حكايات تنزف مآسي وأحزانا لدواوير بالحوز مازالت تبحث عن سكانها تحت الأنقاض فجأة انمحت العديد من الدواوير بتراب جماعة أزكور بإقليم الحوز، وتحولت بنايات سكنية، إلى ركام من الحجارة والأتربة، وفقد سكان هذه الجماعة أقاربهم وماشيتهم وأمتعتهم وصاروا بدون مأوى.. حتى الأمل في العثور على أحياء تحت الأنقاض تبدد في لحظات، وتسلل اليأس إلى نفوس الكثير منهم.. هنا بدوار ثلاث بجماعة أزكور، فقدت الأم الأمل في العثور على ابنها، كانت في بادئ الأمر تقول إنه تحت الأنقاض، ولابد من تكثيف الجهود لاستخراجه، لكن بعد مرور اليوم الأول والثاني، تبدد الأمل. لكن قدر الله أكبر، وعادت الابتسامة والفرحة، ليس لأم الطفل، بل لكل سكان الدوار، الذين احتفلوا بحياة جديدة لطفل من دوارهم.. إعداد: محمد العوال (موفد الصباح إلى إقليم الحوز) كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ظهرا، حينما انطلقت السيارة متجهة بنا نحو أزكور، فالأخبار القادمة من هناك، تؤكد أن الوضع سيء، شأنه في ذلك شأن جماعات أخرى بدائرة أسني وتحناوت، وغيرها من الجماعات التي تضررت بإقليم الحوز. وأنت في طريقك، لا تصادف سوى سيارات الإسعاف أو شاحنات القوات المسلحة الملكية وفرق الإنقاذ التي حلت بالعديد من قرى ومداشر إقليم الحوز. وصلنا إلى أمزميز، حيث تصادف بنايات سقطت بالكامل، وأسرا تسكن في خيام على طول مدخل أمزميز. حركة السير هناك بطيئة جدا، فالعشرات من الشاحنات والسيارات المحملة بالمساعدات الغذائية في طريقها إلى دواوير المنطقة. صدمة الفراق يقترب منا شاب في الثلاثينات من عمره "تعالوا لتعاينوا منزلنا لقد هدم بالكامل، أمي ماتت مباشرة بعد سقوط المنزل، لم أكن رفقتها في تلك اللحظة"، ويضيف الشاب الذي يبدو أنه لم يستوعب بعد فراق أمه "لو كنت معها، لأنقذتها، أو لمت مكانها"، يقول الشاب. رفيق للشاب، يؤكد أن صديقه، مازال مصدوما بسبب فقدان أمه، "لا يأكل ولا ينام، كل مرة يأتي أمام منزلهم، ويجلس هناك لساعات، حتى فكرة عرضه على الطبيب يرفضها مطلقا". ويضيف المتحدث، "كان يعيش رفقة أمه فقط وكانت علاقته بها كبيرة، يذهب لمراكش للعمل، وما أن ينتهي من عمله ليلا حتى يعود إلى المنزل، لكن ليلة وقوع الزلزال لم يعد، وظل هناك في مراكش". الطريق إلى أزكور نترك هذا الشاب، ونواصل الطريق نحو أزكور التي تبلغ مساحتها 196 كيلومترا مربعا، ويبلغ عدد سكانها 6856 نسمة، موزعين على 15 دوارا. الطريق إلى جماعة أزكور، لا يختلف في شيء عن الجماعات القروية الأخرى بإقليم الحوز، إذ أن الوصول إلى هذه الجماعات يعتبر مغامرة. "كان الله في عون هؤلاء الناس، كيف يعيشون في هذه الظروف، فالطريق وعرة وحالتها متردية، بالإضافة إلى انعدام المرافق الأساسية من مستشفيات أو مراكز صحية ودور الولادة"، تقول أحلام القادمة من سلا في قافلة تضامنية مع سكان هذه المناطق.. أحلام عاشت لحظات عصيبة، بعدما انهارت صخرة، وتسببت في خسائر لسيارة صديقة لها، نجت من الموت.. لكن رغم كل ذلك، "فحينما ترى الفرحة في عيون هؤلاء الأطفال والنساء، يتبدد كل شيء، ونشعر أننا ساهمنا في التقليل من معاناة أسر فقدت أقاربها وصارت بدون مأوى"، تقول أحلام. بعد ثلاث ساعات ونصف، وصلنا إلى جماعة أزكور، حيث يتراءى لك حجم الدمار في المسجد وبنايات ومنازل هوت بالكامل.. فاطمة... بركان من الحزن بأزكور نصادف "فاطمة" لم تتعد 34 سنة، لكن يبدو من ملامحها، أنها أكبر من سنها بكثير، كانت تجلس فوق أكوام من الأتربة والحجارة، تتأمل منزل أسرتها الذي انهار بالكامل. نلتقط لها صورة في تلك