النقص في ماء الشرب يغضب سكان أقاليم فاس الذين يحتجون من أجل قطرة ماء يتهدد الجفاف استقرار سكان بوادي كل أقاليم جهة فاس، ممن لم تعد أوضاع قراهم مهيأة لاحتضانهم، ليس بسبب ضعف المنتوج الفلاحي أو تراجع عدد الأشجار المثمرة، فحسب، بل بسبب ندرة الماء الشروب، خاصة أن المئات منها تعيش أزمة عطش تستفحل تدريجيا بعد جفاف كل منابع المياه، ما ضاعف معاناتهم للحصول على هذه المادة الحيوية. لم تتجاوز التساقطات المطرية لنهاية مارس الماضي، 284 ملميترا، بأقل من 100 ملميتر عن السنة الطبيعية. ولن تكفي الكمية لإحياء عيون وآبار جفت بسبب توالي سنوات الجفاف، ما يعقد حصول سكان القرى على الكمية الكافية من الماء للشرب وتوريد ماشيتهم التي تخلى الكثير منهم عنها مكرهين لعدم قدرتهم على الوفاء بحاجياتها. الأمطار لم تتهاطل منذ فبراير الماضي، والفلاحون عادة ما يراهنون على أمطار شهر مارس لإحياء العيون، ما يجعل حلمهم بذلك يتبخر تدريجيا إلى حد يجعلهم يفكرون في الماء وطرق توفيره أكثر من تفكيرهم في حيل الحصول على لقمة عيش أفراد أسرهم، أمام قلة الإنتاج الفلاحي للحبوب والقطاني الغذائية والخضروات الشتوية والربيعية. وأمام عجز السلطات عن تعميم توفير مياه الشرب على سكان كل القرى في الأقاليم التسعة بالجهة، في مشاريع يمكن أن تكون بديلة عن جفاف العيون والآبار، يبقى سكانها تحت رحمة مبادرات غير كافية لتوزيع الماء عبر صهاريج مجرورة، اقتنت ووزعت منها غرفة الفلاحة، 150 صهريجا مائيا من سعة ألفي لتر للتنظيمات المهنية. تلك الصهاريج وأخرى، غير كافية لتوفير كل احتياجات القرى من الماء الشروب وتوريد ما تبقى من ماشية، وقد تستثني بوادي بعيدة غير مربوطة بطرق، تزداد معاناة سكانها للتزود بالقليل من الماء في رحلات يومية لا تنتهي، تبدأ فجرا وتتواصل طيلة اليوم إلى حيث يوجد الماء، ينقلونه على ظهور الحمير والبغال بطرق أقرب إلى البدائية. وتعتبر الدواب والصغار أكبر ضحايا البحث اليومي عن قطرات الماء، يقضون يومهم سعيا وراء القليل منه على حساب راحتهم وما قد يهددهم من مخاطر، سيما أمام تسجيل حالات غرق وسقوط في آبار أو برك، في حوادث مؤلمة توفي فيها 6 أشخاص في أقل من شهر السنة الماضية، خاصة ببني وليد وبوهودة وتيسة وغفساي. وإن كانت فئة من سكان القرى تعتمد على إمكانياتها الشخصية لحفر آبار بديلة، فإن أخرى تقف عاجزة في بحثها عن الماء، تقطع كيلومترات لأجل القليل منه، بينما فئة ثالثة خرجت للاحتجاج أملا في تدخل رسمي ينقذهم على غرار سكان لواتة بصفرو، الغاضبين بسبب استنزاف مياه عين بشكل أغضبهم وأخرجهم في مسيرات احتجاجية. أما سكان عين عشبون بجماعة بورد بتازة، فاستنجدت بوزير الماء والتجهيز، لوقف معاناتهم التي يتخبطون فيها جراء ندرة وشح مياه الشرب، متمنين إيجاد حل ناجع للمعضلة في أقرب الآجال. وقس على ذلك معاناة سكان الربع الفوقي الذين خرجوا في مسيرات تقدمتها دواب محملة بقنينات الماء الفارغة، شكلا احتجاجيا يتكرر بعدة أماكن. سكان دوار أولاد لخريف بجماعة عين معطوف بدائرة تيسة، بدورهم احتجوا أمام عمالة إقليم تاونات في وقفة اختاروا لها شعار «لا ماء لا طرق، ما عندنا حقوق». فيما ينذر الصيف المقبل باحتجاجات أخرى قد تطول نسبة كبيرة من القرى الغارقة في التهميش، قد تخرج للاحتجاج ليس على الغلاء والتهاب الأسعار، إنما لأجل «قطرة ماء». ورغم أن أغلب أقاليم الجهة، غني بالموارد المائية، إلا أن سوء استثمارها يعقد سد حاجيات السكان من مياه الشرب والسقي، ما يجعل حتى مراكز حضرية تئن تحت وطأة النقص الكبير، سيما في فصل الصيف، والمشكل قد يصبح عويصا على المدى القريب أو المتوسط إن لم يتم تداركه بالمنزل ورباط الخير ورأس تبودة وتاونات وبولمان. حميد الأبيض (فاس)