تحرير الملك العمومي… موضة مستفزة

السلطات تعمل بعيدا عن القانون وتفعل مبدأ «زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون»
تجددت هذه الأيام موضة شروع السلطات في هدم واجهات المقاهي والمطاعم والأجزاء البارزة التي تحتل الرصيف، وانطلقت بعيد أيام قليلة من استواء القياد الجدد على كراسي المسؤولية، لتطرح استفهامات عريضة حول الرسائل المشفرة التي تريد السلطات إيصالها للجمهور، سيما أن الأمكنة نفسها كانت مسارح لعمليات مماثلة قبل ثلاث سنوات فقط.
متى شيدت الأجزاء المشمولة بالهدم؟ وأين كان رجال السلطة وعلى رأسهم العمال، الذين لم تمسسهم بعد حركة التنقيلات حتى لا نعزو المخالفات لسابقيهم؟ وهل تستقيم مساءلة وعقاب المخالف دون استفسار المسؤول الإداري أو محاسبته على التقصير، سيما أن المقولة الشعبية دأبت على اعتبار أن “الياجورة لا توضع إلا بعلم المقدم والقائد”.
بالحي الحسني بالبيضاء، تحركت الجرافات في اليومين الماضيين بسوق “ولد مينة”، لإزالة ما تعتبره السلطات مخالفات، وهو المشهد نفسه الذي تكرر قبل ثلاث سنوات، بعيد تعيين العامل نفسها التي مازالت تسير عمالة المقاطعة، إذ أطلقت حينها حملة واسعة أتت على حدائق المنازل وواجهات المقاهي.
وبالبرنوصي وعين السبع أعيدت سيناريوهات استهداف الواجهات الخاصة بالمقاهي والمطاعم تحت عنوان محاربة البناء العشوائي واحتلال الملك العمومي، وبمناطق أخرى من العاصمة المليونية اتفقت السلطات على نهج الأسلوب نفسه، في الوقت ذاته، تزامنا مع فترة عصيبة يمر منها اقتصاد البلد وتفشي الغلاء، ودون سابق إنذار للمعنيين بالهدم، ولا فرصة الإشعار بإزالة المخالفات، قبل تنزيل الزجر.
ولن نستغرب بعد ثلاث سنوات أخرى، أن تعود الحالة إلى ما كانت عليه، وتنطلق عمليات الهدم وسط احتجاج أرباب المحلات التجارية والمقاهي المستهدفين، إذ أن تكرار هذه العمليات يسائل السلطات حول المراقبة ويضعها أمام مبدأ “زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون”، إذ لا يعقل أن يكون تطبيق القانون موسميا وباستعراض للقوة وتجنيد لأسطول من الجرافات والشاحنات، مع ما يكلف ذلك من أموال، في الوقت الذي تمكن فيه المراقبة الآنية من تفريد العقاب والحيلولة دون استفحال المخالفات.
وتحولت مباغتة محتلي الرصيف بالطريقة التي تتم بها، إلى موضة مستفزة أو ما يشبه حربا، يتحول فيها المخالفون إلى ضحايا، سيما أن بعضهم إن لم نقل أغلبهم يؤدون رسوما عن الاحتلال المؤقت للملك العمومي، ويعتبرون تجاوز المقاسات المسموح بها، حقا مكتسبا في ظل مباركة السلطة وغضها الطرف عنها، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول الأخطاء التي تراكمت إلى أن بلغ الاحتلال ما بلغه.
لا يختلف اثنان حول تطبيق القانون، أو حول تدخل السلطة لإخلاء الملك العمومي وإفساح الأرصفة للراجلين، لكن تنزيل الردع على التجار، الطرف الضعيف في المعادلة، دون شمول التأديب من سمحوا بالتسيب، سينتج الواقع نفسه، و”يعيد حليمة إلى عادتها القديمة”.
المصطفى صفر