لم تشكل نتائج استطلاع أجراه معهد "إيفوب فيديسيال"، حول سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون، مفاجأة للمتتبعين للشأن الفرنسي، فأغلب الفرنسيين اعتبروا أنفسهم "خاسرين"، وليسوا "فائزين" في السياسة المتبعة بفرنسا منذ انتخابه في 2017. يجسد الاستطلاع صورة عن مجتمع أصبح يرى في رئيسه عبئا عليه، بسبب فشله في تطويق الأزمات الداخلية، آخرها مشاهد النهب والسيارات المحترقة والمباني العامة ذات الواجهات المهشمة، ثم تصريحاته التي أججت الوضع، بدل أن تنزع فتيل الغضب. عقد ماكرون، بعد أيام من الاحتجاجات والغضب على مقتل الشاب "نائل" على يد الشرطة الفرنسية، ثاني اجتماع أزمة لوزرائه، أعلن بعده عن نشر قوات أمنية إضافية للسيطرة على أعمال الشغب، فيما أعلنت رئيسة الحكومة عن نشر مركبات مدرعة. وقال ماكرون، خلال اجتماع الأزمة، إن وزارة الداخلية ستعمل على حشد "وسائل إضافية" للتعامل مع الاحتجاجات العنيفة، منددا ب"الاستغلال غير المقبول" لمقتل الشاب. لم يعتذر ماكرون، كما لم يتفهم مطالب الغاضبين، واكتفى بدعوة منصات التواصل الاجتماعي إلى حذف مشاهد الشغب التي اعتبرها "حساسة"، بدعوى أن هناك "استغلالا غير مقبول لمقتل الشاب"، ثم أدان من يستغلون الوضع ومفتعلي أعمال العنف. لم يعلن ماكرون حالة الطوارئ، التي طالب بفرضها بعض السياسيين، واكتفى بإجراءات محتشمة، منها "إلغاء العديد من الاحتفالات والتجمعات في المناطق الأكثر حساسية"، ودعوته "الأسر إلى التحلي بالمسؤولية"، وقال "من الواضح أن الوضع الذي نعيشه، كما نرى، هو نتيجة جماعات منظمة وعنيفة ومسلحة في بعض الأحيان، ونحن ندينها ونوقفها وستقدم للعدالة". وتلخص تصريحات ماكرون سياسته المتشنجة، التي لا توقف الغضب، بل تصب الزيت على النار، إذ حمل ماكرون أسباب الاحتجاجات إلى الوالدين وقال "تقع على عاتق الوالدين مسؤولية إبقاء أبنائهم في المنزل، والجمهورية ليست مكلفة أن تحل محلهم"، متوقعا من منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية أن تتحلى "بروح المسؤولية"، مشيرا، على وجه الخصوص، إلى "سناب شات" و"تيك توك"، حيث تنظم "تجمعات عنيفة تبعث على نوع من محاكاة العنف، مما يؤدي إلى قيام الأصغر سنا بالتصرف بعيدا عن الواقع"، حسب قوله. وقال ماكرون "نشعر أحيانا بأن بعضهم يمثل في الشارع ما يحدث في ألعاب الفيديو التي سممتهم". وقال إنه سيتم "طلب الحصول على هوية أولئك الذين يستخدمون هذه الشبكات الاجتماعية للدعوة إلى الفوضى أو تكثيف العنف". إنها السياسة "الماكرونية" التي ترفض الاعتراف بتنامي العنصرية أو عنف الشرطة أو العجز عن إدماج الفرنسيين المهاجرين، وتلقي باللوم على الأسر وألعاب الفيديو. خالد العطاوي