الحركة المدنية تتعقب اختلالات التدبير وتعثر تنفيذ الإصلاحات الهيكلية اختارت حركة "ضمير" المدنية تقييم حصيلة السنة الأولى من حكومة عزيز أخنوش، والوقوف عند سمات الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي طبعت نهاية السنة الماضية، وإصدار موقفها من عدد من الملفات. إعداد: برحو بوزياني عبر المكتب التنفيذي للحركة عن استياء الحركة من استمرار ارتفاع أسعار المواد الأساسية، بما فيها المواد الغذائية والمحروقات، مؤكدا أن هذه الوضعية خلفت جوا من الاستياء والتذمر العام، داعيا الحكومة إلى مراعاة أوضاع الفئات الاجتماعية الهشة، التي تم تفقيرها من خلال السياسات المعتمدة، ومست الطبقة الوسطى. توازنات على حساب المواطن أكدت الحركة أن تسوية التوازنات الميزانياتية والمالية للحكومة على حساب المواطنين، هو الخيار السهل، الذي ينبئ عن عدم اكتراث الحكومة بمعاناة أغلبية المغاربة، وعن عدم قدرتها على ابتكار حلول جديدة لضمان أوضاع أفضل لهم. وبخصوص قانون المالية 2023، أكدت الحركة أنه شكل فرصة أخرى ضائعة أمام الحكومة لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي طال انتظارها، والتي أحدثها نموذج التنمية الجديد، الذي ظل مغيبا في برنامجها. واعتبرت "ضمير" أن قانون المالية الجديد أكد للأسف، الخيارات الجائرة وغير العادلة التي ترفض بعناد تفكيك اقتصاد الريع، ومحاربة تضارب المصالح والفساد والتهرب الضريبي، كما تم رفض الشروع دون مزيد من التأخير في الإصلاحات الكبرى التي تحتاجها البلاد، والتي تهم الإصلاح الضريبي، وإصلاح المؤسسات العامة، وإصلاح القطاع المصرفي، وإصلاح وضع بنك المغرب، وإصلاح السياسة النقدية، وقطاعات الإعلام السمعي البصري، والتعليم، وإصلاح السياسة الثقافية لجعل الثقافة رافعة حقيقية لتنمية المجتمع والنهوض العام بأوضاعه. تقويض مبادئ العدالة الضريبية سجلت الحركة أن الأحكام الضريبية الواردة في قانون المالية 2023، تقوض مبادئ العدالة الضريبية وتضخم الامتيازات الممنوحة للشركات الكبرى والطبقات الغنية، على حساب الطبقات الوسطى والصغرى والشركات الصغرى والمتوسطة، والتي تشهد ضغوطا ضريبية، تزداد سوءا بشكل كبير يهدد إفلاسها. واستنكرت الحركة، التي تعتبر من الهيآت التي ظلت تترافع بقوة من أجل إعادة تشغيل مصفاة "سامير"، الموقف السلبي للحكومة في ما يتعلق بالمصفاة، مؤكدة امتناع السلطة التنفيذية عن البت في المسؤوليات المباشرة وغير المباشرة في إفلاس جوهرة الصناعة الوطنية، والتي يقع بعضها داخل جهاز الدولة نفسه، متهمة الحكومة برفض التعاون مع النظام القانوني من أجل تسهيل استئناف نشاط المصفاة من قبل مجموعة من المستثمرين الصناعيين والمؤسسات. وجددت الحركة رفضها لكل المحاولات الخبيثة لبعثرة وإتلاف تراث مصفاة "سامير"، سيما من خلال تأجير صناديق التخزين الخاصة بها لمشغلين من القطاع الخاص، مستنكرة ما أسمته الممارسات التي لا تحترم الشفافية والمنافسة، من خلال إجراءات المناقصات العامة. مجلس منافسة تحت المجهر لم يسلم مجلس المنافسة من انتقادات الحركة، حيث اتهمته بالتسويف في التعامل مع ملف التقاضي بشأن الشك في وجود اتفاقات أسعار غير مشروعة لصالح بعض العاملين في مجال المحروقات، مسجلة في الوقت ذاته وجود اختلالات عديدة في