شباب يقتحمون تكوينات يرتقب أن تنقل المملكة إلى مرحلة جديدة وجد المغرب نفسه بعد عقود من الاستقلال، أمام معضلة حقيقية، تتمثل في بطالة الشباب، دفعته في السنوات الأخيرة، إلى تغيير ملامح اقتصاده، الذي كان إلى عهد قريب يعتمد على الفلاحة، لكن ابتداء من 2015، تغير كل شيء، إذ قررت الدولة التوجه إلى خيارات صناعية، وما يقتضيه الأمر من تكوين كفاءات تمتلك مهارات التصنيع. وتوج هذا المسار الإصلاحي، الذي انطلق منذ 8 سنوات، بإطلاق مدن المهن والكفاءات، في 12 جهة، وظهر الملك قبل أيام يدشن مدينة المهن والكفاءات بتامسنا، وهي واحدة من 12 مدينة موزعة على جهات المملكة، إذ انطلقت الدروس منذ مدة في بعضها، من قبيل أكادير التي انطلقت فيها الدراسة في الموسم الجاري. ورغم أن التكوين المهني الحديث مهم للغاية، وجل الدول تعتمد عليه في تأهيل عمالها الموجهين للقطاع الصناعي، فإن المغرب لم يدرك أهمية هذا الأمر إلا متأخرا، إذ كنا نكون المهندسين في المدارس العليا، دون أن نوفر لهم مناخا استثماريا قادرا على استيعابهم، كما أن التكوين المهني كان في العقود الماضية، يركز على المهن العادية والبسيطة، مثل النجارة والحدادة والكهرباء وما شابهها. ويرتقب أن تساهم مدن المهن والكفاءات، في تخريج كفاءات عالية تعمل في المصانع الكبرى، التي وقعت الحكومة اتفاقيات بشأنها، ناهيك عن النسيج الصناعي الحالي، المتمثل في الصناعات الغذائية وصناعة السيارات وأجزاء الطائرات. وأهم ما يميز إصلاح التكوين المهني، أنه يراعي حاجيات الجهات وإمكانياتها، إذ تتنوع التخصصات من جهة إلى أخرى، وهناك تخصصات عابرة للجهات، من قبيل السيارات وتخصصات الجودة وخدمة الأشخاص وغيرها. وسيرسم آلاف الطلبة الذين سيتم تكوينهم كل سنة في هذه المدن الجهوية ملامح المغرب الصناعي، الذي يطمح إلى استيعاب جيوش العاطلين، الذين أصبحوا يشكلون عائقا أمام تقدم الدولة، إذ لا يساهمون في الإنتاج الوطني رغم كثرة أعدادهم، والسبب انحصار خيارات التكوين في الماضي، وكان التلاميذ المنقطعون عن الدراسة لا يجيدون بدائل حقيقية. الأمر نفسه بالنسبة إلى الحاصلين على الباكلوريا الذين يتوجهون قسرا إلى الجامعات، بسبب عدم قبولهم في المدارس العليا، ويضطرون لدراسة حقول معرفية لا تشغل. ويمكن القول إن ما وصلنا إليه اليوم، مع مدن المهن والكفاءات، والإمكانيات والفرص الكبيرة، التي بدأت ملامحها في الظهور بالمغرب، تعود إلى السؤال الذي طرحه الملك، في خطاب العرش في 2015، عندما قال "هل التعليم الذي يتلقاه أبناؤنا اليوم، في المدارس العمومية، قادر على ضمان مستقبلهم؟". وقال الملك حينها، "إن إصلاح التعليم يجب أن يهدف أولا إلى تمكين المتعلم من اكتساب المعارف والمهارات، وإتقان اللغات الوطنية والأجنبية، لاسيما في التخصصات العلمية والتقنية التي تفتح له أبواب الاندماج في المجتمع، كما أن الإصلاح المنشود لن يستقيم إلا بالتحرر من عقدة أن شهادة الباكلوريا هي مسألة حياة أو موت، بالنسبة إلى التلميذ وأسرته، وإن من لم يحصل عليها ضاع مستقبله". عصام الناصيري