المحامي المناضل صوت الحكمة والتعقل والنصح والعفة محمد الصبري، المحامي بهيأة البيضاء، استطاع، طيلة حياته التي زاوج فيها بين العمل السياسي والجمعوي والتربية والتعليم والمحاماة، أن يترك بصماته التي يتحدث عنها الجميع، فكل من يعرف المحامي الاتحادي الصبري، يربط بين اسمه وبين الإيثار في أسمى تجلياته، فلا مكان في حياته للأنا، حتى في أبسط المواقف. نشأ الفقيد "سي محمد" وترعرع في درب الكبير بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، وسط البيضاء، التي اكتسب فيها حب الناس منذ الصغر. كان متفوقا في دراسته وبعد حصوله على شهادة الباكالوريا، التحق بسلك التعليم معلما بالابتدائي ثم تابع دراسته الجامعية بالمدرسة العليا للأساتذة، إذ تخرج منها سنة 1970، وفي فترة دراسته بالمدرسة العليا للأساتذة ظهر المهراز بفاس، استطاع أن يبرز داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب التي أضحى رئيسا لها. كان مرجعا للطلبة وللقيادة الطلابية، في سنوات عرفت بسنوات الجمر والرصاص ولم يكن يأبه لأي شيء، ويلجأ إليه الجميع في السراء والضراء، ويمارس قناعته ومبادراته بيقظة وحذر، ويتخذ المواقف بروية وتبصر. عندما التحق بالتعليم واصل عمله النضالي، فكان من مؤسسي النقابة الوطنية للتعليم، ورغم الدور الذي لعبه إلا أنه تعفف عن أخذ أي منصب رئاسي داخلها، لإيمانه القوي بأن المناصب ليست هدفه في الحياة، وحتى عندما غادر سفينة التربية والتعليم ليلتحق بمهنة المحاماة التي كان يعشقها والتي لم يدخر جهده في البحث والتنقيب فيها والاجتهاد، كانت مرافعاته في الملفات السياسية وعرائضه يشهد الكل بقوتها، فهو نموذج في الالتزام برسالة مهنة المحاماة ونبلها والوفاء لقيمها وأعرافها، إذ كان المرجع ولا يبخل في تقديم يد المساعدة لزملائه حتى للذين سبقوه في المهنة. أما الشباب منهم، فكان الأب الروحي لأغلبهم، ولم يمارس المحاماة للاغتناء ولم يعتبرها مصدرا للثراء المادي، رفض العديد من القضايا التي كانت أتعابها تسيل اللعاب، إلا أن إيمانه بعدم الدفاع عمن يضر الوطن أو أبناءه أهم بكثير، من تلك العائدات المالية. كان من أكبر المحامين المتطوعين في قضايا الحريات وحقوق الإنسان، وفي مختلف الملفات السياسية والحقوقية والنقابية، التي تشهد على دفاعه ومرافعاته ومقارعته للحجة بالحجة، بفن الخطابة وقوة الإقناع. في الجانب السياسي كان مناضلا اتحاديا وصوتا مدافعا عن الفكر الاتحادي في جميع الميادين والمساند لزملائه في الحزب، فهو كما قالت عنه زوجته ولد اتحاديا وعاش اتحاديا ومات على ذلك. كان زاهدا في المناصب حتى داخل حزبه، فهو مناضل بما للكلمة من معنى، يشهد بذلك كل من رفاقه في الحزب. يرفض الفكر التشتيتي أو المؤامراتي، إذ شكل صوت العقل والحكمة والإيثار، فكان رجل الجمع والتجميع والتوفيق والتوافق، عمل بكل قواه وجهده حتى الرمق الأخير من حياته، لتجنيب الحزب الانشقاق والمزيد من التفرقة، وظل في كل المحطات الصعبة التي شهدها الحزب حاضرا، محاورا، حكيما، قريبا من الغاضبين، محاولا ثنيهم عن ابتعادهم عن الاتحاد. ظل جزءا من كينونة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، متشبثا بالوحدة والتجميع، رافضا كل أشكال التفرقة والتمييع، فهو لم يكن يؤمن بمقولة "فرق تسد" بل بمقولة "ألف جمع يسر، وأحب لأخيك ما تحب لنفسك". لم يطلب يوما شيئا لنفسه ولعائلته رغم أن كل الظروف كانت متاحة لذلك، ليترك تاريخا حافلا لمحام ومعلم وحقوقي وسياسي اجتمع فيه كل ما تفرق في غيره. كريمة مصلي