تتفانى في أداء وظيفتها في تدريس اللغة الإنجليزية للأطفال تواصل الشابة سلمى محزوم شق طريق النجاح بفيتنام، التي استقرت بها منذ شهور. لم تمنعها الغربة واختلاف العادات والتقاليد والثقافات، من الانسجام مع أجواء مغايرة لما عاشته بالمغرب وحتى بتركيا التي استقرت بها مدة قصيرة. زادها لتحقيق النجاح والسعي إليه، طموح وإصرار وعزيمة على تحدي كل الصعاب أينما وجدت. بكل حماس ونكران للذات تتفانى في أداء وظيفتها في تدريس اللغة الإنجليزية لأطفال فيتنام نسجت معهم علاقات خاصة. حضنتهم بكل حميمية ومسؤولية، وأحبوها من أفئدتهم دون أن يمنع اختلاف اللغة من تحقيق تواصل زاد من معزتها لديهم وأولياء أمورهم، إلى حد يغدقون عليها بهدايا وتبريكات في كل مناسبة فرح يعيشونها. "إنهم طيبون" تختصر سلمى نظرتها لبيئة لم تألفها وتعايشت معها وثبتت ذاتها فيها باكتساب حب الأطفال لها يزداد يوميا، مؤكدة أن أول درس تعلمته من هذه التجربة، هو أن اللغة ليست دائما وسيلة للتواصل وتحقيق الانسجام، بل "لغة القلوب أسمى وتقرب ما قد تبعده الأمكنة والثقافات"، مفتخرة بتجربتها في هذا البلد. إيجابيات كثيرة تحفزها على الاستقرار به، منها الراتب المهم الذي تتقاضاه وبساطة العيش والمعيشة وكرم ناسه وحبهم للأجنبي، مؤكدة احترامهم للزمن وحبهم الكبير للعمل وتفانيهم فيه. وتشير إلى أن تجربتها في التدريس في هذا البلد، استفادت منها كثيرا في مسارها وظيفيا وإنسانيا وفي تكوين شخصيتها وتأقلمها مع محيط غريب عنها. اندمجت سلمى بسرعة في هذه البيئة الجديدة ببلد قليل من المغاربة يعرفونه، لكنها مرتاحة فيه وفي عملها الذي تتراوح عدد ساعاته الشهرية بين 80 و100 ساعة. وتوفر لها كل شروط نجاح مهمتها من راتب وتأمين ومنزل مجانية الإقامة فيه، أو بدعم ثمن كرائه، وتعتبرها تجربة مختلفة نسبيا مع ما عاشته بتركيا الأقرب عاداتها إلينا. وتقول "التجربة جديدة تقويني ولو أني مغربية وحيدة بين الكثير من الأجانب ممن اختاروا هذا البلد للعمل"، مضيفة "أشتغل من 3 ساعات ونصف إلى 4 يوميا من الاثنين إلى الجمعة وبين الحصتين فترة استراحة توفر لي فيها كل شروط الراحة في غرفة أتناول فيها وجبة غذائي، وفي السبت أقدم الدعم لمن يحتاجه من التلاميذ". كل يوم تستفيق سلمى على السادسة صباحا لتنطلق بعد نصف ساعة في اتجاه المدرسة على متن دراجة نارية تعلمت سياقتها لأن "الجميع هنا يستعملون هذه الوسيلة للتنقل، وثمنها بخس لا يتجاوز ألفي درهم". أما المساء والليل فتخصصهما للتسوق وإعداد أكلات مغربية، لأن الطبخ الفيتنامي لا يرقى إلى نظيره المغربي. الوجبات الغذائية مغايرة لما يحبل به المطبخ المغربي، وهي واحدة من سلبيات تجربتها الجديدة في هذا البلد الأسيوي، كما عدم إتقانها اللغة الفيتنامية وكون الأطفال يجدون أحيانا صعوبة كبيرة في النطق بكلمات وحروف اللغة الإنجليزية، عائق اصطدمت به في البداية، لكنها تجاوزته بحنكتها وقربها من تلاميذها وتلميذاتها. ما يؤرق سلمى ابنة دوار آيت عبو ببئر طمطم ناحية إقليم صفرو ازدادت به في 7 دجنبر 1992 وعائلتها تستقر بحي المسيرة بفاس، وجود حشرات غريبة حيث تستقر، تعبث بجسدها ذي البشرة البيضاء، مشيرة إلى أن ذلك لا يشجعها على مغادرة فيتنام كما فعل أوربيون ومهاجرون من بلدان مختلفة، قصدوا البلد وعادوا أدراجهم. اختارت الشابة سلمى محزوم فيتنام وفضلتها على دول أخرى بالخليج وآسيا، بعد استفادتها من دورة تكوينية نظمها المعهد الأمريكي "تيسول" بالرباط وحصلت منها على شهادة لتدريس اللغة الإنجليزية لناطقين بلغات أخرى. واستقرارها بهذا البلد لم يمنعها من مواصلة دراستها في سلك الدكتوراه بكلية اللغات بجامعة ابن طفيل. وقبل الهجرة اشتغلت مدرسة للغة الإنجليزية بالقطاع الخاص بفاس، وحصلت على شهادة الماستر في اللسانيات التطبيقية و البحث في التعليم العالي، وشهادة الإجازة في الدراسات الإنجليزية تخصص لسانيات بكلية الآداب بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، التي ولجتها بعد حصولها على الباكلوريا بثانوية الزيتون بمكناس. تفوقها الدراسي بالجامعة مكنها من الاستفادة من منحة ممولة من الاتحاد الأوربي تهم التبادل الطلابي في جامعة الشرق الأوسط التقنية بأنقرة بتركيا، حيث درست اللغة وبيداغوجياتها، قبل أن تفكر في الهجرة لفيتنام لإيمانها بأن "الهجرة فرصة لمراكمة التجربة والنجاح والتعرف على ثقافات وعادات وتقاليد دول أخرى". حميد الأبيض (فاس)