المغرب الذي كان 7 السلطان لم يكن قادرا على الحفاظ على عرشه دون نيل رضى رجال الدين والأرستقراطيين الفاسيين بعد بلوغه سن العشرين، قرر ولتر هاريس، وهو سليل أحد أغنى العائلات البريطانية، التي تعمل في البحار، الهجرة إلى المغرب، حطت به السفينة في طنجة في 1886، ويستقر في منزل يعرف إلى اليوم بـ "فيلا هاريس"، وقد عاش لسنوات في مغرب القرن 19، التي حاك فيها الاستعمار مخططاته للسيطرة على المملكة الشريفة، وتمكن هذا المغامر المثير للجدل من اتقان الدارجة المغربية، وتشبه بالمغاربة، واعتمدته جريدة "تايمز" مراسلا لها، وخلال إقامته سيتمكن من دخول قصور السلطان، ولقاء زعماء القبائل، وترك لنا كتابا بعنوان "المغرب الذي كان"، والذي سننير بعض زواياه في هذه السلسلة من الحلقات، بالسفر بين دروب وقصور المملكة الشريفة. عصام الناصيري يحدثنا صاحب "المغرب الذي كان" عن العائلات المخزنية ونفوذها، وكيف أن أفرادها حصلوا منذ القدم على مناصب عالية في الحكومة، مما جعلهم يطالبون دائما بالاستفادة من الامتيازات، لذا كان من الطبيعي أن تنشأ الغيرة بين المتنافسين، حول منصب الحاجب، الذي يمكن با احماد من الاقتراب من الملك، الذي كان صغير السن. يضيف هاريس أن "با أحماد"، اعتمد على مساندة والدة السلطان، لأنه كان الخادم الوفي لزوجها، ونفذ رغبته في تولي ابنه العرش بعد وفاته، وظل هدفه الدائم هو الحفاظ على الاستقرار. مباشرة بعد تشكيل الحكومة، أصبح بإمكان مولاي عبد العزيز أن يغادر الرباط إلى فاس، العاصمة الحقيقية للبلاد. لا يستطيع أي سلطان ضمان عرشه، دون الحصول على رضى رجال الدين والأرستقراطيين في فاس، وتثبيت إقامته في مدينتهم، وكانت فاس بمثابة مركز ديني وجامعي، وبها كانت تحاك المؤامرات، إضافة إلى النفوذ الكبير الذي مارسه سكانه على باقي القبائل، لذا كان من الضروري، أن ينتقل السلطان الشاب إلى فاس في أقرب فرصة. يقول هاريس، إن لقاءات السلطان نجحت مع قبائل مكناس، بالهدف المرسوم لها، لقد استقبله سلطان مكناس بحفاوة، في المدينة التي بناها مولاي إسماعيل، في عهد لويس 14، وفاس لم تعد تبعد سوى بـ 32 كيلومترا. استوعب "با احماد" ظروف هذا الوضع بشكل جيد، لأنه يعلم أن نفوذه سيتقلص بمجرد أن يضع قدميه في فاس، في وقت يعتمد خصومه على سكان فاس، وأقارب السلطان الذين يعيشون في العاصمة. وجد "با احماد" نفسه وحيدا، لأن الفاسيين هم من جلبوه إلى القصر، ويتحينون فرصة الإيقاع به، مما يعني أن الوقت حان لاتخاذ قرارات حاسمة. لا أحد كان بإمكانه توقع موعد العاصفة، والأخوان الجامعي ينتظران بلا شك وصول "با احماد" إلى فاس، ليحيكا المؤامرات ضده، بينما يبدي "با احماد" اللباقة أمام الوزيرين القويين. بعد أيام من وصولهما إلى مكناس، بدأت الاستعدادات لعقد الاجتماع الصباحي مثل ما جرت به العادة. دخل الوزير الحاج المعطي، إلى القاعة بجلبابه الأبيض، وسط صف الخدم والفرق التي حيت قدومه، كان السلطان مولاي عبد العزيز وحيدا مع حاجبه "با احماد" عندما دخل الوزير وانحنى أمامهما، منتظرا أن يعطيه السلطان فرصة الحديث. بنبرة باردة طرح السلطان سؤالا على الوزير، ولا يبدو أن الجواب الذي حصل عليه قد أعجبه، ليتطور المشهد بعدها إلى نحو مثير.