تلهو إيران وأمريكا وإسرائيل، هذه الأيام، بالمفاعلات النووية والصواريخ البالستية، والرؤوس المحملة بالقنابل الانشطارية، والأخرى المخترقة للدروع والتحصينات والجبال، مثلما تلهو بألعاب وهدايا "كريسماس" و"عاشوراء" و"هالوين". يلعبون بالمدمرات والطائرات المضللة لـ"الرادارات"، ويبارزون بعضهم بأحدث أنواع الصواريخ فتكا بالبشر والحيوان والحجر، وأقدرها على الوصول إلى المستشفيات ومقرات المنظمات الإنسانية ومخازن الدواء والأغذية، ويتباهون في المساء، بعدد القتلى في صفوف الأطفال والعجزة والشيوخ والحوامل والأجنة في الأرحام. لقد جن العالم بالفعل، ولم يعد القابضون على الأزرار الحمراء يتورعون، أو يخافون، أو لهم بقية "عقل" لتقدير أحجام المخاطر والجحيم، الذي يكاد يفتح في وجه ملايين السكان والمدنيين، الذين يعيشون قرب محاور تلتهب نارا ودخانا وأشلاء في حرب قذرة للسيطرة على العالم، بقوة الإشعاع والتدمير والحرق النووي للبشر والطبيعة والبيئة. تصورت ابتكارات الذكاء الاصطناعي الرئيس الإسرائيلي في هيأة طفل يرتدي حفاظات، وهو يلاعب المرشد الإيراني بعمامته ولحيته، على رقعة صواريخ، ويعيثان في بعضهما سفكا ودمارا وقصفا بلا هوادة، تحت "رعاية" رؤساء "مبتسمين" من أمريكا وروسيا وفرنسا والصين، وحتى كوريا الشمالية وباكستان والهند، وباقي الدول الأولى التي يحتمل أنها وصلت إلى درجات متقدمة في مشروع تخصيب قنابل ذرية، أو تملكها بالفعل. إنهم يزجون أوقاتهم في اللعب بالرؤوس المحملة بالمواد المشعة، ويتفاوضون، بسخاء، على الفناء الأبدي، وعلى قصة "مبهرة" لنهاية العالم، وهذه المرة في الواقع، وليس في الخيال، كما تصوره مخرجون أمريكيون، منذ 2004، في أفلام، مثل "اليوم قبل الغد" لمخرجه رونالد إميريديش، وفيلم "2012" للمخرج نفسه، وفيلم "حرب العالم إكس"، و"عدوى" و"حرب العوالم"، أو "أنا أسطورة" للممثل الأمريكي ويل سميث، الموجود الآن في المغرب، ضمن فعاليات مهرجان "موازين". كانت مجرد أفلام من صنع الخيال ولا علاقة لها بالحقيقة، لكن ما يجري، منذ أشهر، هي الحقيقة المطلقة، والعالم يقترب، رويدا، من سيناريوهات جهنمية، لم تترك لأحد حق الفرز بين غالب ومغلوب، أو بين منهزم ومنتصر، لأن من سيكتب التاريخ في النهاية، هو الرماد. حرب لتكسير العظام والرقاب وقطع الشرايين حتى آخر قطرة، لا فرق فيها بين الجنود والمدنيين، وبين الثكنات والمنشآت العسكرية والمدنية والصناعية والمؤسسات الصحية، ولا نعتقد أن فردا في العالم، مهما بعد، في منأى عن تداعياتها الخبيثة. ونكاد نجزم بأن العالم ينقسم، اليوم، إلى بؤر مشتعلة (روسيا/أوكرانيا، حرب السودان، حرب غزة، إيران وإسرائيل)، وأخرى على وشك الاشتعال (باكستان/الهند، مصر/أثيوبيا، المغرب/الجزائر، كوريا الجنوبية/كوريا الشمالية، الصين/تايوان)، دون الحديث عن بؤر الالتهاب الدائمة في إفريقيا وجحيم الانقلابات والحروب الأهلية، المتحكم فيها من عواصم أوربا وأمريكا وروسيا. في كل مكان، خرائط بشعة من القتل والتشريد والتجويع، وقوافل طويلة من الهاربين من الفتك، والمهجرين قسرا من ديارهم وأراضيهم، والباحثين، دون جدوى، عن أقرب نقطة "سلام". هكذا يبدو العالم المتحضر من فوق. دمار ورماد وسحب دخان، وخيارات محدودة: فمن لم تقتله قنبلة طائشة، سيموت لا محالة بصاروخ مبرمج بالذكاء الاصطناعي.