رسائل إلى بن طريف البرغواطي 3 الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك قاد حروبا ضد الأمازيغ في كتابه "سبع رسائل إلى صالح بن طريف" يحاول الباحث والأديب شعيب حليفي إعادة كتابة تاريخ أربعة قرون ضائعة من التاريخ الرسمي المغربي، والتي تُعرف بإمارة برغواطة، ببلاد تامسنا، بمثابة رواية أخرى لما جرى انطلاقا من العودة إلى كل المصادر المعلومة. الكتاب محاولة لإعادة تركيب تاريخ في حكاية متحررة من حقائق "زائفة" بقيت طويلا، باعتبارها الصورة الكاملة لأول إمارة مغربية، بُعَيدَ الفتح الإسلامي، مستقلة عن المشرق والخلافة الأموية، أو عن أي سلطة خارجية.في هذه الحلقات نسافر مع صاحب "مساءات الشوق" في متنه التاريخي والأدبي، وهو يخاطب شخصية تاريخية لفها الغموض وكثرت حولها الأقاويل. إعداد: عزيز المجدوب «عاد ميسرة وأصحابه بعدما تبين لهم مِصداق شكوكهم وظنونهم، بأن هؤلاء، في طنجة والسوس، إنما يأتمرون بأمر أولئك في دمشق، فانتظروا مهلة ثم عملوا على تجميع فرسان قبائل مصمودة البرغواطية وغمارة ومكناسة، خلف ميسرة القائد، الذي كان يضع على رأسه عمامة صفراء ترفرف، بعدما لم يعد أحد يطيق صبرا، فانخرطوا ضمن طائفة الرافضين والمنتفضين وقد أنعش هوى الصفرية قلوبهم. ثم تقدموا في ثورة تطهير البلاد، وكان ذلك سنة 739م، فقتلوا المرادي، عامل طنجة، وجعلوا مكانه عاملا آخر، ثم قتلوا إسماعيل ببلاد تامسنا، أرض آبائكَ وأجدادكَ. ولعل طريفا، والدكَ، آنذاك رأى أن التامسنيين من المصامدة وباقي القبائل، هناك، تستحق أن تحكمها الأسُود . هل تدري أنها أول ثورة مغربية تمسكُ بالمُبادرة وتوقد شرارة التحرر من الظلم والتحقير، لتُسقط الولاة والحكام الجائرين، فكان تعيين عامل جديد منهم، بعد ذلك، تم التخطيط لدولة المغرب المسلمة التي تنعم بالحرية والكرامة بدون وصاية ظالمة من أحد، لا يعرف حدود الله. أعلنت القبائل، في سابقة جريئة تليق بأولئك الرجال، أن أمير المؤمنين، ميسرة المدغري، وهو من عامة الشعب، ابن سقاء يروي العطشى والمحرومين (ابن خيّاط:ص،353).. وليس بالضرورة أن يكون من قبيلة بعينها، فكل مسلم جدير بالإمارة والإمامة إذا ما رأت فيه الجماعة خيرا. هكذا أصبحت الثورة الصفراء، بلون الشمس، أمرا واقعا وحقيقة قائمة لتقويض ما يستحق التقويض. كان الرد الأول من الوالي على القيروان، عُبيد الله بن الحبحاب، سريعا لإيقاف زحف جيش ميسرة المتوجه إلى القيروان لتحريرها أيضا، فالتقى الجيشان، بأحواز طنجة، وتحاربا دون أن ينتصر أيهما، وبعدما شعر خالد بن حبيب أن فرسان ميسرة الشجعان كانوا مثل الصقور يستعجلون انتصارا تاريخيا يقودهم إلى القيروان، قرر الانسحاب نحو تلمسان المحصنة في انتظار ترتيب صفوفه من جديد، ورضيَ ميسرة المدغري بهذا الانتصار الرمزي بعدما كان بإمكانه التقدم خطوات أخرى للحسم في الأحداث القادمة. لم يقبل الأمازيغ، باختلاف القبائل تحت الراية الصفراء، في خضم الثورة والحماس أمر التراجع، وقد أبكروا بالانتباه إلى أسباب العطب والعجز الكامنين في أنصاف الحلول القاتلة، فقتلوا ميسرة ودفنوه بعدما أنكرت البربر عليه سيرته وتغيره عما كانوا بايعوه عليه، كما سيحكي ابن عبد الحكم(ص:246). قتلوه، وفي المساء اكتروْا النادبات للبكاء الطويل عليه والندب على الخدود، ثم جعلوا له عشاءً يليق به، وفي الغد ولوا قائدا أمازيغيا آخر هو خالد الزناتي الذي وفى بوعده، وجهز جيشا من جُل بلاد المغرب، فشنّ هجوما على جيش ابن الحبحاب الذي كان مرابطا بتلمسان، فقتل منهم أزيد من عشرين ألفا، وفر الباقون إلى القيروان، ثم زحف بعد أقل من سنة على القيروان وأباد منهم خمسة وأربعين ألف محارب، فيما هرب الباقون إلى دمشق، وأعلن خالد الزناتي تحرير المغارب من الأمويين." كانت غضبة الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بالشام للانتقام من أمازيغ تجرؤوا على "السُنّة"، وثاروا للاستفراد بحكم أنفسهم، وقتلوا جيشا كاملا، وأقسم قائلا: "لأرسلن جيشا أوله عندهم وآخره عندي، ولأقسمن بجعل البربر كالرماد..." (ابن الأثير،4- 417). غير أن الأحداث ستجري بأقدارها المخصوصة، فانهزم جيش من سبعين ألف محارب في معركة سيختار لها المؤرخون اسما لافتا، هو معركة الأشراف التي ذهبت فيها أرواح جل "أشراف العرب" في إفريقيا.. ومن بقي من جيش الخليفة رفع الرايات البيضاء استسلاما فتم طردُهم إلى دمشق ليكونوا شهودا ورواة لما جرى. لكن الخليفة لم يرتدع وجمع جيشا لا يحصى عدده، عيّن على قيادته "كلثوم بن عياض"، وأمره قائلا: «اقتلْ أولئك الرجال الذين كانوا يفِدون علينا من المغرب…»، وكان يقصد الوفد الذي تزعمه ميسرة وطريف نحو مقر الخلافة بدمشق ولم يستقبلهم. قامت المعركة التي شاركت فيها جل القبائل من بلاد المغرب، وانتهت بهزيمة جيش الخليفة في وقعة بقدورة، وقُتل ثلث الجيش الأموي، في حين فر الباقي منه إلى غير رجعة، فاستقلت بلاد المغرب مبكرا عن سلطة الأمويين. ما كل ما يتمناه المرء يدركه. بعد سنتين، سينهزم الأمازيغ في موقعتين متتاليتين بالقرن والأصنام.