< لقد اعتاد المغاربة على إحياء الكثير من القيم التي تكون قد اندثرت في باقي الشهور، وبما أن هذا الشهر له قدسية دينية خاصة، والعبادة فيه يرتفع منسوبها، على اعتبار أن الصيام مقدس عند المغاربة أكثر من أي فريضة أخرى من فرائض الإسلام الخمس. لذلك يتم استحضار قيم التعاون والإحسان، والتصدق، ونوع من التكافل بين الأغنياء والفقراء، سيما هذه السنة التي عرفت أزمة خانقة على مستوى غلاء الأسعار. ما نلاحظه أن المؤسسات التضامنية الرسمية قد جددت هذا التضامن، ووفرت نشاطا تضامنيا بين جميع الفئات الاجتماعية، ودخل المجتمع المدني على الخط. وقد تكاثفت هذه العملية بدافع الغلاء وأزمة الاسعار لدى ذوي الدخل المنخفض. ـ< كما نعرف أن الكثير من السلوكات تبرز خلال شهر رمضان، سيما الاستهلاك والتباهي بنوعية المأكولات على موائد رمضان. وقد وصل الأمر الى التنافس خاصة في اللقاءات العائلية التي تعتبر المبالغة في تقديم ألوان من الأكلات هي تعبير عن المركز الاجتماعي. ثم ان المغاربة في ثقافتهم يعملون على تحضير نوع من الحلويات والأكلات التي لا تقدم إلا في شهر رمضان. لكن أظن أن رمضان هذه السنة مع أزمة الغلاء وتفاحش الأسعار، قد عرف تقليصا في هذا التنافس، وفطن الناس إلى أن هناك فئات اجتماعية هشة قد تعاني نوعا من الوصم الاجتماعي، بسبب عدم القدرة على توفير الحاجيات الضرورية. لذلك كما قلت تحركت الجمعيات والأفراد لخلق نوع من التضامن الذي يساعد على تجاوز الأزمة الحالية. < فعلا ابتعدت فئات كثيرة عن الهدف الجوهري لشهر رمضان، بالتظاهر، وأحيانا نشر صور الموائد على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة دورا أساسيا في خلق مجتمع استهلاكي يتحكم في الحاجيات والتوجهات الفردية والجماعية، مما أثار نوعا من التنافس في الطهو وتقديم أنواع من الطعام. وإذا كان ذلك مرتبطا بالتسويق الاقتصادي فإنه خلق هوة سحيقة بين الفئات الغنية والأخرى الفقيرة، ولا غرابة أن نجد الدعوات ترتفع الى عدم نشر مثل هذه الصور والفيديوهات لأنها تثير غضب الفئات المهمشة. خاصة خلال هذا العام الذي عرفت فيه الكثير من الأسر عجزا عن تلبية حاجياتها الأساسية. أجرى الحوار: عزيز المجدوب * أستاذ وباحث في علم الاجتماع