اتساع دائرة نادي الدول المستوعبة لرسالة الند للند في العلاقات الدولية للمغرب يواصل المغرب، بعزم، مسيرته نحو تكريس حقوقه التاريخية والمشروعة على صحرائه، وذلك في ظل الالتزام الراسخ لكافة مكونات المجتمع المغربي، تحت القيادة المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، إذ اختارت المملكة لغة الصراحة في الدبلوماسية، وسياسة الند للند في المواقف، بحيث جاء في الخطاب الملكي لمناسبة الذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء، "من حقنا أن نتوقع مواقف أكثر جرأة وأوضح من شركائنا، بشأن وحدة أراضي المغرب". واستوعبت كثير من الدول موقف المملكة، لتخرج بردود مناسبة من قبيل رسالة الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المعترفة بسيادة المغرب على الصحراء وقبلها رسالة بيدرو سانشيز رئيس الحكومة الإسبانية، إلى جلالة التي وضعت حدا للأزمة الدبلوماسية التي استمرت لأشهر بين البلدين، إذ حملت بين طياتها تغيرا تاريخيا في موقف مدريد، وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي، الحل الأكثر واقعية ومصداقية لتسوية الخلاف حول الصحراء المغربية. وقبل إسبانيا، حاولت ألمانيا طي صفحة التوتر القائم بينها وبين المغرب، وذلك بموقف جديد ومتقدم من مغربية الصحراء، بحيث عبرت في بلاغ لها، أن مخطط الحكم الذاتي يشكل مساهمة مهمة للمغرب في تسوية النزاع حول الصحراء، مبرزة أن برلين تدعم الجهود المبذولة من طرف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، من أجل التوصل إلى حل سياسي عادل، دائم ومقبول على أساس القرار 2602. واعتبر منتدى "فورساتين" الداعم للحكم الذاتي بتندوف، أن إسبانيا تعلن جهارا نهارا أنها لا ترى حلا للنزاع المفتعل حول الصحراء إلا بتطبيق المبادرة الملكية القاضية بمنح منطقة الصحراء حكما ذاتيا، ما "سينهي فساد القيادة وتحكم الجزائر في مصير آلاف الصحراويين، وسيمنح العدالة والكرامة للصحراويين، ويخولهم العودة إلى أراضيهم والاندماج بحرية تامة في وطنهم بعيدا عن فيافي لحمادة، وأوهام القيادة وأحلام العسكر الجزائري". وأضاف المنتدى قائلا: أخبروا "بوليساريو" أن "كل مؤامراتهم فشلت، واخبروهم أن إسبانيا التي يتباكون عليها، ويستغلون جمعياتها ومنظماتها الإنسانية للضغط على حكوماتها في سبيل تحقيق مآربهم السياسية، لم تعد كما كانت، ولم تعد تكترث بحملات التشهير والضغط الشعبي المزيف والممزوج بالعاطفة والمبني على تزوير الحقائق التاريخية". واعتبر المنتدى المذكور أن إسبانيا دقت آخر مسمار في نعش التسول السياسي، وبأنها أنهت مسلسلا طويلا من استغلال ملف الصحراء والمتاجرة بالمواقف بناء على المصالح، وأن الأمر يتعلق بـ"إسبانيا جديدة تبني علاقاتها مع المغرب تبعا لقوانين الجوار ، واحترام وحدة البلدان ، وتعترف بحدود جارها وكامل سيادته على أراضيه". وتعززت هذه المقاربة الريادية بفضل دينامية الدعم الدولي المتنامي والصريح لمغربية الصحراء، تستلهم قوتها من الرؤية الحصيفة والمتبصرة لجلالة الملك، استنادا إلى دبلوماسية استباقية قائمة على العزيمة، والشرعية التاريخية، التي تقف حصنا منيعا في وجه الإساءات العبثية لأعداء الوحدة الترابية للمملكة. ويواصل المغرب جني الثمار في وقت يحظى فيه مخطط الحكم الذاتي للصحراء المغربية بدعم واضح لا لبس فيه، عبرت عنه أزيد من 100 دولة في العالم، من بينها الولايات المتحدة وإسبانيا وألمانيا. وفي أكتوبر