"كرنفال" سنوي يجوب الأحياء تجسيدا لموروث ثقافي متجذر أحيت مناطق أكادير الكبير، ككل سنة، طقوس بوجلود "بيلماون بودماون"، وهو "كرنفال" يجوب مختلف أزقة وشوارع مدن الدشيرة وإنزكان وأيت ملول وأحياء بأكادير، كبنسركاو وبوتشكات، ابتداء من بعد زوال أول يوم أيام عيد الأضحى. وانطلقت الاستعدادات قبل أسبوع من بدء الاحتفالات، بعقد ندوات علمية بالدشيرة وإنزكان، أطرها أساتذة جامعيون وباحثون في التراث، واستقبال الجمعيات المنظمة للكرنفال، الشباب الراغبين في المشاركة في المهرجان الاحتفالي، كما شرع الشباب في جمع الجلود القديمة، أو الحديثة من المجازر، لخياطتها وإعدادها قبل العيد، أو شراء ملابس جاهزة تجسد شخصيات مختلف الأدوار والفئات والمهن الموجودة في المجتمع. ويعتمد هذا الشكل الفرجوي الشعبي على التنكر في جلد الماعز أو الغنم، من قبل مجموعة من الشباب، ترافقهم مجموعة أخرى تعتمد على الأقنعة وأشكال تنكرية مختلفة أخرى. وتسير هذه التظاهرة الثقافية والتراثية في اتجاه مزيد من النضج والإشعاع، ما سيساعد على الرقي بها لتصبح تظاهرة ذات بعد دولي، ما سيسمح بتنظيمها من أجل الترويج للسياحة الثقافية على صعيد عمالة إنزكان أيت ملول، وجهة سوس ماسة. وتطمح فعاليات المجتمع المدني بعمالة إنزكان أيت ملول، إلى تسجيل مهرجان "بيلماون"، الذي يشارك في إحيائه أزيد من 36 جمعية وفرق الأحياء، ضمن قائمة التراث اللامادي للإنسانية المعتمدة من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو). وفي هذا السياق، يقول محمد لشكر (36 عاما)، أحد أعضاء "بيلماون"، إن الاستعدادات لـ "بوجلود"، تبدأ مبكرا، قبل شهر من عيد الأضحى، في التخطيط والتفكير في نوعية الملابس التي سيرتديها الشباب، ووضع أفكار جديدة خاصة بالشخصيات داخل الكرنفال. وأشار لشكر إلى أن "لباس "بوجلود" يضفي إحساسا بالقوة والشجاعة، ويدفعنا إلى مطاردة الشباب والأطفال في الأزقة، وسط صراخهم، وهروبهم، خوفا من الضرب... البعض يضحك، والآخر يركض هربا من "بيلماون"، الذي قد يكون صديقا له، فيفر منه خوفا من الضرب إما بحزام جلدي، أو بقوائم الخراف". وتابع لشكر أن "إخفاء الملامح يضفي نوعا من الخوف والفضول لدى المتفرجين، ويجعل الاحتفال يتميز ويتفرد في قالب إبداعي فرجوي، لتقديم رقصات فنية على إيقاع أهازيج شعبية. وكشف لشكر أن بعض الشباب يرتدي "بوجلود"، بهدف جمع المال، بغرض مساعدة الجمعية المنظمة في ميزانية الحفل، الذي ينظم بحضور نجوم الغناء، والذي يكلف خزينة الجمعية مبالغ مهمة لتنظيم مثل هذه المهرجانات. وأوضح أحمد صابر، العميد السابق لجامعة ابن زهر، والباحث في التراث المغربي، أن الجذور التاريخية لظاهرة "بيلماون"، الموروث التراثي التنكري، تعود إلى العصور الغابرة في التاريخ. وأضاف أن الإنسان في العصور القديمة كان يعيش من الرعي والفلاحة، ويستفيد من الحيوانات ويلبس جلودها ويوظفها في حياته. وتابع صابر أن "أجدادنا مارسوا طقوس بوجلود بجلد الغنم، وحملوا قوائم الماعز، المرتبطة بالتبرك وطلب السخاء من السماء بالإضافة إلى استعمال طلاء أسود يمسح بها بوجلود وجه المتفرجين". وقال الأستاذ الباحث أحمد صابر إن احتفالية "بيلماون بودماون" أو "بوجلود" من بين الطقوس الاحتفالية التراثية، التي كاد أن يطويها النسيان، لولا يقظة المجتمع المدني، الذي حرص على إحياء هذه الاحتفالية، بتزامن مع مناسبة عيد الأضحى، إذ يشارك المئات من الأشخاص بأزياء تنكرية، في استعراض احتفالي يجوب عددا من شوارع إنزكان والدشيرة. يذكر أن اتساع رقعة ممارسة هذه التظاهرة الثقافية والفنية وسط الفئات الشعبية المختلفة، جعلها تتخذ مسميات عديدة، منها "بولبطاين" أو "سبع بوبطاين"، نسبة إلى عدد الجلود اللازمة لكساء الشخص الواحد، و"هرما"، فيما يفضل البعض الآخر تسميتها بأسماء أمازيغية، كـ "بيلماون" و"بوجلود" و"تمعزات". ورغم بعدها الفرجوي، إلا أن بعض الاعتقادات مازالت ملتصقة بها، مثل أن لمس "إيفنزي ن بيلماون" (قائمة الكبش التي يحملها بوجلود) يجلب البركة. عبد الجليل شاهي (أكادير)