فريق من الأكاديميين يكشف موقفه من النقاط الخلافية ويضع مقترحات مهمة أمام الحكومة يعيش المغرب منذ سنوات نقاشا مهما حول الحريات الأساسية والفردية، إذ يغيب عن الواجهة مدة معينة، ويعود بقوة بمجرد إيقاظه بحكم قضائي أو متابعة معينة، الأمر الذي استوعبته الدولة، وتطرق له الملك في خطاب العرش الأخير، وخص بالذكر مدونة الأسرة، التي دعا إلى إصلاحها، تضاف إلى هذه المدونة نصوص من القانون الجنائي، التي اعتمدت منذ ستة عقود، وأصبحت في حاجة إلى تعديل بدورها. ومساهمة منه في هذا النقاش المسؤول، والواجب على نخب المجتمع، أصدر فريق أكاديمي، يضم شخصيات بارزة من مختلف المجالات، ورقة مفصلة تتناول الإشكاليات الناتجة عن تطبيق المدونة والقانون الجنائي، واقترحت تعديلات مهمة، لإنجاح هذا الورش الإصلاحي. يتكون الفريق الذي اشتغل على موضوع الحريات الأساسية، من أسماء المرابط وإدريس بنهيمة وياسمينة بادو، إضافة إلى جليل بنعباس الطعارجي، وخديجة العمراني وشفيق الشرايبي ومونيك الغريشي ومحمد كيزي، وينتمي أعضاء الفريق إلى مجالات مختلفة، منها الحقل الديني والسياسي الطبي والمحاماة وغيرها من الحقول. ويهدف الفريق الذي تأسس في ربيع 2022، إلى تناول الحريات الأساسية في المغرب بهدف توسيعها وترسيخها. وقد كان خطاب جلالة الملك في 30 يوليوز، والذي أشادت به جميع القوى الفاعلة في المملكة، بمثابة داعم ومحفز لجميع أعضاء الفريق، حسب الديباجة. وبالنسبة إلى طريقة عمل الفريق، فيقولون إنه "للامتثال لهذه المبادئ الأساسية، طلبنا أولا رأي العديد من علماء الدين المغاربة، بشأن موقف الدين من كافة القضايا التي يتم تناولها في هذه الورقة. وكان رد العلماء عموما كالتالي "القضايا المثارة هي خطوة مهمة في الإصلاح، ويجب أن تكون موضوع نقاش ومراجعة. ويجب تكثيف الجهود لمعالجتها وإيجاد حلول من خلال إنشاء، إن أمكن، وحدة استشارية بغية بلورة فكر مدروس ورصين وعملي يتجاوز التخيلات المختلفة. ليس لدينا أي اعتراض على إبداء موقفنا والحجج المتعلقة بكل محور على حدة". الدستور يبدأ عمل الفريق بالتطرق إلى الدستور، وبالضبط إلى مسألة حرية الدين والمعتقد، بالقول إن حرية العبادة والمعتقد والدين جزء من الحريات الأساسية الفردية العالمية، لكن حرية المعتقد لم تدرج في دستور 2011، موضحا أن منع المواطن من اختيار دينه بحرية أو تركه أو عدم التدين هو إجراء لا يتوافق وحقوق الإنسان العالمية، ويتعارض مع التزامات المغرب بأسس حقوق الإنسان، وأيضا مع روح الرسالة الروحية للإسلام. واستعرض الفريق موقف الدين الإسلامي والآراء المختلفة، بالقول "إن لحرية الدين مكانها في الإسلام. ويمكن اعتبارها قيمة جوهرية في رسالة القرآن، حيث تؤكد آيات كثيرة على هذه الحرية وتضمنها كأساس لا مناص منه لصحة الإيمان واستقامته، مبرزا أنه "صحيح أن آيات أخرى يمكن أن تؤدي إلى الارتباك وتدعم الفكرة الغالبة بشأن عدم توافق حرية العقيدة مع الإسلام، هذا النهج هو الذي بالإضافة إلى اعتماده قراءة حرفية واختزالية وغير تاريخية للنصوص، يروج للاستغلال السياسي للدين من أجل تقييد أكبر للحرية باعتبارها قيمة إنسانية لا محيد عنها". وقدم الفريق تعديلا في الفصل 3 الذي يقول إن "الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية"، واقترح الفريق تعديلا مضمونه "الإسلام دين غالبية المغاربة، وضامنه أمير المؤمنين الذي يضمن للجميع حرية ممارسة الأديان والعبادات وحرية المعتقد". مدونة الأسرة إن النساء المغربيات