اختتام فعاليات مهرجان كناوة بلمسة أنثوية أسدل الستار، مساء أول أمس (السبت)، على فعاليات الدورة الرابعة والعشرين لمهرجان كناوة موسيقى العالم، الذي احتضنته الصويرة على مدار ثلاثة أيام، وتواصلت خلال اليوم الأخير لحظات المزج الموسيقي بين تاكناويت وأنماط عالمية تعكس قدرة هذا الفن التراثي على الانفتاح على مختلف التجارب الموسيقية الإنسانية. في هذا الخاص تأخذكم "الصباح" إلى جانب من أجواء اليومين الأخيرين للمهرجان. إنجاز: عزيز المجدوب ـ تصوير: عبد المجيد بزيوات (موفدا "الصباح" إلى الصويرة) حملت الأمسية الختامية لمهرجان كناوة موسيقى العالم، بصمات أنثوية من خلال مشاركة فرقة "أمازونيات إفريقيا"، التي تضم عازفات ومغنيات من دول إفريقية مختلفة، اخترن الالتئام على خشبة منصة ساحة مولاي الحسن، رفقة فرقة "بنات تومبوكتو" المغربية التي تترأسها المعلمة الكناوية الشابة أسماء الحمزاوي. واستطاعت الفرقتان تحريك وجذب تفاعل واهتمام الجماهير التي غصت بها الساحة، من خلال استعادة المشترك النغمي الإفريقي، بين فرقة "أمازونيات إفريقيا" التي تشكلت نواتها قبل تسع سنوات من خلال تقارب بين ثلاثة من رموز التغيير الاجتماعي بمالي: ماماني كايتا وأومو سانغاري ومريم دومبيا تحت إشراف المنتجة الموسيقية فاليري مالو. والتحقت بهذه النواة الفنانة البينينية أنجليك كيدجو لتنطلق تجربة فنية ببصمة نسائية، بخلفية إنسانية ونضالية تروم الدفاع عن النساء المعنفات ومحاربة المساس بسلامتهن البدنية والنفسية، عبر توظيف قالب فني يجمع بين التقاليد الغنائية المحلية والموسيقى الالكترونية والفانك والبلوز، وهو الأمر الذي عكسته وصلتهن الغنائية أمام جمهور المهرجان، إذ اخترن تقديم نماذج من أغاني ألبومي "أمازون باور" و"جمهورية أمازون" المتسمين بقوة العطاء والأداء الاحتفالي. أما أسماء الحمزاوي فاستطاعت أن تظهر للجمهور أن اقتحامها لفن "تاكناويت" الذي كان حكرا على الذكور، لم يكن محض صدفة ومجاملة لمبدأ المناصفة، بعد أن استطاعت ترويض الجموع الغفيرة التي حجت إلى ساحة مولاي الحسن، وجعلتها تتفاعل مع نبرة صوتها وسنتيرها وإيقاعات مرافقاتها من فتيات اخترن التعبير عن أنفسهن موسيقيا عبر فن كناوة. وقبل ظهور اسم الحمزاوي قبل حوالي ست سنوات، كانت هذه الفتاة العشرينية تجر خلفها خبرة مبكرة، من خلال تشبعها بتقاليد الأداء الكناوي رفقة والدها المعلم رشيد الحمزاوي، الذي تدرجت في كنفه على سبر أغوار عوالم هذا الفن الغرائبي المفعم بالطقوس والأسرار. ووضع المعلم حميد القصري تجربته الفنية رهن إشارة المجموعتين النسائيتين، حين اختار الظهور رفقتهما في لحظة مزج موسيقي شكلت إحدى أقوى لحظات الأمسية الختامية، ليتواصل حضور القصري من خلال الانتقال إلى مزج آخر رفقة عازف الساكسفون الأمريكي، جليل شاو، ليعاد اكتشاف مجاهل جديدة تؤدي إلى الربط بين فن كناوة والجاز ذي الأصول المشتركة والمزاج المتقارب، بمشاركة العازف والموسيقي الألماني