تقارير وبيانات واستطلاعات رأي تؤكد أفعال القتل والاعتداء على شبهة اللون والعرق لن تغامر الأمم المتحدة بتصريح رسمي ضد وباء العنصرية المتفشي في صفوف رجال الأمن والدرك والشرطة الإدارية في فرنسا، لو لم تتوفر على معطيات وتقارير واستطلاعات رأي تؤكد ذلك بالصوت والصورة والإحصائيات. وتسجل الأمم المتحدة، ومعها منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، أن مقتل شاب فرنسي من أصول جزائرية، الثلاثاء الماضي على يد رجل أمن مسلح، هو الحادث الثالث من نوعه في ظرف ستة أشهر من السنة الجارية، بينما قتلت قوات إنفاذ القانون 13 فرنسيا، السنة الماضية، على شبهة اللون والعرق واللهجة والشكل. وتبين أحداث القتل والاعتداء وفتح النار على الصدور والرؤوس، المستمرة من سنوات في بلاد الحرية والإخاء والمساواة، أن العنصرية ضد المهاجرين والأجانب تحولت إلى "عقيدة"، لا يمكن إخفاؤها، ويذكيها الموقف المتذبذب للحكومات الفرنسية، وضمنها حكومة ماكرون، التي لم تتخذ ما تراه مناسبا لاستئصال هذه الآفة، على الأقل في صفوف سلطات إنفاذ القانون. وفي 2014، نشرت "اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان"، وهي أعلى منظمة رسمية في فرنسا في هذا المجال، تقريرا يشير إلى تفشي العنصرية في فرنسا وتغلغلها في كافة طبقات المجتمع. وأوضح التقرير أن مستوى التسامح في البلاد في تراجع مستمر منذ أربع سنوات، وأن العنصرية لم تعد تترجم باعتداءات جسدية، لكن الألفاظ العنصرية تنتشر بين "كافة طبقات المجتمع". وقبل ذلك بكثير، تورطت فرنسا في مستنقع العنصرية منذ نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين، وتحول احتقار الشعوب والمستعمرات القديمة والمهاجرين وذوي البشرات "غير النقية" إلى أهداف مشروعة للتنمر والامتهان والكراهية والتطرف التي أنتجت أجيالا من الفرنسيين، ولدوا وتعلموا واشتغلوا في فرنسا ويحملون جنسيتها، في وضعية هوياتية شديدة التعقيد. فلا حكومات فرنسا تعاملت معهم كأبناء مهاجرين لهم حقوق وواجبات، ولا قبلت أن يكونوا فرنسيين كاملي المواطنة، دون تمييز وعنصرية، وتهديد وقتل على شبهة اللون والعرق. وتستمر بعض "النخب" الإعلامية والسياسية التي "ربت أكتافها" من خيرات المستعمرات وعائداتها، في توريط قصر الإليزي في مزيد من الدماء والاحتجاجات والحروب الأهلية التي كان بالإمكان معالجتها، بطريقة مختلفة، بعيدا عن التشدد والغلو والعناد، وأقرب إلى النقد الذاتي الذي يقتضي أن تعترف باريس بأخطائها التاريخية، وتعتذر، بشكل علني وصريح، للشعوب المستعمرة. يوسف الساكت