الوضعية، وتظل ثابتة في مكانها، مسافرة بخيالها، نقترب منها رويدا رويدا، لكنها تظل ثابتة كصخرة في عمق البحر.. نحاول التحدث إليها، لكن لا تبدي أي رغبة في الكلام، فجأة تنفجر كبركان ثائر، لتحكي عن قصة مأساة عاشتها. فقدت فاطمة أمها وإخوتها في الزلزال، وصارت وحيدة، تأتي إلى هنا حيث كان منزل أسرتها، لتسترجع ذكريات الماضي القريب.. "أمي وإخوتي ضاعوا مني، المنزل انهار، أنا لا أحتاج مساعدات أحتاج لمن أبوح له بأسراري، أحتاج إلى من تسمع أنيني، إلى من تواسيني". "أمي كان أملها الوحيد، أن تزور مكة وتؤدي عمرة هناك، جمعنا بعض المال، ولم يتبق إلا القليل.. لم يكن أمل أمي في زيارة بيت الله الحرام وحدها، بل صار حلمي أنا أيضا، كنت أتخيل أمي تقبل الحجر الأسود، لكن كل شيء ضاع وانتهى". غادرت فاطمة من فوق ركام منزل أسرتها، بعدما حملت منديلا، استخرجته من تحت الأتربة، مسحت به دموعها، وانصرفت. دوار ثلاث.. الحزن القابع في النفوس واصلنا المسير، إلى أن وصلنا إلى دوار ثلاث بجماعة أزكور.. وجدنا إبراهيم ينتظرنا عند مدخل الدوار، دلفنا في طريق ضيق، وما إن ولجنا الدوار، حتى وقفت على هول المشهد، دور انهارت بالكامل وتحولت إلى ذكريات من الماضي، ونساء ورجال نصبوا خيمة يحتمون بها.. وجدنا رجال القبيلة قد انتهوا للتو من دفن شابة مطلقة في الأربعينات من عمرها، تم استخراج جثتها من قبل أبناء الدوار. "نحن نقوم بالحفر بحثا عن جثث في الأنقاض، لكن التعب أخذ منا مأخذه، فنتوقف عن الحفر.. لقد فوجئنا اليوم حينما عثرنا على هذه الشابة تحت الأنقاض". "أيت بلا الحسين" رجل في الخمسينات من عمره، يقطن بدوار "ثلاث" فقد ابنيه في هذا الحادث المؤلم، الابن البكر يبلغ من العمر 16 سنة ويتابع دراسته بالسنة الأولى بكالوريا، والثاني يبلغ 13 سنة يتابع دراسته بالثانية إعدادي. يسترجع الحسين شريط ما وقع تلك الليلة، "بعد مغرب يوم الجمعة، أوصلت أم زوجتي إلى منزلها بأحد الدواوير المجاورة، بعدما رفضت المبيت معنا، وصلت إلى هناك، فطلب مني صهري تناول وجبة العشاء، بعد ذلك، أصلحت فرنا لأم زوجتي، وفجأة وقع الزلزال، وسقطت العديد من الجدران بمنزل أصهاري". بعد أقل من ساعة، عدت إلى الدوار، لأتفقد ابني، يقول الحسين، لكن وجدتهما قد ماتا، وأجهش بالبكاء. "لقد انهار عليهما سقف الغرفة التي كانا بداخلها، مازالت صورة ابني البكر ورأسه خارج الغرفة وجسده تحت التراب، تقض مضجعي.. لقد حاول الهروب، لكن يد المنون أخذته مني.. أخذت مني من تعبت من أجلهما، وكانا أملي في الحياة.. أن تفقد ابنيك معا، هو أن تموت كذلك". عودة من الموت غادرنا الدوار، وتركنا شبابا هناك يبحثون تحت الأنقاض، علهم يعثرون على أحد المفقودين.. بعد ساعات قليلة، تلقينا اتصالا من "إبراهيم" ابن القبيلة، يزف لنا خبر العثور على طفل يبلغ من العمر 11 سنة حيا، تحت الأنقاض. كسرت لحظة العثور على هذا الطفل، الحزن الذي يخيم على الأهالي هناك، وتعالت الزغاريد. يقول جمال، خال الطفل الذي عثر عليه حيا تحت الأنقاض "لم نكن نعتقد أننا سنعثر عليه حيا، فنحن لم نعد نحصي لا الأموات ولا الأحياء، لكن لطف الله الخفي أكبر". أما ثورية والدة الطفل، ففرحتها، يقول جمال، لا توصف "كادت أن تفقد عقلها خصوصا بعدما دفنا ابنها البكر، وفقدنا الأمل في العثور على الثاني، كانت تردد أريد ابني لأدفنه، لكن عاد إلى الحياة من تحت الأنقاض. الكثيرون بهذا الدوار، وقفوا مشدوهين بعد استخراج الطفل، الذي لم يكن يحمل أي جروح، اللهم صعوبة في التنفس لأنه ظل تحت الأنقاض، منذ مساء الجمعة الماضي.