توريستن دو وينكل ومصطفى عنتاري. على برج باب مراكش ما يستحق الحياة اعتلت فرقة "الثلاثي جبران"، أول أمس (السبت)، منصة برج مراكش بعيدانها وأنغامها الشرقية التي تنتظم تارة في أنغام محددة وهي تستعيد مقاطع من الأنغام العربية لأغاني محمد عبد الوهاب، وتارة تستسلم للارتجال والأنغام المرسلة التي تعتمد على مواهب أعضاء الفرقة الفلسطينية وملكاتهم في التعبير الحر على وقع إلقاء قصائد محمود درويش الذي ترتبط به الفرقة وجدانيا وفنيا. كان عدنان عضو "الثلاثي جبران" يردد مقاطع درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة :تردد إبريل، رائحة الخبزِ/ في الفجر، آراء امرأة في الرجال/ كتابات أسخيليوس ، أول الحب/ عشب على حجرٍ، أمهات تقفن على خيط ناي/ وخوف الغزاة من الذكرياتْ". ويواصل "على هذه الأرض ما يستحق الحياة: نهاية أيلول، سيدة تترك الأربعين بكامل مشمشها/ ساعة الشمس في السجن/ غيم يقلد سربا من الكائنات/ هتافاتُ شعب لمن يصعدون إلى حتفهم باسمين/ وخوف الطغاة من الأغنياتْ". كانت روعة الإلقاء الشعري لا تقل جمالية عن الأنغام الموقعة بعيدان الأشقاء جبران، الذين يجوبون العالم مسكونين بهم القضية الفلسطينية التي تطفو وترشح على منجزهم الفني الذي مع ذلك يصر على أن لا يقطع الصلة مع الجانب الإبداعي الخالص الذي يشكل جواز مرورهم إلى الجماهير التي تتفاعل مع أنغامهم. بين المقطع والآخر لا يتردد عدنان، عضو الفرقة، في التذكير بأنهم رغم فلسطينيتهم التي تغلف أداءهم إلا أنهم يسعون إلى الانفتاح على العالم بكل أبعاده الإنسانية قائلا "لا أريد أن أكون ضحية ولا بطلا بل نحن فنانون". تاكناويت للجميع توزعت الوصلات الموسيقية الكناوية على مختلف المنصات والفضاءات التي خصصها المنظمون لتحتضن فقرات المهرجان، مع إفراد مساحة خاصة للفنون التراثية الأخرى، كما هو الشأن بالنسبة إلى فنون أحواش وعيساوة التي حضرت بساحات المدينة. كما دفعت الأجواء العامة للمهرجان، للشباب الذين غصت به المدينة إلى استخراج مكنوناتهم الموسيقية، والالتفاف في حلقات مصغرة عبر مختلف أزقة وأركان المدينة العتيقة، التي تحولت إلى فضاءات مفتوحة في وجه العازفين ومن يلتمسون الطريق في درب تاكناويت وهم يجربون شغفهم أمام المارة الذي يتحلقون حولهم ويتفاعلون مع إيقاعاتهم وأنغامهم. كانت بقيــة المنصات على موعد مع حفلات مزج أخرى، منها منصة "الشاطئ" التي احتضنت حفلا لمجموعة "كناوة ديفيزيون" امتد إلى غايات الساعات الأولى من الصباح. كما خطفت مجموعة "هوبا هوبا سبيريت" الأضواء في أمسية الجمعة الماضي، بعد غياب لسنوات، إذ غنت المجموعة، التي تمزج بين الروك والريغي وتاكناويت، على مدار أزيد من ساعتين باقة من أشهر أغنياتها، منها "فهاماتور" و"سوبر قايد" وغيرهما من القطع التي جعلت جمهور الساحة يصدح بها خلفها بصوت واحد. عدنان: موسيقانا وقضيتنا واحدة عضو «الثلاثي جبران» يتحدث عن حضور فلسطين في تجربة المجموعة قال عدنان جبران إن فلسطين تحضر في المنجز الفني لتجربة "الثلاثي جبران" باعتبارها جزءا لا يتجزأ من هوية أفراد المجموعة التي تضم شقيقيه وسام وسام، وتحدث الفنان الفلسطيني عن حدود الفني والسياسي في تجربتهم وأشياء أخرى تجدونها في الحوار التالي: هل تسافر "فلسطين" مع المجموعة باعتبارها قضية إنسانية وسياسية أم مخزونا فنيا ونغميا؟ الاثنان طبعا، فنحن كمجموعة من فلسطين، ومخزوننا الفني هو المكان الذي أتينا منه، وهذا المخزون يشمل فلسطين وسوريا ولبنان ومصر والعراق وحتى تركيا، للأسف لم يكن لدينا اطلاع كاف على الموسيقى المغربية التي بتنا نكتشفها تدريجيا ونتعرف عليها من خلال التظاهرات والمشاركات الفنية هنا. هذا المخزون الفني من المؤكد أن له طابعا إنسانيا وسياسيا، لأنه أيضا قضيتنا وقصتنا. ألا توجد هناك إمكانية للفصل بين ما هو فني وما هو سياسي؟ مستحيل، لأن قضيتنا تنبع من المكان الذي أتينا منه، ومن معاناة الفلسطيني وانفعالاته في مستوياتها المختلفة، كل هاته الأحاسيس تترجم من خلال الموسيقى، فمن الصعب الفصل بين إنسانيتنا وقضيتنا وموسيقانا فهي واحدة. ألا ترى أن الجانب الإبداعي في الفن الفلسطيني يكاد يختفي خلف الخطابات السياسية؟ للأسف هذه المسألة صحيحة، وأكثر من ذلك فالفنان يجد نفسه مجبرا ليقدم موسيقى تتحدث عن القضية، أو لها طابع من ألوان علم فلسطين أو الكوفية. نحن نحاول، ما أمكن، أن نتجرد فنيا من كل هذا، لأن الطموح إلى العالمية يقتضي تقديم شيء يصل بشكل سهل وواضح للمتلقي من خلال الموسيقى التي هي فن عاطفي وإنساني بالأساس، وهذه هي أكبر مقاومة يمكن أن تكون. ألا ترى أن معالم الفن الفلسطيني لما قبل النكبة (1948 قد تعرضت لنوع من الطمس؟ الأسماء التي أسست لمعالم هذا الفن، خاصة من خلال تجربة إذاعة القدس، هاجرت خلال فترة الثلاثينات، إلى دول عربية مختلفة منها العراق وسوريا ولبنان ومصر والأردن، وساهمت في النهضة الفنية لهذه الأقطار وحضرت فيها بصمتها بشكل واضح في مجالات فنية مختلفة، وهذا ما أعتبره بمثابة تعويض للأرشيف الفسلطيني الضائع الذي يحضر بشكل أو بآخر من خلال إبداعات هؤلاء. الملاحظ من خلال الحفلات التي تقدمها الفرقة هنا في المغرب أنه تحضر فيها الموسيقى الشرقية بشكل عام، لكن لا نجد البصمة الفلسطينية التراثية بشكل واضح... هناك فنانون فلسطينيون آخرون يقدمون هذه الأنماط التراثية، ونحن في بعض الأحيان نوظفها في أعمالنا ونقدمها في سياقات فنية أخرى حسب نوعية المهرجانات التي نشارك فيها، ونحن في المقابل نسعى للتأسيس لثقافة مستقبلية فلسطينية من خلال التفاعل موسيقيا مع ما نعيشه حاليا، فما نقدمه اليوم قد يصير بعد أربعين سنة تراثا. العود آلة موسيقية فردية بامتياز وأنتم تقدمونها جماعيا، كيف تدبرون هذه المسألة تقنيا وفنيا؟ لأننا ثلاثة إخوة فنحن نعرف بعضنا البعض جيدا، ولا نتصرف بنرجسية خلال الأداء، ونقدم أداءنا بشكل متكامل، كما أن مساحة الارتجال تشكل جسرا للانتقال من مرحلة إلى أخرى.