نشطات، وقد أصبحت أغلبهن اليوم يعملن خارج المنزل، بل ويتولين أحيانا مسؤوليات في أعلى درجات المجتمع. وبالتالي، بات إصلاح القوانين الحالية ضروريا لتحقيق المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة. وتطرق الأكاديميون إلى المساواة بين الرجل والمرأة، وأيضا الميراث، من جوانب متعددة، أولها الوصية، التي اقترحوا أن تعدل نصوصها، إذ قالوا "يستحسن تبني الاستخدام المسبق للوصية في الميراث قبل أي تقسيم، مع الامتثال لروح الفقه المغربي الحالي، غير أنه سيتم إلغاء شرطي الاعتراف والموافقة المسبقين بعد الوفاة من قبل الورثة الآخرين. وهكذا يترك الموصي لورثته، بناته أو أبنائه أو غيرهم، وصية قد تصل إلى ثلث ميراثه، وذلك وفق إرادته وبدون انتظار موافقة أحد". وتطرقت الورقة إلى عدد من النقاط، التي ترى أنها يجب أن تخضع للتعديلات، وقدمت فيها مساهمتها، وبالإضافة إلى الوصية نجد الإرث بالتعصيب والكد والسعاية وميراث الأجانب، ثم زواج القاصرات وزواج المغربيات بغير المسلمين، إضافة إلى حضانة الأطفال والطلاق وحق الزيارة والتعويض عن المسكن والنيابة الشرعية، ناهيك عن الطلاق للضرر وفترة ما قبل الطلاق والنسب والنفقة والمتعة. بالنسبة إلى الإرث بالتعصيب يرى الفريق أن هناك إمكانية تعميمه على النساء وتطبيقهن له على أنفسهن، وأن كل ما يتطلبه الأمر هو مناقشة تفسيرية. ويقترح أنه في حال عدم وجود ذكر بين الورثة، فإن البنات "يعصبن بأنفسهن"، أي أنهن يبقين ورثة بالفرض ويصبحن أيضا ورثة بالتعصيب، أو حتى يقتسمن في ما بينهن ما يتبقى بعد توزيع الفروض التي ينتفعن منها أيضا. في ما يخص زواج القاصر، تقول الورقة التي تتوفر "الصباح" على نسخة منها، إن زواج القاصرات ليس قضية دينية بقدر ما هو عادة اجتماعية، وتختلف من منطقة إلى أخرى، ولا يوجد نص صريح حول مسألة تحديد سن الزواج، كما يجب إعادة النظر في تفسير الروايات الموجودة. ويقول الفريق إنه "من الضروري ببساطة إلغاء هذه الإعفاءات الاستثنائية، التي أصبحت شائعة جدا، ويجب اعتماد مادة جديدة في المدونة، تعطي الحق للقاصر المتزوج رغما عنه، بمجرد بلوغه سن الرشد، في أن يقاضي من أجبره على الزواج (الأب أو الأم أو غيرهما). وفي ما يتعلق بالنسب تقول مواد القانون المغربي الحالي، إن كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة. ولا يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة للأب أي أثر من آثار البنوة الشرعية، واقترح الفريق تعديلا مفاده أنه "يترتب على البنوة غير الشرعية بالنسبة لأب نفس أثر البنوة الشرعية عند إثبات النسب البيولوجي". يذكر أن جميع النقاط المتناولة في التقرير، والتي سبق ذكرها، تطرق لها الفريق على حدة، من ناحية الإشكالات الحالية، التي يطرحها تطبيق هذه القوانين، وإلى رأي الدين الإسلامي وباقي الآراء، قبل اقتراح تعديلات جزئية أو كلية في الفصول والمواد التي تؤطر موضوعا خلفيا معينا. القانون الجنائي تطرق الباحثون في باب القانون الجنائي، إلى عدد من النقاط التي حولها خلاف، منها المخالفات المتعلقة بالعبادة، والعلاقات الجنسية خارج الزواج والاعتراف بالبنوة، ومسألة الإجهاض وحرية التعبير والتجديف، إضافة إلى حرية التعبير والبت في العموم، وعقوبة الإعدام واحترام الخصوصية (أمر الإحضار)، ناهيك عن عقوبات عن الوالدين غير المسؤولين وجهاز قياس نسبة الكحول وبيع الكحول للقاصرين، وأخيرا الردة. واستعرض الباحثون مجموعة من الإشكاليات التي تواجه المغاربة في ما