النصين التشريعيين، اللذين تم اعتمادهما أخيرا ليشكلا قانون المنافسة الجديد. ودعت "ضمير" إلى تغيير أعضاء مجلس المنافسة، قبل أن تحكم الهيآة الدستورية بشكل نهائي في ملف التقاضي المشار إليه، إذ يجب أن يسمح التغيير بتعيين شخصيات وطنية داخل المجلس، لا جدال في استقلاليتها ونزاهتها وكفاءتها. ورحبت الحركة بتعيين أعضاء بعض الهيآت الدستورية للحكامة الرشيدة، معتبرة ذلك خطوة أساسية لفاعلية تلك الهيآت وللتنفيذ الكامل لأحكام دستور 2011، مسجلة افتقار العملية إلى الشفافية في معايير اختيار المرشحين لتلك الوظائف، إذ لوحظ باستغراب تعيين بعض الأشخاص، الذين سبق أن وجهت لهم تهم تمس بمصداقيتهم في حياتهم المهنية أو ماضيهم السياسي، ما يجعلهم غير مؤهلين ليكونوا أعضاء في تلك الهيآت. انهيار الحوار السياسي سجلت الحركة بذهول درجة انهيار الحوار السياسي الوطني، وتراجع النقاش العمومي، مدينة بقوة العمليات اللامشروعة التي تتغاضى عنها الحكومة بخصوص الالتزامات الانتخابية، مؤكدة أن مثل السلوك سيؤدي حتما إلى مزيد من إضعاف الأحزاب السياسية، وتفاقم مناخ عدم ثقة المواطنين فيها، كما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفكيك الديمقراطية التمثيلية. ودعت الحركة المدنية كافة التشكيلات السياسية الديمقراطية إلى القيام بقفزة وطنية إلى الأمام، لإضفاء المصداقية المطلوبة على العمل السياسي، عبر تفعيل الأدوار الرئيسية للأحزاب سواء في تأطير المجتمع، أو لعب دور القوة الاقتراحية المبادرة في بلورة الأفكار والمفاهيم السياسية الجديدة، التي تساهم في تطوير التجربة الديمقراطية والخروج بها من الضائقة الحالية، وهو ما يتطلب تمرينا جماعيا في ابتكار نموذج سياسي جديد، بأحزاب مستقلة تماما في قرارها الحزبي الداخلي، وبقادة سياسيين متصفين بالنزاهة والكفاءة المعترف بها، ومتفانين في خدمة المصلحة العليا للبلاد، وإصلاح قواعد المنافسة السياسية والانتخابية بشكل كامل( الديمقراطية الداخلية، عدم تراكم التفويضات، الشفافية المالية، تحديد سقف نفقات الحملة الانتخابية، ومراجعة نمط الاقتراع). مراجعة مدونة الأسرة بصدد مراجعة مدونة الأسرة، أكدت الحركة مساندتها المبدئية لنضالية الحركة النسائية وترافعها، من أجل مراجعة جذرية عميقة لمدونة الأسرة، بما يمكن من تدارك ثغرات النص رصدت خلال العقدين السابقين، وتغيير منطقه الداخلي وتخليصه من ترسبات الفقه التراثي القديم، من أجل مطابقته التامة مع مضمون الفصل 19 من الدستور، ومع المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، التي يعتبرها الدستور أسمى من التشريعات الوطنية وكلا غير قابل للتجزيئ. وأكدت الحركة رفضها التعامل مع نص المدونة بمقاربة ترقيعية سطحية تؤدي إلى الإبقاء على المظالم الحالية في حق المرأة والطفل، من أجل جعل مدونة الأسرة نصا منسجما وقويا يضمن المساواة بين الجنسين والمصلحة الفضلى للأطفال. وأكدت أنه آن الأوان لإحداث الخطوة الحاسمة بمنع تعدد الزوجات ووضع حد نهائي لتزويج القاصرات، وإقرار ولاية المرأة على أطفالها ورفع الالتباس عن حق المرأة في اقتسام الأموال المكتسبة، وإقرار المساواة في الإرث، في إطار الملاءمة مع مقتضيات الدستور ومع اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل. وبخصوص