البالغ من العمر حوالي 11 سنة، أصبح يتبول لا إراديا في الفراش منذ وقوع الزلزال، في حين أن أطفالا آخرين يستفيقون مذعورين ليلا، إذ مازالت صدمة الزلزال ترخي بظلالها عليهم.