الماضي، تبنى مجلس الأمن الدولي القرار 2654 الذي كرس، بشكل لا رجعة فيه، مركزية وسمو ومصداقية وجدية المبادرة المغربية للحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد لهذا النزاع الإقليمي في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية. كما عززت الهيأة التنفيذية للأمم المتحدة -ورغم معارضة الجزائر وصنيعتها "البوليساريو"- الدعم الكثيف لمبادرة الحكم الذاتي الذي عبر عنه المجتمع الدولي، وذلك في وقت قررت فيه 28 دولة إفريقية وعربية ومن أمريكا اللاتينية افتتاح قنصليات عامة لها في مدينتي العيون والداخلة. هذه الدينامية تؤكد، ومن نواح عدة، اكتمال الحقوق التاريخية للمغرب على أقاليمه الجنوبية. وتم تجديد التأكيد على هذا التكريس الواضح، أيضا، من قبل العديد من البلدان والتجمعات الإقليمية ومقدمي العرائض، الذين اعتلوا منبر اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر 2022، وخلال الندوة الإقليمية والدورة السنوية للجنة 24 التابعة للأمم المتحدة (المنعقدة في ماي ويونيو الماضيين)، للتعبير عن دعمهم للعملية السياسية والتأكيد على جهود المغرب الصادقة والجادة، التي يجسدها مخطط الحكم الذاتي. وخلال تلك الاجتماعات، أعرب السفراء وممثلو الوفود والتجمعات الإقليمية عن قناعتهم بوحدة المغرب الترابية وسيادته الوطنية على أقاليمه الجنوبية، مسلطين الضوء على مخطط الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد للنزاع الإقليمي حول الصحراء، وكذا على ديناميات التنمية الشاملة التي تشهدها هذه المنطقة العزيزة على قلوب أبناء المملكة، بفضل النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه جلالة الملك في سنة 2015. في القرار الأممي ذاته، جدد مجلس الأمن انتقاده للجزائر، وكرس، مرة أخرى، وضعها بصفتها طرفا معنيا أساسيا في النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، حاثا إياها على التعاون والانخراط إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة في إطار المسلسل السياسي للموائد المستديرة، بروح من التوافق والواقعية، وذلك إلى حين استكمال هذا المسلسل. سقوط أكاذيب الجزائر جددت الهيأة الأممية التأكيد على موقفها الثابت وموقف المجتمع الدولي، والذي ينص على أن حل هذا النزاع يجب أن يكون سياسيا، واقعيا وعمليا، ودائما، وقائما على التوافق. وعقب اعتماد القرار 2654، اعتبر عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، أن "هذا التأييد لموقف مجلس الأمن، الذي لا يكتنفه أي غموض، ينسجم مع قناعة الأمين العام للأمم المتحدة المعبر عنها في تقريره الأخير، إذ يدعو إلى تسوية هذه القضية على أساس قرارات مجلس الأمن منذ عام 2018". من جهتها، جددت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في توصيتها الأخيرة، دعمها للعملية السياسية الجارية تحت الإشراف الحصري للأمم المتحدة، من أجل تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية. وعلى غرار باقي قرارات مجلس الأمن على مدى أزيد من عقدين، لا يأتي ذكر الاستفتاء الذي تم إقباره من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وكذلك من قبل الجمعية العامة ومجلس الأمن، فاضحا أكاذيب الجزائر وصنيعتها "بوليساريو"، من خلال وصفه لقضية الصحراء المغربية بأنها "نزاع" إقليمي بين المغرب والجزائر، ولا يتعلق الأمر، بأي حال من الأحوال، بما يسمى مسألة "إنهاء الاستعمار". ياسين قطيب