يتعلق بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج والاعتراف بالبنوة، إذ قالوا إن في الوقت الحالي، تعتبر أي علاقة جنسية مشروعة وفقا للقانون، إذا كان لدى الأطراف المعنية عقد زواج معترف به من قبل السلطات المغربية المختصة. ويستمد هذا القانون أسسه من تعريف معين للزواج وفقا للأعراف الإسلامية، غير أن العلاقات الجنسية الحميمة بين البالغين تقع بالتراضي في مجتمعنا، دون أن تلحق ضررا بأي شخص وغالبا ما تقود إلى الزواج. واقترح الفريق تعديلا للفصل 490، مفاده أن "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية يعاقب عليها بغرامة يتراوح قدرها ما بين 12 درهما إلى 120". الأمر نفسه بالنسبة إلى الفصل 491، الذي اقترحوا فيه تعديلا يقول إن "كل شخص متزوج يرتكب جريمة الخيانة الزوجية، يعاقب بغرامة مالية يتراوح قدرها ما بين 120 إلى 1200 درهم، ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المساء إليه، غير أنه في حالة غياب أحد الزوجين خارج تراب المملكة، فإنه يمكن للنيابة العامة أن تقوم تلقائيا بمتابعة الزوج الآخر، الذي يتعاطى الخيانة الزوجية علانية". وفي سياق متصل، أوضح تقرير الفريق أنه لا يوجد أي تشريع مغربي لاستخدام جهاز قياس نسبة الكحول من قبل السلطات المختصة، ومنع بيع الكحول للقاصرين، مقترحا قوانين جديدة أو تعديلات، واعتماد قوانين تمنع بيع الكحول للقاصرين، وتسمح باستخدام جهاز قياس نسبة الكحول. وأما الردة فيقول التقرير إنها في الواقع ممنوعة في المغرب، رغم أنها قضية مهمة يجب معالجتها. وقد أجازتها بعض الدول العربية مثل الإمارات التي أصدرت قوانين تعالج هذه القضية بعد الاتفاقيات الإبراهيمية. وجاء في ترقرير أيضا، أن الردة، وفقا لعلمائنا، مسموح بها في ظل ظروف معينة، وليس لها أصل قرآني، إذ كانت الردة حسب القراءة الدينية المعاصرة لعلماء المغرب عبارة عن قانون يدين الخيانة السياسية. ودعا الفريق إلى عدم اعتماد قوانين تدين الردة، وأنه يجب أن تحترم القوانين التي تتناول هذه المسألة حقوق الإنسان الأساسية، خاصة حرية العبادة وتغييرها. المسطرة المدنية لم يغفل التقرير قوانين المسطرة المدنية، وما يعتملها من إشكاليات، خاصة في ما يتعلق بقانون الجنسية، إذ قال الباحثون إنه منذ إصلاحات المدونة وقانون الجنسية في السنوات الأخيرة، أصبح بإمكان المرأة الأجنبية المتزوجة من مغربي الحصول على الجنسية، عن طريق الزواج، غير أنه لم يمنح الحق نفسه للرجل الأجنبي، الذي يتزوج من امرأة مغربية، وهذا يشكل تناقضا تاما مع المساواة في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الجنس الذي ينادي به الدستور المغربي. واقترح الفريق تعديل الفصل 10 من قانون الجنسية على النحو التالي، "المرأة الأجنبية المتزوجة من مغربي أو الرجل الأجنبي المتزوج من مغربية، يجوز لهما بعد مرور خمس سنوات على الأقل، على إقامتهما مع شريكهما في المغرب بكيفية اعتيادية ومنتظمة، أن يرفعا لوزير العدل تصريحا لاكتساب الجنسية المغربية". ويضيف التعديل أنه "لا يؤثر انتهاء العلاقة الزوجية على التصريح المقدم من طرفهما قبل انتهاء تلك العلاقة، ويبت وزير العدل في التصريح المقدم إليه داخل أجل سنة من تاريخ إيداعه، ويعتبرعدم البت داخل هذا الأجل بمثابة معارضة. ويسري مفعول اكتساب الجنسية ابتداء من تاريخ إيداع التصريح، غير أن التصرفات القانونية التي سبق للمعني(ة) بالأمر أن أبرمها طبقا لقانونه الوطني قبل موافقة وزير العدل تبقى صحيحة".