تتفرج الدولة والحكومة ومؤسسات الرقابة على ملايير الدراهم التي تذهب إلى الجيوب، بسبب التجارة القذرة للفواتير الصورية، التي اغتنى منها البعض، وتحولت، مع مرور الأيام، إلى اقتصاد أسود ينخر البلد. قطاع مشبوه، يمارسه أصحابه في واضحة النهار، دون رادع، بل إن المديرية العامة للضرائب تتوفر على معطيات مرقمة بالغة الخطورة، تتحدث عن 50 ألف مقاولة، ينحصر نشاطها في هذه الممارسات المنافية لأبسط شروط المواطنة. فماذا تنتظر الحكومة وأجهزتها للضرب بيد من حديد على هذه الفئة المفترسة، التي تعيش في رخاء تجارة متسخة، دون أي عائد، أو قيمة مضافة على الاقتصاد والشعب، وعلى ميزانية الدولة التي تقتات من القروض الدولية، وتعيش عجزا مزمنا بين الموارد والنفقات؟ فلسنا نحن من سيرشد الحكومة إلى مكامن الخلل ومواطن العطب، لأنها، بكل تأكيد، تتوفر على المعطيات والأرقام والأسماء والشركات التي أسست لنفسها واقعا اقتصاديا وتجاريا يناسبها، وتساهم في تهديد السلم الاجتماعي وتوسيع الفوارق الخرافية، بين فئات الشعب، فئة تعيش على الفتات والدعم الاجتماعي وصندوق المقاصة، وأخرى تعيش فوق السحاب، باستعمال عائدات الأموال القذرة. ليس لدينا أي حرج في وصف ما يجري اليوم، أمام أعين الجميع، بالتجارة القذرة، وهي فعلا كذلك، وربما أكثر، لأنها تحرم ميزانية الدولة من موارد مالية مهمة، كان من المفروض أن توجه إلى بناء المدارس والكليات والمستشفيات والبنيات التحتية، وتعزز أمن المواطنين وجودة عيشهم. تجارة قذرة، لأن هذه الفئة من محترفي الغش والتملص الضريبيين تلحق أضرارا بالغة بالنسيج الاقتصادي، لأن المقاولات المواطنة الملتزمة بواجباتها الضريبية تجد نفسها أمام منافسة غير متكافئة، من قبل الشركات التي تستعمل هذه الفواتير للتملص من أداء واجباتها. تجارة قذرة، لأنها تحرم فئات اجتماعية من خدمات، كان من المفروض أن تؤمن لها على الوجه الأمثل، لو لم يكن هذا الصنف من مقاولات الاتجار في الغش الضريبي، ولو تم أداء الضرائب المستحقة كاملة وفي وقتها. صحيح أن الفصل 192 من المدونة العامة للضرائب يرتب عقوبات على إصدار فواتير صورية، تتمثل في غرامات تتراوح قيمتها بين 5 آلاف درهم و50 ألفا، وعقوبة حبسية بين شهر وثلاثة أشهر، لكن هذه العقوبات تظل، بالنظر إلى جنس العمل والأضرار الناتجة عنه، رحيمة ولا يمكن أن تشكل عنصر ردع، ما يفسر انتشار هذه الممارسات، رغم المجهودات المبذولة، من أجل رصد ومتابعة المتاجرين بالفواتير الصورية ومستعمليها. إنها مسؤوليتكم، يا نواب الأمة، يا ممثلي السلطة التشريعية، للتحلي بالجرأة اللازمة والوطنية الحقة، لسن قوانين أكثر تشددا تضع مثل هذه الممارسات ضمن خانة الجنايات، كما يتعين عليكم تمكين المديرية العامة للضرائب من كل الصلاحيات المطلوبة، لمتابعة ناهبي أموال الضرائب، على غرار ما هو معمول به في البلدان المتقدمة، التي تعتبر الغش الضريبي من الأفعال الجسيمة التي تقتضي الردع. الكرة الآن بيد السلطتين التشريعية والتنفيذية، والأمر لا يتطلب تكاليف إضافية. ..فقط إرادة سياسية حقيقية. فهل أنتم فاعلون؟