مراجعة القانون الجنائي، اعتبرت الحركة أن إعادة النظر في القانون الجنائي ومراجعته مراجعة شاملة بات حاجة أساسية ملحة بسبب عدم مطابقته للواقع، وللالتزامات التي ما فتئت تعلنها الدولة في مجال الحريات، مشيرة إلى أن الكثير من فقرات القانون تعود إلى بداية استقلال المغرب، ما يجعلها اليوم بعيدة عن مواكبة نظم العلاقات والقيم السائدة في المجتمع. الحريات الفردية خط أحمر نددت الحركة باستمرار تضييق السلطات على الحريات الفردية، التي تدخل ضمن اختيارات الحياة الخاصة للأفراد، ومن ذلك اعتقال ومحاكمة شباب بسبب آرائهم في الأديان، واعتقال آخرين بسبب العلاقات الجنسية الرضائية خارج الزواج، واضطهاد مدونين بسبب آرائهم السياسية، ومواطنين بسبب الإفطار في رمضان، رغم عدم مساسهم بحريات الآخرين في ممارسة شعائرهم، أو بسبب الإجهاض، معتبرة ذلك منافيا لما ينص عليه الدستور من ضرورة احترام السلطة للحريات الفردية والجماعية. كما دعت إلى إلغاء جميع فصول القانون الجنائي المجرمة للحريات الفردية، خاصة منها الفصول 220 و222 و489 و490. تسويف في تنزيل الأمازيغية بخصوص تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، أكدت الحركة أن ترسيم اللغة الأمازيغية يعد قرارا وطنيا حكيما يقوي اللحمة الوطنية، ويؤسس منظورا متكاملا للهوية الوطنية الجامعة، ويضع حدا للميز الثقافي واللغوي ضد المكون الأمازيغي، إلا أن الحركة رصدت نوعا من التماطل والتسويف وهدر الزمن، من قبل الحكومات المتعاقبة منذ 2011، في تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في كل قطاعات الدولة. كما لفتت انتباه المسؤولين إلى أن صدور القانون التنظيمي الخاص بذلك التفعيل منذ فاتح أكتوبر 2019، مع استمرار التراجعات في تعليم الأمازيغية وإدراجها في الإعلام العمومي والقضاء والإدارة، يخالف التزامات الدولة وتعهداتها، كما يتعارض مع إعلان الحكومة عن تخصيص ميزانية للأمازيغية لم يظهر بعد أي أثر لها في الأوراش الرئيسية للتفعيل. ثلاثة أسئلة يلاحظ على بيانات "ضمير" طغيان نبرة المعارضة، من خلال مقاربة العديد من الملفات. كيف تفسرون ذلك؟ مهمة ضمير بوصفها حركة مدنية مستقلة، هي المواكبة النقدية للعمل الحكومي والمؤسساتي، ولما يستجد في المجتمع المغربي من ظواهر، وذلك من أجل لعب دور اللوبي المدني الضاغط وفي الوقت نفسه دور القوة الاقتراحية الفاعلة والمؤثرة. سجلت الحركة بذهول انهيار الحوار السياسي وتراجع النقاش العمومي. من موقعكم حركة مدنية لماذا تراجع دوركم في تنشيط هذا الحوار؟ لم يتراجع دورنا، بل خضعنا مثل الجميع لإكراهات عامين من الجائحة والطوارئ الصحية. واليوم نعود لمتابعة مسارنا النضالي. وحتى أثناء الحجر الصحي، بقينا حاضرين من خلال تقنيات "اللايف" والحوار عن بعد. يسجل المتتبعون تراجع دور الأحزاب في التأطير وجمود الهياكل. كيف تشخصون الوضع ومسؤولية قوى الحداثة والديمقراطية؟ انتقدنا بشدة تراجع دور الأحزاب وتدهورها، وتراجع الديمقراطية الداخلية بها، كما انتقدنا مسؤولية السلطة في ذلك، ودورنا هو طرح الأسئلة الجوهرية في الحياة السياسية، ورد الاعتبار للمبادئ الديمقراطية والتذكير بها، وجعل باب الحوار مفتوحا دائما مع الأحزاب حول القضايا الكبرى. (*) أحمد عصيد نائب رئيس حركة ضمير