عدم التنسيق بين المتدخلين وغياب نظام للتمويل والمتابعة وانعكاسات وخيمة على المردودية يعتبر النقل المدرسي بالوسط القروي، عاملا مؤثرا في الحياة المدرسية والعملية التعليمية، لارتباطه بمردوديتها، إذ يندرج ضمن آليات الدعم الاجتماعي الموجه لتذليل بعض المعيقات السوسيو-اقتصادية والجغرافية التي تحول دون تمدرس الأطفال المتحدرين من أسر معوزة، والمساهمة في تعزيز تكافؤ الفرص في الولوج إلى التعليم الإلزامي، وتقليص الهدر المدرسي والانقطاع المبكر عن الدراسة، خصوصا في صفوف الفتيات. ويتميز تدبير مرفق النقل المدرسي في الوسط القروي بتدخل عدة أطراف، منها الجماعات المحلية والجمعيات، إضافة إلى مجالس الجهات والعمالات والأقاليم، والمديريات الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة والأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. واقتنت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في الفترة الممتدة من 2005 إلى 2021 حوالي 2900 حافلة للنقل المدرسي، بمعدل حافلة لكل 50 تلميذا، غير أن تدبير هذا المرفق بالوسط القروي، حسب وزارة الداخلية، يواجه مجموعة من التحديات، أهمها غياب نموذج للتدبير يحدد الإطار المؤسساتي والمالي، ما يترتب عنه ضعف التنسيق بين مختلف الفاعلين، ويشكل عائقا لضمان جودة واستدامة خدمة النقل المدرسي. ولأجل ذلك، تنجز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية دراسة تشخيصية أولية حول تدبير أسطول الحافلات التي تم اقتناؤها، لوضع رؤية شاملة تمكن من تجويد وضمان استدامة المرفق. من جهتها، أكدت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بأنها تعمل بتنسيق مع باقي الشركاء من أجل اقتراح حلول ناجعة ومستدامة في هذا المجال، في إطار تحقيق التكامل مع باقي مكونات سلة الدعم الاجتماعي، قصد تحسين مؤشرات التمدرس والحد من الهدر المدرسي. وحسب تقرير للمجلس الأعلى للحسابات، تبقى طبيعة وحدود تدخلات هذه الأطراف كلها، غير منسجمة ومحدودة التنسيق، ما يحول دون الاستفادة من مزايا تعدد مصادر التمويل والتأطير الإداري والتقني، الذي يستلزم اعتماد إطار مؤسساتي يضمن الالتقائية والتنسيق المحكم بين مختلف المتدخلين، ويحقق بالتالي شروط النجاعة والفعالية في تدبير هذا المرفق. ويساهم غياب التنسيق، يقول التقرير نفسه، في عدم تحديد الحاجيات من حافلات النقل المدرسي بالدقة الكافية، إذ تقتصر هذه العملية على الطلبات التي تقدمها بعض الجماعات، في حين لا تضطلع العمالات والأقاليم بالدور المنوط بها، والمتمثل على الخصوص في تشخيص الخصاص من حافلات النقل المدرسي، أو على الأقل التنسيق بين مختلف المتدخلين في تراب العمالة أو الإقليم. ومن نتائج عدم التنسيق والمواكبة والبرمجة، اكتظاظ الحافلات بالمتمدرسين وتعدد الرحلات اليومية على المسارات نفسها في عدة جماعات، فيما تتوفر جماعات أخرى على حافلات غير مستغلة. وتتولى جمعيات تدبير هذا المرفق بموجب اتفاقيات للشراكة والتعاون أبرمتها مع بعض الجماعات، دون لجوء هذه الأخيرة إلى طلبات العروض، وإسناد هذا التدبير لجمعيات «غير مؤهلة"، أو لا يندرج النقل المدرسي ضمن أنشطتها المرخصة بمقتضى أنظمتها الأساسية، إضافة إلى غياب دليل للمساطر ودفتر للتحملات يؤطر عمليات الإسناد، وعدم دقة محدودية بنود الاتفاقيات خاصة في ما يتعلق بالجوانب المالية. وتعاني الجمعيات المشرفة على مرفق النقل المدرسي ضعفا في قدراتها على التدبير، إذ تبين أن جل الجمعيات عجزت عن الاضطلاع بمختلف الأنشطة الأساسية المرتبطة بتسيير هذا المرفق، من قبيل التتبع المنتظم لنفقات استهلاك الوقود وصيانة الحافلات، مع مسك سجلات محاسباتية تضبط وتضمن الشفافية في استعمال أموال الدعم الممنوح. يوسف الساكت تقارير لا تعد بعض الجماعات التقارير الربع سنوية المنصوص عليها في اتفاقيات اقتناء وتسيير الحافلات، المبرمة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتي يجب أن تتضمن تطور مؤشرات النجاعة، مثل نسبة الإقبال على التمدرس ونسبة تمدرس الفتاة القروية ونسبة التقليص من الهدر المدرسي واستمرارية ووقع المشروع على المستفيدين، إضافة إلى تحليل الصعوبات المحتملة والحلول المتخذة أو المقترحة. ي.س