أوراق من تاريخ الحماية 4 مكلف بدراسة القضايا الخاضعة لاختصاصه ويقترح حلا لها لدى وزارة العدل في إطار الاهتمام المتواصل بالكتابة التاريخية التي تؤرخ لمرحلة الحماية، دأب الدكتور سعيد لحسايني، الباحث في تاريخ المغرب، على النبش في وثائق الأرشيف الفرنسي، للوقوف عند تعاطي الإدارة الاستعمارية مع المؤسسات والأنظمة المغربية. واختار الباحث إطلاع قراء "الصباح" على كيفية تعاطي سلطة الحماية مع موضوع النظام القضائي المغربي، من خلال تقديم مضامين تقرير أعده الكاتب العام للحكومة الشريفة غايار، إلى المقيم العام الجنرال ليوطي ممثل الحكومة الفرنسية بالمغرب، بتاريخ 12 دجنبر1915، والذي يحمل عنوان "إعادة تنظيم العدالة المغربية". إعداد: برحو بوزياني بمقتضى "ظهير7يوليوز1914"، فإن وظائف: الفقيه (المفتي)، والعدول (الموثقون)، والوكلاء (وسطاء قضائيون)، تخضع لقواعد التوظيف والتأديب، والمحافظة على الوثائق الحقيقية، التي لم يتبق منها، أي أثر لها من ذي قبل، وتأمين عملية مسك السجلات، وتعيين محررين من أجل كتابتها وضبطها، بمقابل تحكيمي، تكون تسعيراته محددة، والمسطرة الواضحة، المستعملة أمام "محاكم الشرع" يجب أن تكون مدققة بطريقة جيدة، لتفادي تعريض الملفات، مستقبلا، للتكديس مطولا بسبب مظاهر التماطل والإهمال. وفي النهاية، حدد النظام الجديد موضوع المراقبة التي ستخضع لها هذه المحاكم في عملها، والطرق التي يمكن اتباعها للطعن في أحكامها. وحول هذه النقطة الأخيرة، ظهرت بعض العقبات التي يصعب تجاوزها، فقانون الشرع لا يقبل، نتيجة ذلك، إلا قاضيا واحدا، ومن جهة أخرى، فالسلطة النهائية للشيء المقضي به غير معروفة في الممارسة القضائية، وكل قاض بإمكانه مراجعة حكم قاض آخر. وفي ظل تلك الظروف لا يمكن الحديث عن إنشاء محاكم حقيقية للاستئناف. فقمنا إذن بتأسيس المجلس الأعلى للعلماء أو فقهاء القانون تابع للمخزن، ومكلف بدراسة القضايا الخاضعة لاختصاصه ويقترح حلا لها لدى وزارة العدل، المفوض لها البت والحكم النهائي باسم السلطان، الذي يعتبر قاضي القضاة بصفته خليفة للمسلمين والزعيم الروحي للأمة الإسلامية. ويتألف المجلس الأعلى للعلماء من 3 أعضاء رسميين و2 إضافيين، إذ أنه يعوض جمعيات أو هيآت المستشارين التي كان السلطان قديما، يعهد إليها بدراسة القرارات والأحكام القضائية ضد تلك التي كانت تسمى في العدل "الحكم السيادي للملك". إنه بمثابة تأسيس جهاز ثابت ودائم، وبالمقابل يبسط إرسال القضايا، ويؤمن تكوينا منسجما للاستشارات القضائية، كما يمنع الاختيار الاعتباطي والتحكمي أو التوجهي للعلماء المدعوين لدراسة وتحليل هذه القضية أو تلك، ويُعيَّنُ المجلس الأعلى بعناية فائقة، مما يسمح باختيار العلماء المتمتعين بسمعة أفضل، ويحظى بتعيين مندوب له لدى الأمانة العامة للحكومة الشريفة. إن مراجعة الأحكام تكون منظمة بطريقة تضمن في الوقت نفسه المصداقية في القضايا والأحكام وثقة المتقاضين، كما يتمتع بوسيلة ممتازة في مراقبة طريقة عمل القضاة وقيامهم بوظائفهم. وترفع أمامه أيضا، كهيأة استشارية، الأحكام الاستئنافية المطعون فيها من قبل الأجانب في المادة العقارية حاليا، أما قبل ذلك، فكانت تعهد لممثل السلطان في طنجة. ومع ذلك صدر في 20 دجنبر 1913 ظهير يعطي لوزير العدل سلطة الاطلاع عليه في مكان ومنزلة وزير الشؤون الخارجية، والذي تمت مراجعته بنص الفصل 11 من"معاهدة مدريد لسنة 1880". من جهة أخرى، تم اتخاذ إجراءات بهدف تسهيل وتفعيل نظام القضايا العقارية، ودعت دورية السلطات الفرنسية للمراقبة والسهر على سير المسطرة، وتم تأسيس لجنة تقنية مهمتها التنقل إلى الأماكن لمعاينة وضعية العمارات والعقارات، موضوع الدعوى، بحضور قاض، يتم تزويده بالوثائق والعناصر الأساسية والواضحة، وكان لتلك اللجنة أهمية كبرى، وتعمل على تأمين نظام ودِّي للعديد من القضايا الهامة التي كانت في مشكل دائم. ولكن الحل الحقيق لتلك القضايا كان واضحا في ترقيم العمارات الذي وضع حدا نهائيا لكل الاحتجاجات، وقد تم تطبيق تلك المسطرة بشكل مضبوط ودقيق الشيء الذي جعله معتمدا من قبل المحاكم الفرنسية في المادة العقارية ومن قبل تنظيمات مثل اللجنة التي نحن بصدد الحديث عنها.